فيها ما هو أخطر من تمديد رئاسة السيسي، هذا ما يراه العديد من الكتاب والسياسيين في التعديلات الدستورية التي يجري الاستفتاء عليها في مصر حاليا.
ويواصل المصريون لليوم الثاني الاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور التي وافق عليها مجلس النواب (البرلمان) الأسبوع الماضي.
وأثارت التعديلات جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض، وانصب معظم الجدل حول المادة التي تسمح بتمديد رئاسة عبد الفتاح السيسي حتى عام 2030، إلا أن مراقبين يرون أن هناك مواد أخرى لا تقل خطورة لكن جرى التعتيم عليها وعدم إثارة النقاش حولها.
ففي الفقرة الأولى من المادة (140)، وافق النواب على أن ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين.
لكن المادة الانتقالية (241 مكرر) منحت السيسي فرصة أخرى للتمديد لولاية ثالثة، حيث نصت على أن “تنتهي مدة رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء ست سنوات من تاريخ إعلان انتخابه رئيسا للجمهورية في عام 2018، ويجوز إعادة انتخابه لمرة ثانية”.
هذه المادة الانتقالية اعتبرها المؤيدون لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 المسمار الأخير في نعش الثورة، حيث حذفت المكتسب الوحيد المتبقي من الثورة والمتعلق بتحديد فترات الرئاسة.
الجيش فوق الدولة
لكن الخطورة لا تقتصر على السماح للسيسي بالبقاء في السلطة، فهناك المادة الخاصة بدور الجيش وتعريفه والتي تجعله فوق كل السلطات، على غرار الجيش التركي في مرحلة ما قبل الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، حيث كان الجيش “حامي العلمانية” وهو ما مكنه من تنفيذ خمسة انقلابات عسكرية ضد حكومات منتخبة بدعوى “حماية العلمانية”.
وينص التعديل في الفقرة الأولى من المادة (200) على أن من ضمن مهام القوات المسلحة “صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد”.
هذا التعديل وصفه الكاتب الصحفي جمال سلطان بـ”العدوان الدستوري الجديد الذي يحول الدولة إلى دولة عسكرية بامتياز، وبشكل واضح وعلني ودستوري أيضا”.
واعتبر سلطان -في مقال له- أن المادة الخاصة بدور الجيش تعني أن السلطة السياسية العليا في البلاد أصبحت للمجلس العسكري وليست للشعب المصري وإرادته، مضيفا “وأصبح من حق الجنرالات أن يجتمعوا لإلغاء أي انتخابات أو عزل أي رئيس أو الإطاحة بأي حكومة أو إلغاء أي برلمان منتخب أو محو أي حزب سياسي أو تفكيك أي مؤسسة في الدولة، إذا رأوا أن في ذلك صونا للديمقراطية ومقومات الدولة”.
وتابع: “هذا يعني أن فكرة الدولة بمفهومها الحديث وبكاملها أصبحت غير موجودة، فأصبح الحاكم الحقيقي هو قيادات الجيش، والسلطة الحقيقية هي للمجلس العسكري، والشرعية العليا في البلاد هي لرأي الجنرالات، ومن حقهم الآن أن يفعلوا ما يشاؤون في البلاد والعباد بدون أي مراجعة أو منازعة أو تدخل من أي سلطة أخرى في البلاد، فضلا عن أن فكرة السيادة للشعب تصبح لاغية بداهة”.
وقارن سلطان بين هذه التعديلات وبين الدستور التركي في مرحلة ما قبل أردوغان، قائلا “كان هذا النص قد وضعه العسكريون في دستور الجمهورية التركية بعد انقلاب عام 1960، وأصبح هو المستند لكل الانقلابات العسكرية التي جرت بعد ذلك وأطاحت بالبرلمان والرئاسة والحكومة والدستور نفسه، وارتكبت مجازر دموية واعتقلت مئات الآلاف من المواطنين، بدعوى حماية الدولة والحفاظ على مقوماتها”.
وكان الصحفي ياسر رزق -المقرب من السيسي والجيش- قد كتب مقالا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اقترح فيه عدة تعديلات دستورية، من بينها النص على دور الجيش في حماية أهداف “ثورة 30 يونيو”، في إشارة إلى مظاهرات خرجت ضد الرئيس محمد مرسي عام 2013 ومهدت الطريق للسيسي (وزير دفاعه آنذاك) لقيادة انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا بعد عام واحد من وصوله إلى السلطة.
الجيش هو الدولة
بدوره اعتبر أستاذ الدراسات العربية الحديثة في جامعة كامبريدج خالد فهمي أن الخطورة الحقيقية في التعديلات الدستورية هي هيمنة الجيش على الدولة، والعودة إلى صيغة حكم أسوأ مما كانت عليه في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.
