أعلن البيت الأبيض -اليوم الثلاثاء- أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعمل على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا أجنبيا، بالتنسيق مع زعماء بعض الدول العربية، في حين أبدت الجماعة استغرابها من أن تكون صياغة توجهات الإدارة الأميركية مرهونة “بديكتاتوريات قمعية” في الشرق الأوسط.وقالت المسؤولة الإعلامية في البيت الأبيض سارة ساندرز إن “الرئيس تشاور مع فريقه للأمن القومي وزعماء بالمنطقة يشاركونه القلق، وهذا التصنيف يأخذ طريقه عبر الإجراءات الداخلية”.وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ذكرت في وقت سابق أن إدارة ترامب تدفع باتجاه إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة “المنظمات الإرهابية الأجنبية”.وأكد مسؤول أميركي كبير ما ذكرته الصحيفة، وقال إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طلب التصنيف من ترامب خلال اجتماع خاص أثناء زيارة لواشنطن في التاسع من أبريل/نيسان.وبحسب هذا المسؤول، فإن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو يؤيدان التصنيف، إلا أن مسؤولين بوزارة الدفاع (بنتاغون) ومواقع أخرى يعارضونه، ويسعون لإجراء محدود بشكل أكبر.ومن شأن هذه الخطوة أن تؤدي إلى فرض عقوبات على أقدم جماعة سياسية إسلامية في مصر.
من جهتها، قالت جماعة الإخوان المسلمين إنها ستظل مستمرة في العمل وفق الفكر الوسطي السلمي لخدمة المجتمعات التي تعيش فيها.وأبدت الجماعة -في بيان لها- استغرابها من أن تكون صياغة توجهات الإدارة الأميركية مرهونة “بديكتاتوريات قمعية” في الشرق الأوسط.وأضاف البيان أن ما يقترفه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من جرائم لا يقتصر على أفراد جماعة الإخوان المسلمين، بل يتجاوزهم إلى كل فئات الشعب المصري.
وردت إيران وتركيا اليوم الأربعاء الفائت على مساعي الولايات المتحدة تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي أجنبي، وبينما حذرت أنقرة من تأثير ذلك على معاداة الإسلام في الغرب، قالت طهران إن واشنطن تدعم أكبر تنظيم إرهابي في المنطقة.وانتقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تلك المساعي، وقال إن الولايات المتحدة ليست في وضع يمكّنها من تسمية الآخرين بالمنظمات الإرهابية رافضا أي محاولة أميركية فيما يتعلق بهذا الأمر.وقال للصحفيين -على هامش مؤتمر حوار التعاون الآسيوي بالعاصمة القطرية الدوحة- إن الولايات المتحدة تدعم أكبر إرهابي بالمنطقة وهو إسرائيل، معتبرا أن “كل ما فعلته الولايات المتحدة حتى الآن هو زعزعة أوضاع المنطقة، ولا أذكر ولو حادثة واحدة لإسهام الولايات المتحدة في استقرار منطقتنا”.
وفي أنقرة، قال عمر جليك متحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم إن توجه الولايات المتحدة لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية” من شأنه أن يعزز معاداة الإسلام في الغرب وحول العالم.وأضاف أن القرار الأميركي المحتمل بهذا الشأن “سيشكل ضربة كبيرة لمطالب التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط، وسيؤدي إلى تقديم الدعم الكامل للعناصر غير الديمقراطية، وهذا أيضا يعتبر أكبر دعم يمكن تقديمه للدعاية لداعش .وتابع “ستكون لهذا نتائج تعزز معاداة الإسلام بأوروبا وأميركا، وتقوي موقف اليمين المتطرف حول العالم” محذرا من أن “غلق سبل المشاركة الديمقراطية، وحظر العناصر الديمقراطية، خطوة من شأنها المساعدة في ظهور عدد من التنظيمات الإرهابية بشكل خفي”.واعتبر جليك أن “المساواة بين جماعة إرهابية تميل للعنف المتطرف مثل داعش، وبين جماعة تتحرك وفق القانون والديمقراطية كالإخوان المسلمين، ستكون من أكبر أخطاء التاريخ”.
ويرى مراقبون أن ضم الإخوان المسلمين إلى قائمة الجماعات الإرهابية قد يؤدي إلى تعقيد علاقة واشنطن بتركيا، حليفتها في حلف الناتو. حيث يرتبط الإخوان المسلمين بصلات مع حزب العدالة والتنمية التركي، الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب إردوغان. وكان الكثير من أعضاء الجماعة قد فروا إلى تركيا بعد حظرها في مصر.
