أغضب قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، دعم سياسة إسرائيل التوسعية في الجولان السوري، القيادات السياسية والحزبية ووسائل الإعلام التركية بكل ميولها وتوجهاتها. وتلتقي القناعة في تركيا مع مقولة إن قرار ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل منذ 1967 يسيء إلى سمعة أميركا أولا، ويضرب أسس القانون الدولي وقواعده بعرض الحائط ثانيا. ويخرق الأعراف الدبلوماسية والسياسية المعمول بها من المجتمع الدولي ثالثا. ويشكل مقدمة لتحول جذري في مسار الأزمة السورية باتجاه التفتيت والتقسيم والشرذمة رابعا.
يقول ترامب للعالم إن مرور 52 سنة على الاحتلال جعل من أسلوب قضم الأراضي وضمها مشرعا بعد الآن، لكنه وكما يبدو يستعد، وهنا الخطورة الأكبر، لدعوة القوات الدولية الموجودة في الجولان منذ عقود إلى مغادرة المكان، والانتقال إلى الداخل السوري، لتشكيل نقاط حدودية جديدة، إذا ما كانت راغبة في البقاء هناك.
أرض تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 حسب قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن رقم 242 عام 1967 و338 عام 1974 و497 عام 1981، فيدخل ترامب على الخط وسط رفع سقف الازدراء بالشرعية الدولية، والإعلان عن رغبةٍ أميركية واضحة بإشعال منطقة الشرق الأوسط إرضاء لحليفه الإسرائيلي، كما قالت بيانات الخارجية التركية ومواقفها. يعرف ترامب أن ما ستكتفي به دول عربية عديدة، خصوصا الداعم بينها صفقة القرن، هو إبقاء قرارات قمة تونس العربية حبرا على ورق، ونسف أية إجابة على السؤال عن فرص إنقاذ حوالي 1200 كيلومتر من الأراضي السورية من أيدي الإسرائيليين والأميركيين، كما قال وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو، وهو ينتقد القرار.
هل انزعج بعضهم من قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نقل المسألة إلى الأمم
“التصدي التركي للقرار الأميركي في موضوع الجولان مرتبط مباشرةً باصطفافات إقليمية جديدة” المتحدة ومجلس الأمن، إذا ما حاولت واشنطن وتل أبيب تنفيذ المساس بوضع الجولان هضبة سورية محتلة؟ ما الذي تقوله أنقرة وتتحسب له بعد الآن على ضوء القرار الأميركي؟ يرى وزير العدل التركي عبد الحميد غل في القرار مؤشّرا آخر لصورة التحدي والتصعيد والتهوّر في سياسات ترامب الخارجية، وتضاربا واضحا مع ميثاق الأمم المتحدة في ضم الأراضي بالقوة. لن يبدل القرار، كما ترى أنقرة، في الحالة القانونية للهضبة، حتى ولو فتح الطريق أمام إعطاء تل أبيب ما تريد فعله سياسيا وأمنيا وجغرافيا في المنطقة. وتردد القيادات التركية أن قرار ترامب هدية لنتنياهو، وهو في طريقه إلى البقاء رئيسا للحكومة الإسرائيلية. ويريد الرئيس الأميركي أن يكون اللوبي الإسرائيلي ومؤسساته إلى جانبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2020، والاحتفاظ بأصوات الإنجيليين المتعاونين مع مجموعات الضغط والنفوذ هذه.
