لا يرى القيادي السابق في جبهة البوليساريو مصطفى سلمى ولد سيدي مولود أي مستقبل لجبهة البوليساريو، التي تضعف يوما بعد آخر، وهو وضع يعكسه تصاعد الانشقاقات في صفوفها، وتراجع قدرتها على السيطرة على سكان مخيمات تندوف، الذين تتصاعد أصواتهم ضد الممارسات القمعية والمعاناة التي يعيشونها في المخيمات الواقعة جنوب غرب الجزائر. يأتي ذلك في خضم اقتناع أغلب المجتمع الدولي بجدية الطرح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي. وتعكس تجربة ولد سيدي مولود، التي تحدث عنها في حوار مع “العرب”، السياسات القمعية للبوليساريو ضد من يعارضها، حيث حكمت على ولد سيدي مولود بإبعاده قسرا عن عائلته، التي لم يرها منذ سنوات، حيث نفي إلى موريتانيا بسبب تأييده لمقترح الحكم الذاتي.
الرباط – يعتبر مصطفى سلمى ولد سيدي مولود من أبرز الشخصيات التي تخلت عن وظيفتها داخل هياكل جبهة البوليساريو الانفصالية بعد اقتناعه بفشل الأطروحة الانفصالية من جهة وبما قدمه المغرب من جهود ومبادرات في سبيل إيجاد حل سياسي دائم وعادل لمسألة الصحراء المغربية، من جهة أخرى.
ودفع ولد سيدي مولود ثمنا باهظا مقابل رأيه في واقعية مبادرة الحكم الذاتي، حيث يقول في لقاء مع “العرب”، إنه تم ترحيله من مخيمات تندوف في العام 2010 إلى موريتانيا قسرا ومنعه من أي نشاط سياسي بعدما كان يشغل منصب المدير المركزي لشرطة الأمن العمومي والتحقيقات لـ”شرطة البوليساريو“، وهو الذي كان مسؤولا عن هيكلة هذا الجهاز وتنظيمه.
جاء اللقاء مع ولد سيدي مولود بالتزامن مع حالة احتقان كبرى تشهدها مخيمات تندوف، والتي دفعت قيادة جبهة البوليساريو إلى المرور نحو الحل الأمني بمحاصرة الراغبين في حرية التنقل والعيش الكريم، بالسلاح الثقيل، ليؤكد مصطفى ولد سيدي مولود أن هذه المخيمات موجودة خارج الرادار كما وصفتها منظمة هيومان رايتس ووتش، فلا توجد فيها جمعيات حقوقية تدافع عن حقوق الإنسان وتوثق الانتهاكات التي تحصل.
وفسر ولد سيدي مولود ذلك بأن قوانين البوليساريو تمنع تأسيس الجمعيات حسب المادتين 31 و32 من الدستور، كما أنها ليست مفتوحة على زيارات المنظمات الدولية شأنها شأن بقية القطر الجزائري. لكنه لفت إلى أن مثل هذه الانتفاضات الداخلية قد تكون سببا في رفع الغطاء عما يحدث من انتهاكات في مخيمات تندوف.
ولفت إلى أن سكان المخيمات يناضلون منذ مدة من أجل الحصول على حقوقهم الإنسانية الأساسية رغم الحصار الأمني والإعلامي، مشيرا إلى أن قادة البوليساريو قاموا في الاحتجاجات الأخيرة بمصادرة الهواتف، باعتبارها وسيلة التواصل الوحيدة بين سكان تندوف والعالم الخارجي.
وقال ولد سيدي مولود إنه تمت مصادرة أغلبية هواتف المحتجين وهذا يجسد حرص البوليساريو على إبقاء ما يجري في المخيمات مخفيا عن العالم، مشيرا إلى أن ما يؤسف في الأمر أن هذا يحدث رغم تواجد منظمة غوث اللاجئين المسؤولة قانونيا عن توفير الحماية للاجئين، وكذلك وجود بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام التي ترى الدبابات في مواجهة محتجين سلميين دون أن تحرك ساكنا.
بعيد عن العائلة
ينتمي مصطفى سلمى ولد سيدي مولود إلى قبيلة الركيبات لبيهات التي تعد من أكبر القبائل الصحراوية. وولد في العام 1968 بمدينة السمارة جنوب المغرب. وحصل على شهادة الدراسات العليا في الفيزياء من جامعة عنابة في العام 1990، وشهادة ضابط شرطة من المدرسة العليا للشرطة بالجزائر سنة 1991.
يمر مصطفى ولد سيدي مولود، منذ العام 2010، بتداعيات إبعاده قسرا إلى موريتانيا دون تواجد عائلته معه (زوجته وأبناؤه الخمسة). وتمنعه الجزائر -حيث توجد مخيمات اللاجئين في تندوف في الجنوب الغربي للبلاد- من دخول أراضيها واﻻجتماع بأسرته.