وبحسب تحليلات سياسية ترى في المسعي الأمريكي تصحيح لخطأ تاريخي ارتكبته المملكة المتحدة التي يُعتقد – من وجهة نظر بعض التحليلات السياسية- أنها خلف إنشاء أو رعاية التنظيم عام 1928م. وتعتبره قرار القرن إذا ادرجت واشنطن الإخوان المسلمين على لوائح الإرهاب.فمن وجهة نظر تلك التحليلات يعد القرار ذو طابع أمني أولا وسياسي ثانيا. لم يخف الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومنذ بدايات حملته الانتخابية اشمئزازه من أولئك الذين “يضمرون الكراهية والشر” لأميركا والعالم الحر والقيم الإنسانية والحضارية. لم يتردد في ذكرهم بالإسم في أكثر من مناسبة قبل وبعد توليه الرئاسة. موقف ترامب تؤيده الأغلبية الساحقة في الأوساط الشعبية قبل الرسمية لكن الخلاف المزمن كان في التعاطي مع هذا الشر: سواء في عنوانه الإخواني أو لافتته العريضة المسماة خطأ “الإسلام السياسي” أو “المعتدلين” أو “الوسطيين” الإسلاميين. إن الدارس لأدبيات لا بل وممارسات أساتذة وتلاميذ هذا التنظيم وليس الجماعة، يعلم يقينا أنه تنظيم سياسي عسكري قتالي بكل ما هو متاح من أسلحة. ويعي تماما أن الاختلاف أو الخلاف بين تلك الدكاكين السياسية أو “الدشم” العسكرية ما هي إلا “تقية” و”براجماتية” و”انتهازية” فاقت الميكايافيلية في كل شيء.
وتواصل تلك التحليلات تأييدها لذلك للقرار المراد اصداره بالقول، إن السجال الأميركي العلني والخفي حول الإخوان والإسلاميين عموما، لا يملك مواصلة تجاهل الخطأين التاريخيين لاثنين من أكثر رؤساء أميركا شعبية: الجمهوري رونالد ريغان والديمقراطي باراك حسين أوباما. الأول استقبل تلاميذ حسن البنا وسيد قطب – صاحب نظرية “الحاكمية” وتكفير الدولة واستباحة أعراض وأرواح وأموال من هم ليسوا على “ملته”- استقبلهم في البيت الأبيض وكان سببا لدخول مصطلح “مجاهدين” إلى قاموس اللغة الإنجليزية بالإشارة إلى المقاتلين الأفغان ضد “الغزو” السوفيتي. والثاني لن ينسى له التاريخ محاولته البائسة الفاشلة تمكين الإخوان من رقاب شعوب ومقدرات العرب.
ترامب الذي ما زال يثير جدلا في كل قرار يتخذه إلى حد كبير سواء خارجيا أم داخليا، سيحدث في قراره هذا تسونامي أراه أكثر أهمية من أي قرار اتخذه حتى الآن على الصعيد الأمني البحت.إن وضع الإخوان كتنظيم إرهابي لا كحزب سياسي أو جمعية خيرية، قرار في الصميم يأخذ الأمور مواجهة بلا مواربة. الأمر الذي سيؤدي إلى عملية فرز أمنية -عربيا وأوروبيا- ومن ثم تتوالى دوائر التأثير لتشمل الكثير من الأمور الحساسة قانونيا وسياسيا وفكريا وثقافيا وإعلاميا.
وتواصل التحليلات السياسية قولها بأن القرار فيه رد اعتبار للدول التي لم تتردد منذ سنوات لا بل وعقود، في اتخاذ هذه الخطوة الشجاعة والخطرة في آن واحد، وفيه أيضا تلويح بعصا غليظة لكل الأفاعي والحرابيّ (جمع حرباء) التي ستتباكى على الاعتدال المزعوم من خلال الإشارة الانتقائية إلى شخصيات يحبها الناس ويجلها لشخصها لا لكونها “إخوانية أو إخونجية”.القرار في المقابل، يحمل بذار ضرب تلك العصا لعش دبابير إن لم يحسن خبراء الأمن محاصرته والقضاء عليه قبل الضرب ستكون النتائج مؤلمة مرحليا لكنها حتما ستفضي إلى الشفاء والتعافي التام والعاجل بإذن رب العالمين.
لتصنيف أي جماعة أو منظمة جماعة إرهابية يشترط القانون الأميركي ثلاثة شروط، هي “أن تكون المنظمة غير أميركية، وأن تكون متورطة في أنشطة وعمليات أو أن تمتلك الإمكانيات والنية على القيام بأنشطة إرهابية، وأن تهدد تلك الأنشطة الإرهابية الأمن القومي للولايات المتحدة وسلامة مواطنين أميركيين”.كما يتطلب التصنيف أن ينشر وزير الخارجية الأميركي قراره بهذا الشأن في الجريدة الرسمية، إلا أنه يحق له -حسب القانون- ألا ينشر حيثيات التصنيف باعتبارها “أسرار أمن قومي”، ويحق للمنظمة المصنفة إرهابية أن تعترض على ذلك أمام محاكم العاصمة واشنطن.ويتطلب تمرير التشريعات في الكونغرس الأميركي أن يؤكد وزير الخارجية للكونغرس أن الجماعة تقابل المعايير اللازمة لتصنف جماعة إرهابية، لكن يمكن للرئيس الأميركي أن يصدر أمرا تنفيذيا يأمر فيه وزارة الخارجية بتصنيف الجماعة جماعة إرهابية.
