أنقرة – تسير تركيا نحو خسارة نفوذها الأفريقي، وبشكل متزامن مع التحولات التي يعرفها السودان وليبيا ودول القرن الأفريقي، في وقت يضغط فيه الحراك الشعبي في السودان على المجلس العسكري الانتقالي لإبطال الاتفاق الذي تم مع تركيا في عهد الرئيس السابق عمر حسن البشير بشأن جزيرة سواكن.
ويأتي هذا فيما تتجه تركيا نحو خسارة نفوذها في ليبيا في وضع انحسار نفوذ الميليشيات الحليفة ونجاح قائد الجيش الوطني الليبي في إحكام تطويق تلك الميليشيات في العاصمة طرابلس بانتظار اللحظة الحاسمة لاستعادتها.
ويطالب قياديون في الحراك الشعبي ونشطاء على مواقع التواصل قيادة المجلس الانتقالي الجديد في السودان بوقف الاتفاق مع تركيا وقطر بشأن أي شكل من أشكال النفوذ الاستثماري أو العسكري في جزيرة سواكن، فيما تتحدث أوساط سودانية مطّلعة عن أن المجلس منح مهلة لتركيا لإخلاء الجزيرة في أقرب وقت.
وستكون هذه الخطوة بمثابة ضربة قوية للنفوذ الذي بنته تركيا في السودان بهدف تطويق مصر واستهداف السعودية، وكذلك زيادة نفوذها في القرن الأفريقي والاستفادة من الصراعات المحلية لتثبيت قدمها انطلاقا من قواعد تبنيها في جزيرة سواكن المطلة على البحر الأحمر.
وكان العمل قد توقف في جزيرة سواكن عقب الاحتجاجات التي اندلعت ضد نظام البشير الذي ظل يحكم البلاد طيلة 30 عاما.
وزار البشير تركيا مرات عدّة على الرغم من أنّه مطلوب بتهم ارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وكان البشير أحد ضيوف أردوغان عند افتتاح مطار إسطنبول الجديد في أكتوبر الماضي.
وبعد زيارة قام بها أردوغان في عام 2017 وأدّت إلى تعزيز العلاقات بين البلدين، وافق السودان على السماح لتركيا بترميم ميناء جزيرة سواكن في البحر الأحمر الذي ازدهر خلال الحقبة العثمانية.
ونفى أردوغان في ذلك الوقت وجود خطط لبناء قاعدة عسكرية، لكنّه قال إنّ الميناء الذي تمّ تجديده قد يجتذب الحجّاج المتوجهين إلى مكّة ويعزّز السياحة في السودان.
وتقع سواكن على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وتبعد عن الخرطوم حوالي 560 كيلومترا، وقرابة 70 كيلومترا عن مدينة بورتسودان، ميناء السودان الرئيسي، وتم استخدام الجزيرة كميناء للحجاج من جميع أنحاء أفريقيا لعدة قرون.
واستُخدمت الجزيرة في عهد الدولة العثمانية لحماية أمن البحر الأحمر والحجاز ضد التهديدات المحتملة، وتضم معالم هامة للغاية، مثل الميناء العثماني التاريخي ومبنى الجمارك ومساجد الحنفية والشافعية ومبنى الحراس.
وتاريخيا، عانت تركيا من التمدد في زمن العثمانيين وانتهى هذا التمدد غير المبرر بانهيار إمبراطوريتها وانكماشها إلى الأناضول فقط مع لسان بسيط في أوروبا، وإلى اليوم لا يعرف مصير الآلاف من الجنود العثمانيين في القرم واليمن وليبيا حتى بعد مرور قرن من الزمن.
ومن الواضح أن الرئيس التركي الحالي يبحث عن إعادة الأتراك إلى الوراء ليعاودوا نفس المأساة التي عاشتها الإمبراطورية العثمانية، اعتمادا على الهيمنة الناعمة التي تجزل المساعدات وتتولى تغيير مناهج التعليم والتربية وطرق فهم الدين.
وكانت تركيا افتتحت أكبر قاعدة عسكرية لها في الصومال، وتغدق الكثير من الأموال والإمكانيات لتثبيت وجودها هناك، لكن اتجاهات الحرب في الصومال تبدد هذا المسعى وربما تحمل أنقرة إلى تورط بعيد المدى في الصومال.
ويقول مراقبون إن سياسة تركيا وضعتها في مواجهة نفوذ متعدد الوجوه سواء بالنسبة إلى الدول الكبرى أو دول عربية مثل مصر والسعودية، وهو ما خلق لها أزمات فعلية في ملفات كثيرة، وبينها ليبيا التي بات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر رقما محوريا فيها، خاصة أنه على أبواب استعادة العاصمة طرابلس من ميليشيات مرتبطة بأنقرة والدوحة.
ومن شأن سيطرة قوات خليفة حفتر على طرابلس الكشف عن ملفات الدعم الذي قدمته أنقرة للميليشيات المختلفة، وأن الأمر قد يخرج من باب الجدل السياسي إلى دائرة القضاء الدولي التي طالما لوح مسؤولون ليبيون معارضون للوجود التركي بالالتجاء إليه.
وأعلن الجيش الوطني الليبي عن بسط سيطرته على عدة مواقع جديدة في محاور القتال بالعاصمة طرابلس.
وقال مركز الإعلام الحربي في بيان نشر السبت، في صفحته على موقع فيسبوك إن “قواتنا تتقدم.. فيما تنسحب ميليشيات الوفاق وتتقهقر في جميع المحاور”.
وأضاف البيان “تعزيزات عسكرية وصلت إلى مختلف المحاور من ألوية عسكرية وكتائب للجيش لحسم المعركة في أقرب وقت بعون الله.. و(سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)”.
وتابع “ميليشيات مصراتة تطلق طائراتها الحربية لاستهداف المدنيين في غريان ومزدة، وأن دفاعاتنا الأرضية لها بالمرصاد. وسلاحنا الجوي يترصد طائراتها لإسقاطها”.
وسينعكس انحسار الدور التركي في ليبيا بشكل واضح على دور أنقرة في تونس، حيث تعيش حركة النهضة الإسلامية ذات الخلفية الإخوانية، وضعا صعبا بسبب مشاركتها في الحكومة وتحملها نصيبا كبيرا في الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، فيما تتسع دائرة الصراع السياسي والحزبي.
العرب