بغداد – تجدّدت في البصرة الغنية بالنفط، جنوب العراق، المطالبة بتحويل المحافظة إلى إقليم فيدرالي، على غرار تجربة المنطقة الكردية، ما يضيف عبئا جديدا على حكومة عادل عبدالمهدي التي تواجه استحقاقات مركبة.
يأتي هذا فيما يحذّر معارضون لفكرة الإقليم من أن الاستجابة لهذا المطلب ستعني آليا فتح الباب أمام تفتيت العراق إلى أقاليم بخلفيات مناطقية ومذهبية.
وسبق أن حاول وائل عبداللطيف، وهو أحد ساسة البصرة البارزين، الحصول على تأييد السكان لإعلان المحافظة إقليما عام 2008، لكن جهوده باءت بالفشل.
ويقول مراقبون إن الظروف تختلف في 2019، ما يمنح تجديد المطالبة بالإقليم زخما قويا.
ومنذ صيف العام الماضي، الذي شهد احتجاجات حاشدة تخللها عنف في المدينة الجنوبية، طرح نشطاء بصريون فكرة الإقليم. ويراهن هؤلاء على فصل الصيف الذي دق أبواب العراق منذ أيام، للحصول على زخم شعبي أكبر، بسبب النقص المتوقع في إمدادات الطاقة الكهربائية والمياه الصالحة للشرب، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، التي تتجاوز حاجز الـ50 مئوية في العادة خلال شهر يوليو من كل عام.
وبسبب وقوعها قرب الخليج العربي، تمثل الرطوبة عاملا سلبيا يضاف إلى ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، ما يتطلب وجود تيار كهربائي مستمرّ.
ويسمح الدستور العراقي لكلّ محافظة أو أكثر بتشكيل إقليم وفق آليات محددة، أبرزها الحصول على تأييد عشر السكان في استفتاء علني. لكن الأمر سيكون بحاجة إلى إجماع برلماني يصعب تحقيقه في العادة بشأن المسائل الخلافية.
واحتوى الدستور العراقي الجديد على فقرات هي عبارة عن ألغام، يمكن أن تؤدي إلى نسف الدولة العراقية الموحّدة في أي وقت إذا لم تتم مراجعتها وعرضها على الاستفتاء العام. ومن الفقرات تلك التي تنصّ على حق المحافظات في إقامة أقاليم لامركزية. وهي الفقرة التي زجّ بها الأكراد في الدستور بموافقة أميركية من أجل الحفاظ على استقلالهم الذي كان قائما منذ سنة 1991.
وتجمع المؤشرات على أن مشروع الإقليم في حال طرحه على الاستفتاء في البصرة، سيحظى بتأييد شعبي كبير.
وستلعب إيران دورا مهما في الحث على المطالبة باستقلال المحافظة الثرية التي تقع تحت هيمنة ميليشياتها بغية الضغط على الحكومة العراقية من أجل ألا تنخرط في مشروع العقوبات الأميركية التي صارت تضيّق الخناق على إيران بعد أن تم تصنيف الحرس الثوري الإيراني باعتباره منظمة إرهابية.
ويراهن داعمو مشروع الإقليم على ثراء البصرة لتحويلها إلى منطقة اقتصادية مطلة على الخليج العربي، لكن تلويحهم بملف النفط يثير المخاوف في أرجاء العراق.
وتقوم الأطروحة البصرية في ملف الإقليم على فكرة أن المحافظة أولى بثرواتها. لكن الدستور العراقي ينصّ على أن التصرف في الثروات الطبيعية هو حق حصري للحكومة الاتحادية في بغداد.
ويثير تمرّد المنطقة الكردية على هذا البند في الدستور، وتصرفها المنفرد في النفط المستخرج من حقولها غضب سكان البصرة، الذين يطالبون معاملة بالمثل.
ويقول سكان البصرة إن الحكومة الاتحادية تقيد السلطات المحلية في التصرف بملف التوظيف، وتمنح المنطقة التي تسهم في تمويل نحو 90 بالمئة من موازنة البلاد، مبالغ أقل من حاجتها بكثير.
