الجنيه السوداني يتعافى.. فما أسباب ذلك؟

الجنيه السوداني يتعافى.. فما أسباب ذلك؟

قطعا لن تكون “البركة” سببا في تعافي الجنيه السوداني أمام العملات الصعبة بعد نجاح الثورة في عزل الرئيس عمر البشير، فالاقتصاد لعبة للأرقام والحسابات فقط، هكذا عبرت الصيدلانية مآب.
ومنذ أيام يرتفع الجنيه السوداني، على غير العادة، أمام الدولار، وقبل اعتصام السادس من أبريل/نيسان الجاري سجل سعر صرف الدولار 72.5 جنيها، والآن لا يصد العملة الوطنية من الارتفاع سوى السعر الرسمي لبنك السودان المركزي المحدد في 45 جنيها.

ورفع بنك السودان المركزي سعر صرف العملة المحلية إلى 45 جنيها مقابل الدولار من 47.5 جنيها سابقا.

ونقلت وكالة السودان الرسمية للأنباء “سونا” أن الإجراء يتماشى مع الهبوط الحاد لسعر صرف الدولار في السوق الموازية.

وانخفض سعر شراء الدولار في السوق الموازية إلى 48 جنيها عبر الشراء نقدا، وإلى 56 جنيها من خلال الإجراءات المصرفية.

وتتفق آراء الخبراء الاقتصاديين على أن ارتفاع الجنيه مقابل العملات الأجنبية مؤقت وغير واقعي، مشددين على ضرورة تكريس سياسات اقتصادية ونقدية تغتنم الوضع الحالي لوقف تنمر الدولار.

عرض وطلب
ويرى الخبير الاقتصادي محمد الجاك أن تحديد سعر الصرف للدولار يعتمد على آلية السوق المتمثلة في الطلب والعرض، حيث برز أخيرا أن الطلب على الدولار انخفض.

ويحدد الجاك في حديث للجزيرة نت أسبابا عدة محتملة لصعود الجنيه، تتمثل في انخفاض حاجة المؤسسات الحكومية من الدولار من السوق الموازي، فضلا عن حالة عدم اليقين بسبب الظروف الحالية التي تجعل كثيرين مترددين في شراء الدولار كمخزن قيمة.

بنك السودان المركزي رفع سعر صرف العملة المحلية إلى 45 جنيها مقابل الدولار (الجزيرة)
ويرهن الجاك استمرار تعافي العملة الوطنية بأن تعيد الدولة النظر في السياسات الاقتصادية التي طبقت بشكل خاطئ ولا يخلو من تجاوزات، وخلقت مراكز احتكارية تعتمد على المضاربة في العملات.

ويقول الجاك “ما لم تتغير هذه السياسات والتنفيذ الخاطئ لها، فإن ارتفاع الجنيه لن يتواصل في المدى المتوسط والبعيد. هذا مرتبط بتغيير السياسات الاقتصادية وخاصة النقدية”.

تعاف مؤقت
ويقول المستشار في سوق الأوراق المالية طه حسين إن “انخفاض الدولار مؤقت” ولأول مرة يحدث قبل رمضان حيث يرتفع الطلب على الدولار.

وعزا الأمر إلى تراجع الطلب العالي للمشتريات الحكومية على خلفية وقف جميع الأنشطة طيلة فترة سقوط النظام، في حين انحصرت في مضاربات صغيرة، مما أدى إلى نقصان العرض والطلب، واعتبر الأمر إحدى بشريات زوال الفساد.

ويشير حسين إلى أن المبرر الأساسي للوضع الحالي يعود إلى حالة الخوف من إجراء العمليات على الحسابات الجارية، بجانب تفعيل قانون الطوارئ.

ويحذر من أن ارتفاع الجنيه لا يعود لأسباب اقتصادية لأن الدولار مرتفع بالأسواق العالمية، بينما الذهب في انخفاض منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وتوقع حسين عودة الجنيه للانخفاض إذا ظهر طلب على الدولار خلال المدة القادمة.

ويشدد على ضرورة أن تسعى الحكومة الانتقالية المتوقع تشكيلها إلى إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتحرير حركة التحويلات المصرفية.

ويؤكد طه حسين على أهمية خفض الدين الخارجي، وهو الآن بحسب موقع البنك الدولي بلغ 58 مليار دولار.

استمرار التضخم
اللافت أن حالة التعافي التي يعيشها الجنيه لم تنعكس على حالة التضخم التي ترزح الأسواق السودانية تحت وطأتها، ولا يكاد التجار والمستهلكون يشعرون بأي انخفاض في أسعار السلع والخدمات.

وسجلت معدلات التضخم في البلاد 45.5% خلال مارس/آذار الفائت.

وتسود حالة من الإحجام والارتباك في سوق السيارات والعقارات، أكثر القطاعات التي تستحوذ على الأموال، وسط مخاوف من خسائر فادحة يتكبدها التجار والوسطاء. وعلى مستوى الأدوية ومواد البناء يظل الترقب سيد الموقف.

وتقول الصيدلانية مآب إن ثمة إحجاما الآن من قبل شركات الأدوية التي تنتظر ما ستسفر عنه الحالة السياسية لارتباطها بالوضع الاقتصادي.

وتضيف “مؤكد أن ارتفاع الجنيه ليس من بركات الثورة. الاقتصاد أرقام ولا يوجد حتى الآن إنتاج أو منح وقروض تجعل الاقتصاد ينتعش، وعليه لم يحدث انخفاض في أسعار الدواء”.

أما عبد المنعم -صاحب متجر لبيع مواد البناء- فيبدو غير مكترث بارتفاع الجنيه. فقد اعتبر ما يجري استغلالا من تجار العملة لشراء الدولار بأسعار زهيدة ثم تحقيق أرباح طائلة ببيعه لاحقا بسعر أعلى.

وقطعا ما يهم السودانيين هو أن يشتروا الغذاء والدواء وكل السلع والخدمات بأسعار أقل تناسب مداخيلهم.

ويبلغ دخل المواطن السوداني 2631 دولارا سنويا، وفقا لتقرير للأمم المتحدة العام الماضي.

ووحدها الأسر التي تعتمد على تحويلات المغتربين من الخارج تبدو الأكثر تضررا من تراجع سعر صرف الجنيه.

الجزيرة