لا شك أنه في حال صدور القرار الأمريكي باعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية سيكون له تداعياته السلبية الكبيرة على الإخوان المسلمين في كل مكان في العالم، لاسيما إذا حذت باقي الدول حذو الولايات المتحدة، أو في أسوأ تقدير رفضت استقبال الإخوان الموجودين بأراضيها، أو طالبتهم بالرحيل تجنبا لمشكلات مع الولايات المتحدة وغيرها: ومن هذه التداعيات:
الأول: إجبار الإدارة الأميركية عبر وزارة الخارجية على وضع الإخوان على قوائم الإرهاب الدولي، وما يعنيه ذلك من فرض حظر على المواطنين والمقيمين على الأراضي الأمريكية، فضلا عن إلزام الشركات بعدم التعامل مع كل من له ارتباط بجماعة الإخوان، سواء أفراد أو شركات أو هيئات، وعدم السماح لهؤلاء (سواء الإخوان أو المتعاملين معهم) بدخول الولايات المتحدة.
الثاني: تجريم أي دعم مادي للجماعة وإخضاع من يقُدم مثل هذا الدعم لطائلة العقوبة الجنائية.
الثالث: تمكين وزارة الخزانة الأميركية، بإلزام المؤسسات المالية الأميركية المودعة لديها أي أصول تابعة لجماعة الإخوان المسلمين بوقف جميع المعاملات المالية المتعلقة بها.
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مارس/آذار 1928 بمدينة الإسماعيلية على يد الشيخ حسن البنا، بعد أربعة أعوام من سقوط الخلافة العثمانية. وسرعان ما انتقلت إلى القاهرة وبقية أنحاء مصر، ثم إلى أجزاء كبيرة من العالمين العربي والإسلامي.وتعتبر جماعة الإخوان أهم الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وأوسعها انتشارا في العالم العربي ودول العالم الإسلامي وبين الجاليات الإسلامية في الغرب، كما تعتبر أكبر حركة معارضة للأنظمة السياسية في مصر والعديد من الدول العربية.وانبثقت عن الحركة أحزاب سياسية قادت وتقود حكومات بالمغرب وتركيا والسودان وتونس، وتشارك في السلطة والمجالس النيابية بالأردن والكويت وموريتانيا وليبيا ودول أخرى. ووصلت جماعة الإخوان المسلمين المصرية، إلى الحكم في أول انتخابات رئاسية حرة في مصر عام 2012. ولكن الجماعة الآن محظورة، وسُجن الكثير من أعضائها والكثير من قادتها.
وما يزيد من صعوبة وتعقيد المسعى الأمريكي وجود أعضاء منتمين إلى أفرع الجماعة في عدد من الدول الحليفة لواشنطن مثل الأردن والكويت وتونس والمغرب وتركيا، إلا أن التأثير الأكبر حال تمرير التصنيف سيكون من نصيب نشطاء مسلمي أميركا.وقال أحد المقربين من جماعة الإخوان المسلمين ممن يحملون الجنسية الأميركية للجزيرة نت “سيعيق التصنيف الكثير من الأعمال الخيرية التي تقوم بها منظمات وأشخاص محسوبون على الجماعة داخل وخارج الأراضي الأميركية”.
وفي هذا الصدد، أشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين و”الكثير من المتعاطفين معها لديهم نفوذ واسع في الكثير من المساجد والمراكز الإسلامية بمختلف الولايات الأميركية كما هو الحال في مركز ومسجد دار الهجرة في شمال ولاية فيرجينيا المجاور للعاصمة واشنطن”.وأعرب معارض مصري يقيم في فيرجينيا عن مخاوفه من تبعات القرار حال اتخاذه قائلا “الكثير من المحسوبين على الإخوان هربوا من مصر وقدموا للولايات المتحدة، وقدم بعضهم طلبات للجوء السياسي اعتمادا على اضطهاد السلطات في القاهرة لهم باعتبارهم أعضاء في جماعة الإخوان، وهكذا قد يتم اعتبارهم أعضاء في جماعة إرهابية بما يعرقل سعيهم للإقامة في الولايات المتحدة بطرق شرعية”.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية