تهديدات السجناء الفلسطينيين بالبدء في الإضراب عن الطعام الشهر الماضي وضعت حكومة إسرائيل في حلبة رقصة شياطين. الخوف من أن الإضراب سيحدث اضطراباً في غزة والضفة الذي سيجبر على استخدام القوة أجبرها على التراجع والتوصل إلى تفاهمات مع المضربين. قبل فترة قصيرة من ذلك توصلت إسرائيل بوساطة مصر إلى تفاهمات مع حماس على عدد من التنازلات الاقتصادية التي ستسمح بتهدئة مؤقتة.
في هاتين الحادثتين وُوجه استعراض العضلات الإسرائيلي بقيود القوة، وسعادة إسرائيل تم وقفها. ولكن النهم لا يعرف الشبع، والفخر الوطني اقتضى الخصم من أموال الضرائب التي تعود للسلطة الفلسطينية للمبالغ التي تدفعها لعائلات السجناء ومنفذي العمليات الذين قتلوا. يبدو أنه في هذه المرة أيضاً ستتلقى الحكومة درساً في المرونة.
تقريباً نصف سنة انتظرت الحكومة قبل أن تقرر تطبيق القانون، بالأساس بسبب تحفظات الأجهزة الأمنية. إن درس غزة التي اشتعلت أشهراً طويلة بسبب عدم دفع رواتب موظفي الحكومة كان يمثل أمام ناظريهم. وهم ورئيس الحكومة لم يرغبوا في رؤية إعادة بث هذا المشهد في الضفة الغربية. ولكن الضغط اليمين قد ازداد، والتنافس على الكأس الوطنية تعاظم، والانتخابات دخلت إلى المسار العملي، الثمن يبدو معقولاً والذريعة منطقية.
لا يمكن للدولة التي تطالب المجتمع الدولي بمعاقبة السلطة الفلسطينية على دعمها للإرهاب أن لا تعمل بشكل قوي من أجل وقفها، وخاصة بعد أن رفع دونالد ترامب الفأس على الميزانية الفلسطينية، عندما جمد المساعدات الأمريكية للسلطة ولوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا».
ولكن ترامب ليس هو الذي يجب أن يواجه أفعاله. حرب اقتصادية تبدو نظيفة أكثر، ومن الصعب تصويرها وتحويلها إلى فيروسية، لكن غزة سبق لها وعلمت أن الهجوم الاقتصادي يتطور بسرعة إلى حرب حقيقية، مع دبابات ومدافع.
بعد خصمها أموال الفلسطينيين: نحن مستعدون لأي سيناريو
محمود عباس كما يتوقع استولى على المتاريس. في البداية أمر بتقليص 30 في المئة تقريباً من رواتب الموظفين الذين يحصلون على أكثر من 500 دولار شهرياً، وتقليص نفقات الوزارات الحكومية، والتقليص بصورة كبيرة لميزانية التطوير. محاولة إسرائيل أن تنقل للبنوك الفلسطينية أموال الضرائب مع طرح الخصم، أجيب عنه بتعليمات لإعادة الأموال إلى إسرائيل. السجناء وعائلاتهم، قال عباس، هم أبناؤنا وهم يستحقون دعم السلطة. استرجاعات الضرائب كلها التي تشكل 65 في المئة من ميزانية السلطة هي للشعب الفلسطيني. وحسب الاتفاقات التي وقعت عليها إسرائيل والسلطة فإن كل خصم يجب أن يكون مقبولاً على الطرفين.
وقد تبين أن التهديد حقق هدفه. إسرائيل حاولت بدون نجاح إقناع الأردن بالضغط على عباس من أجل قبول الشيك المقلص. ونتنياهو أجرى عدة مشاورات مع وزير المالية موشيه كحلون من أجل التوصل إلى حل، ولكن حتى الآن بدون نجاح. الدول العربية في اجتماع وزراء الخارجية في الأسبوع الماضي عبرت عن تأييدها الكامل لموقف الفلسطينيين وتعهدت بأن تحول للسلطة 100 مليون دولار شهرياً. الحديث يدور عن تعهد حتى محمود عباس نفسه لا يثق به، لكن إذا تم تحويل الدعم العربي فسيغطي العجز الذي خلقه خصم أموال الضرائب. وتستطيع السلطة مواصلة دفع الأموال لعائلات السجناء ومنفذي العمليات. وماذا ستفعل إسرائيل؟ هل ستطلب من السعودية أو الكويت التوقف عن تقديم المساعدات؟ وكم من الوقت سيوافق عشرات آلاف المعلمين ورجال الشرطة وموظفي وزارة الرفاه والزراعة والتجارة على الاكتفاء براتب مقلص، خاصة في الوقت الذي يقف فيه شهر رمضان على الباب؟ متى ستبدأ الاحتجاجات بالخروج إلى الشوارع وفتح جبهة مهددة من الشرق؟ لا توجد لإسرائيل أي إجابة على كل ذلك.
الرد التلقائي الذي يقول «نحن مستعدون لأي سيناريو»، بما في ذلك سيناريو التراجع والتنازل، ربما هو الأمل الوحيد لحل هذه الأزمة المهددة. ولكن حكومة إسرائيل سبق واعتادت أن تخطو بقدمين حافيتين على الجمر قبل أن تفهم إلى أين أدت بنفسها.
القدس العربي