تنتاب الهواجس المعتصمين أمام القيادة العامة للجيش السوداني -منذ السادس من الشهر الجاري- بشأن مدى جدية المجلس العسكري الانتقالي في تنفيذ قائمة طويلة من مطالب الانتقال السلمي للسلطة.
وربما يجد رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان بخلفيته العسكرية نفسه مضطرا للدخول في مماحكات مع قوى سياسية اعتادت هذا النوع من المفاوضات في سبيل الاتفاق على مطالب تعتمد على الشرعية الثورية.
ووضع تجمع المهنيين السودانيين الذي تبنى منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي مواكب تنحي الرئيس المخلوع حزمة شروط تفضي لتسليم السلطة فورا لحكومة انتقالية مدنية.
وفي أول اجتماع بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري السبت الماضي، اتسمت انطباعات المعارضين بالارتياح. ويضم “إعلان الحرية والتغيير” تجمع المهنيين السودانيين وقوى الإجماع الوطني وتحالف نداء السودان والتجمع الاتحادي المعارض.
ورقة الأربعاء
ووفقا للمتحدث باسم قوى الإجماع الوطني المنضوية تحت “إعلان الحرية والتغيير” ساطع الحاج، فإن الساعات القادمة ستكون حاسمة، حيث يتوقع اكتمال ورقة مطالب الانتقال يوم غد الأربعاء.
ويقول الحاج للجزيرة نت إنه مع اكتمال هذه الورقة سيجلس ممثلو قوى إعلان الحرية والتغيير مع المجلس العسكري لنقاش نقاط الانتقال وتحديد برنامج عمل خلال الأسابيع القادمة.
ويرى أنه حتى الآن لم يتحقق أي شيء من مطالب الانتقال من دون أن يحمل المجلس العسكري مسؤولية ذلك، مشيرا إلى أن أهم ما يطالبون به أن يحكم الشعب نفسه مدنيا بقواه السياسية بتشكيل مجلس سيادة ومجلس وزراء ومجلس تشريعي.
مناطق النزاع
بيد أن مطالب الانتقال تبدو مختلفة لدى الحركات المسلحة التي تحولت إلى أحزاب والتحقت بعملية الحوار التي دعا إليها الرئيس البشير.
ويحدد الأمين العام لحزب التحرير والعدالة عثمان واش ثلاث نقاط للانتقال يراها مهمة، وهي احتواء المشكلة الاقتصادية وإحراز توافق بين القوى السياسية وإنجاز عملية سلام مع حملة السلاح.
لكن الصحفي والمحلل السياسي النور أحمد النور يدعو إلى عدم المغالاة في المطالب، لأن بعضا منها ليست من مهام المجلس العسكري، بل يجب أن توكل للحكومة الانتقالية.
ويشير النور في حديثه مع الجزيرة نت إلى أن السودانيين الآن يجب عليهم الاستفادة من تراكم خبراتهم الثورية، فقد أنجزوا من قبل ثورة 21 أكتوبر/تشرين الأول 1964 وانتفاضة 6 أبريل/نيسان 1985.
ويحذر من تكرار خلافات القوى السياسية بعد ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964، فثمة شبه بين تجمع المهنيين المحرك لثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 وجبهة الهيئات التي حركت الشارع في ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964.
وشهدت البلاد بعد ثورتي أكتوبر وأبريل تنازعا بين القوى السياسية يرى مراقبون أنه كان سببا مباشرا في انقلاب العسكر على الأنظمة الديمقراطية.
شروط التجمع
وعدّ إعلان الحرية والتغيير “سقوط رأس النظام انتصار رمزي”، واقترح مجلسا سياديا يمثل رأسا للدولة ومجلسا تشريعيا انتقاليا قوميا مصغرا وحكومة انتقالية مدنية بصلاحيات تنفيذية واسعة.
ولدى التحالف هواجس من محاولة العسكر كسب الزمن والمناورة، مما يجعل إقناع المعتصمين بمغادرة شارع القيادة العامة للجيش أمرا صعبا يفاقم الاختناق بمنطقة تضم مقار حكومية حساسة.
وبدأت المعارضة قائمة مطالبها بتوقيف البشير ومدير جهاز الأمن المستقيل صلاح قوش والذين سبقوه على رئاسة الجهاز الذي كان يتمتع بسلطات واسعة في التوقيف والاحتجاز، فضلا عن إلقاء القبض على مدبري ومنفذي انقلاب 30 يونيو/حزيران 1989.
وبحسب المجلس العسكري فإن البشير وعددا من قادة المؤتمر الوطني تحت الإقامة الجبرية “في مكان آمن”، لكن هذا لا يقنع المعارضة ولا حتى دولا غربية، حيث أعلن السفير البريطاني بالخرطوم عرفان صديق أنه طلب توضيحا من نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان حميدتي بعد لقائه أمس الاثنين بشأن مكان وجود البشير وكبار النظام السابق.
رد الجميل
واستجاب المجلس العسكري لدعوة المعارضة إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين وجميع الضباط وضباط صف وجنود الجيش الذين انحازوا للثورة، كما استجاب لمطالب تتعلق بالحجز على أصول وممتلكات حزب المؤتمر الوطني، لكن مطالب أخرى مثل الحجز على الأصول والحسابات المالية والعقارية لقادة النظام وأفراد أسرهم لا تبدو قيد التنفيذ.
وبشأن الدعوة لإقالة النائب العام ورؤساء النيابة العامة ورئيس القضاء ونوابه ورؤساء الأجهزة القضائية وحل النقابات والاتحادات المهنية فهي لم تر النور بعد.
لكن المجلس العسكري اتخذ قرارا قبل يومين بالبدء في التغيير الفوري للتمثيل الخارجي بإعفاء سفيري السودان لدى جنيف وواشنطن مصطفى عثمان إسماعيل ومحمد عطا.
وعلى ما يبدو فثمة معركة أسلحتها الزمن والصبر ستكون بين تجمع المهنيين وحلفائه من أحزاب المعارضة وبين المجلس العسكري، لكن قطعا العامل الحاسم سيظل هو استمرار الاعتصام في محيط قيادة الجيش أو فضه.
الجزيرة