ويدفع المجلس المحلي بأن عمليات استخراج النفط تسبب قدرا هائلا من التلوث في المدينة وتسهم في انتشار أوبئة قاتلة، ما يستلزم تعويض السكان.
ويقول رئيس مجلس محافظة البصرة، صباح البزوني، إن “حكومة البصرة مقيدة بالكامل بشأن الصلاحيات، أما التخصيصات المالية فلم تمنح المدينة إلا ما نسبته 10 بالمئة من مجموع الاستحقاقات”.
وأضاف أن “الذهاب باتجاه الإقليم لا يعني تقسيم البلاد وفقا للدستور، وهناك من يريد أن يضرب تلك المطالبات الشعبية والحكومية”.
واتخذ مجلس البصرة أخيرا قرارا بإعادة تنشيط ملف الإقليم، لكنه يواجه معارضة قوية من الحكومة الاتحادية. وبات أمرا مألوفا أن تخرج تظاهرات شعبية في البصرة، ترفع علما جرى اختياره ليمثل الإقليم.
وتعهد نائب في البرلمان العراقي بعرض مقترح الإقليم على اللجان النيابية المختصة لدراسته.
وقال النائب أحمد حيدر إن “ما حال دون تحويل البصرة إلى إقليم في الفترة الماضية هو عدم وجود توافقات سياسية بشأن ذلك فضلا عن المخاوف من توجه الدولة إلى التقسيم”، لافتا إلى أن “زوال تلك المخاوف” يتيح الفرصة لدراسة المقترح مجددا.
وأضاف أن “تحويل البصرة إلى إقليم يجب أن يسبقه حشد للرأي العام والكتل السياسية، لتمريره عبر البرلمان”.
ولم تدل الحكومة المركزية بتعليق في هذا الشأن، لكن مصادر مطلعة أكدت لـ”العرب” أن “المزاج السائد في مجلس الوزراء العراقي لا يميل إلى السماح لهذه الفكرة بالتطور، خشية انتقالها إلى محافظات أخرى، أو الإخلال بالنظام الاقتصادي المعقد في البلاد”.
ويمكن أن تشكل الاحتجاجات البصرية المتوقعة خلال الصيف ضد نقص إمدادات الماء والكهرباء، عاملا مساعدا لحث الحكومة المركزية على إعادة النظر في موقفها من ملف إقليم البصرة، في ظل تلويح نشطاء بأن التظاهرات ستتجدّد قرب مراكز إنتاج النفط في مدينتهم، ما يعرضها للإغلاق، كما حدث الصيف الماضي.
ويقول مراقب سياسي عراقي إنه إذا ما كان استقلال الإقليم الكردي لم يؤثر سلبا على مصير العراقيين فإن إقامة إقليم الجنوب وعاصمته البصرة إنما ينذر بتسليم العراقيين إلى مجاعة، سيكون تفكيك العراق أمرا هيّنا بالمقارنة بما سيترتب عليه من تداعيات خطيرة على مستوى الوضع الإنساني.
ويضيف المراقب في تصريح لـ”العرب” أن هذا الإجراء يمكن أن يقود إلى حرب أهلية لا لأنه سيكون محفّزا للمحافظات السنية للشروع في إقامة إقليمها المستقل فحسب، بل لأنه أيضا سيضع بغداد في مواجهة عجز كامل عن إدارة شؤون المحافظات الفقيرة بعد أن تعلن إفلاسها.
ويشير إلى أن المسألة لا تتعلق بالطريقة التي يتم من خلالها التصرّف بالثروة وطنيا بقدر ما تشير إلى مبدأ تقاسم تلك الثروة حصصا بين الأحزاب النافذة في الأقاليم، وهو مبدأ يقوم على تكريس الفساد باعتباره ظاهرة اجتماعية وليس مجرد انحراف سياسي.
العرب