واستعرض فهمي طبيعة العلاقة بين الدولة والجيش منذ عبد الناصر إلى الآن، واعتبر أن التعديلات الدستورية لا تتعلق بالشعب المصري وإنما تتعلق بترتيب طبيعة الحكم والعلاقة بين المؤسسات، وقال “الهدف أعمق وأخطر من السيسي، الهدف هو التخلص من رواسب الفكرة الجمهورية برمتها”.
وأوضح أستاذ التاريخ المصري أن دولة يوليو التي أسسها عبد الناصر كانت من يومها جمهورية دون جمهور، لكن من حين لآخر حاول الجمهور أن يثبت وجوده ويناطح “أسياد البلد” في مظاهرات وانتفاضات كان آخرها ثورة يناير، لذلك لا بد من حل حاسم يغير من طبيعة النظام الجمهوري كله.
وأشار إلى أن الجيش كان دولة داخل الدولة على امتداد التاريخ المصري الحديث، لكن التعديلات الأخيرة تجعل الجيش هو الدولة عبر “صهر الرئاسة والجيش والداخلية في بوتقة واحدة لتوحيد طوائف الدولة وتقويتها”.
هدم استقلال القضاء
وللمزيد من بسط الهيمنة على سلطات الدولة، تتضمن التعديلات تشكيل مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية برئاسة السيسي، على أن يتولى هذا المجلس تعيين وترقية وندب القضاة، فضلا عن النظر في القوانين المقترحة لتنظيم عمل الهيئات القضائية.
كما تمنح التعديلات السيسي حق اختيار النائب العام من بين ثلاثة مرشحين، بعد أن كان الاختيار من حق المجلس الأعلى للقضاء، وذلك وفقا للفقرة الثانية من المادة (189). وهو ما ينطبق أيضا على رئيس المحكمة الدستورية الذي كان يُعين بالأقدمية المطلقة، لكن أصبح الآن من حق السيسي الاختيار من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة، وفقا للفقرة الثالثة من المادة (193).
وعمدت التعديلات إلى تقليص صلاحيات القضاء الإداري الذي كان يلجأ إليه النشطاء في مخاصمة الحكومة، حيث نصت التعديلات على استمرار مهمته في مراجعة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية في العموم، لكن مع حذف سلطته في “صياغتها” والتي كان منصوصا عليها في دستور 2014، كما تم تقليص سلطته في مراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة أو إحدى الهيئات العامة طرفا فيها، بحيث يلزم النص الجديد بإصدار قانون يحدد قيمة العقود التي يراجعها القضاء الإداري.
وكان القضاء الإداري هو حجر العثرة أمام الحكومات المصرية المتعاقبة في إبرام العقود والاتفاقيات التي ترى فيها المعارضة مخالفة للقانون والدستور وإهدارا للحقوق المصرية، مثل قرارات الخصخصة وبيع شركات القطاع العام والتنازل عن حقوق مصر في غاز شرق المتوسط؛ وكان آخرها اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية التي أبطلها القضاء الإداري لكن الحكومة تغاضت عن الحكم بشكل أحرجها داخليا وخارجيا.
هذه التعديلات اعتبرها قضاة أنها “أسرفت في هدم استقلال القضاء، وأفرطت في النيل منه، لتقضي على ما تبقى للقضاء من استقلال، وتحوله إلى مرفق تديره السلطة التنفيذية، وتتجافى بالقضاء عن استقلاله وتتراخى عن حيدته وتجرده”.
جاء ذلك في مذكرة مرسلة من نادي قضاة مجلس الدولة برئاسة المستشار سمير يوسف البهي، إلى رئيس مجلس النواب علي عبد العال.
وتساءلت المذكرة “كيف لرئيس المحكمة الدستورية العليا وقد اصطفاه رئيس الجمهورية بموجب التعديلات، أن يفصل في مدى دستورية قانون أصدره الأخير؟ فمن غير المستساغ أن يختار الشخص (رئيس الجمهورية) من يحاكمونه إذا اقتضى الحال!”.
هذا ما دفع الكاتب الصحفي جمال سلطان إلى القول “لم يعد هناك أي معنى لفكرة استقلال القضاء أو وجود عدالة أو شيء اسمه سلطة قضائية مستقلة، فالكل أصبح رهن الإرادة السياسية للرئيس وتدخلاته ولعبة العصا والجزرة التي أصبح يملكها عليهم جميعا، أو رهن الإرادة السياسية للمجلس العسكري الحاكم الفعلي للبلاد وصاحب المرجعية والشرعية العليا”.
المصدر : الجزيرة