وقد توقف مؤرخون أتراك عند الوجود التركماني منذ القرن الحادي عشر في الجولان، هذه الأراضي الزراعية الخصبة. وليس هدفهم حتما استفزاز آخرين، عندما يذكّرون بالوجود التاريخي للأتراك في المكان، وليس العودة بالتقادم إلى هناك إذا ما تنازلت دمشق عنه. وتتحدث تحليلات تركية عن سيناريوهات متعددة ومعقدة في القرار الأميركي الذي سيعطي إيران الذريعة التي تريدها للبقاء في سورية، تحت عنوان التصدّي لاستنزافها ومحاولة إخراجها من المعادلة الإقليمية وإبعادها عن خططها في لبنان وسورية والعراق. وأن القرار سيفتح الطريق أمام مشروع التفتيت والتقسيم في سورية، لتكون إسرائيل هي من يبدأ بذلك في حدود فلسطين الشمالية الشرقية، ثم تتبعها وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرقي سورية وشرق الفرات، وتفعيل مخطط ضم أجزاء جديدة من الضفة الغربية، وترك أجزاء للفلسطينيين في غزة، لتكون هي حدود الدولة الفلسطينية في “صفقة القرن”. احتمال ضعيف جدا أن يكون هدف ترامب إلزام دمشق بالجلوس أمام طاولة التفاهمات التي يريدها في المنطقة، كونه يعرف استحالة حدوث ذلك، وسط الكماشة الإيرانية-الروسية التي تحاصر القرار في دمشق.
مؤكّد أن إسرائيل تراهن مجددا على إحياء روح مؤتمر بازل عام 1897 وإسرائيل الكبرى
“احتمال ضعيف جدا أن يكون هدف ترامب إلزام دمشق بالجلوس أمام طاولة التفاهمات التي يريدها في المنطقة” من الفرات إلى النيل، ومحاولة توسيع حدودها مرة أخرى باتجاه الفرات أكثر فأكثر. ولكن خطورة سيناريوهات المستقبل تتقاطع عند هدف إسرائيل الأهم، وهو الوصول إلى مصادر المياه في دجلة والفرات خلال السنوات الخمس المقبلة عبر الورقة الكردية، وتحريك المشروع الانفصالي، وترك تركيا والأكراد في مواجهة تقاسم مياه النهرين، لتدخل هي وواشنطن على الخط تماما، كما فعلت في موضوع النيل، ووصولها إلى المياه هناك، عبر علاقات استراتيجية قوية مع دول منابع النهر.
مشكلة النظام في دمشق أنه، منذ العام 1974، لم يقم بأية عملية عسكرية، أو يلوح بها حتى لاستعادة أراضيه بالقوة من إسرائيل. هو أراد المناورة باتجاه الوصول إلى ما يريده عبر لعب الورقة اللبنانية، ومحاولة استغلال دخوله العسكري إلى لبنان عام 1976، بغرض الفصل بين القوى اللبنانية المتحاربة، للمساومة على استرداد الجولان، مقابل ضمانة لعب ورقة التفاوض على السلام مع تل أبيب لبنانيا وسوريا. ولما وصل إلى طريق مسدود، تحرك باتجاه عكسي عام 1983، لتعطيل الاتفاقية اللبنانية – الإسرائيلية، وتجميد أي حوار بين البلدين عبر الهيمنة على لبنان وقراراته السياسية والأمنية والمائية والاقتصادية، في إطار تحرّك مواجهة التطبيع مع العدو.
أقلام وأصوات تركية كثيرة باتت ترى اليوم أن خطة الاستهداف الإقليمي التي تقودها أميركا وإسرائيل، مع بعض شركاء “صفقة القرن” في المنطقة، هي في العلن ضد إيران، لكنها، وفي العلن أيضا، ضد تركيا. يخدم قرار ترامب المصالح الإسرائيلية، ويصعد ضد إيران، لكنه يفتح الطريق أمام اصطفاف إسرائيلي مع بعض العواصم العربية ضد تركيا. التصدّي التركي للقرار الأميركي في موضوع الجولان مرتبط مباشرةً بهذه الاصطفافات الإقليمية الجديدة، وهو لن يتوقف عند الاستنكار والتنديد، خصوصا أن بعضهم عربيا دعا إلى الهدنة في الممارسة والتطبيق، على الرغم من تصعيده على الورق.
كانت زوجة أحد مشايخ الطريقة تسأل زوجها قبل الذهاب إلى الوضوء إذا ما كان يريد تقبيلها. الدرس الذي استخلصه بعضهم هو الترويج للشافعية.
العربي الجديد