وتأسف ولد سيدي مولود على خذلان المفوضية السامية لغوث اللاجئين، وفشلها في إحداث فرق في حياة هؤلاء مشيرا إلى أنه لا يتحدث عن حالته وحدها، وإنما عن حال جميع اللاجئين الصحراويين، مضيفا أن المفوضية عاجزة حتى اليوم عن تسجيلهم ومنحهم وثائق ثبوتية تثبت وضعهم القانوني وتيسر تنقلهم ومعاملاتهم فوق التراب الجزائري رغم مرور أزيد من 43 سنة على لجوء الصحراويين.
ولفت القيادي السابق في جبهة البوليساريو إلى أنه بدل أن تكون المفوضية جهة إسناد ودعم اللاجئ الذي غربته الظروف عن أرضه، أصبحت شريكا في احتجازه ومصادرة حقوقه بسكوتها عن الوضع غير القانوني الذي يعيشه.
منشقون عن البوليساريو
جرى مؤخرا تداول أخبار عن فرار بعض الجنود المنشقين من جبهة البوليساريو وعودتهم إلى المغرب.
من بين هؤلاء سلامو المصطفى البلال أحدافة، الذي فر بتاريخ 19 مارس الماضي، على مستوى منطقة الفرسي، وكان مكلفا بالتموين، في ما يسمى سلاح الدرك الصحراوي بالناحية العسكرية الخامسة، وبحكم موقعه والمعلومات المتوفرة لديه أكد مصطفى ولد سيدي مولود أن هذه الحادثة وقعت بالفعل.
وأكد صحة هذه الواقعة مشيرا إلى أن هناك رغبة في ترك المخيمات، لكن العائق سببه صعوبة طريق العودة واقتصارها على طريق قنصلية المغرب في نواذيبو، التي تقع في شمال غرب موريتانيا. وأضاف أنه لو كان المرور عبر الحزام الدفاعي المغربي مسموحا به لكانت الانشقاقات أكبر.
تؤكد الهزائم الدبلوماسية للبوليساريو والجزائر في عدد من الملفات المرتبطة بالصحراء المغربية أمنيا ودبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا أن الطرح الانفصالي الذي اعتمدته الجبهة وداعموها يتجه نحو الأفول، وأكد ذلك ولد سيدي مولود قائلا إن هناك انحسارا لمكاسب الجبهة، خاصة مع انشغال داعميها -خصوصا الجزائر- بمشاكلهم الداخلية.
ومع ما يحدث في الجارة الجزائر من احتجاجات شعبية وتغيرات على مستوى القيادة لا يمكن توقع تغيير في أولويات السلطات المقبلة في ما يتعلق بالبوليساريو وملف الصحراء وفتح الحدود البرية مع المغرب، كما يرى مصطفى ولد سيدي مولود، حيث أن قضية الصحراء ستبقى من أولويات السياسة الخارجية الجزائرية لارتباطها بمصالح الجزائر في المنطقة.
واستطرد ولد سيدي مولود مشيرا إلى أن قضية الصحراء المغربية ستبقى قضية مزايدة لدى أنظمة المنطقة ما لم تنعم المنطقة برمتها بالديمقراطية، وجبهة البوليساريو حتى لو هددت بالعودة إلى الحرب فالكل يعرف أن قرار الحرب بيد الجزائر ولن تلجأ هذه الأخيرة إلى الحرب في الوقت الراهن.
وجاء قرار مجلس الأمن الدولي الذي تم إقراره بخصوص الصحراء الثلاثاء، 30 أبريل 2019، وفي ضوء المستجدات الأخيرة المرتبطة بجولتين للمباحثات في جنيف للوصول إلى حل سياسي دائم وعادل، وحول رأيه في الاتجاه الذي يدعم تحويل المينورسو إلى أداة لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء والجهة التي ستستفيد من مثل هذا التحول الذي يرفضه المغرب بشدة، قال مصطفى ولد سيدي مولود إن توسيع صلاحيات بعثة المينورسو كلمة حق يراد بها باطل.
فهذا الاتجاه يمس سيادة المغرب على المنطقة بوضع الإقليم تحت إدارة الأمم المتحدة، ويعني ذلك بقاء المخيمات في نفس معاناتها، لأنها توجد فوق التراب الجزائري، أي خارج منطقة النزاع. وشدد ولد سيدي مولود على أن بعثة المينورسو التي عجزت عن القيام بمهمتها في إيجاد تسوية سياسية للنزاع، لن تقوم بإضافة أعباء جديدة لمهامها.
وأكد أن البوليساريو تفقد يوما بعد يوم القدرة على التحكم في شطر الإقليم الذي تتواجد فيه، موضحا أن قرارات مجلس الأمن الأخيرة حصرت سلطاتها داخل المخيمات.
صنف مجلس الأمن في قراريه رقم 2414 لسنة 2018 و2468 لسنة 2019، الجزائر كطرف رئيسي في النزاع المفتعل حول الصحراء، ومع الانتقال السياسي الذي تعيشه لا يعتقد القيادي السابق داخل البوليساريو أنه سيحدث تغير في مواقف الجزائر من قضية الصحراء مع التحولات الحاصلة فيها، مشيرا إلى أن مؤسسة الجيش صاحبة القرار في الجزائر ما زالت قائمة برموزها.
وأوضح أن العقيدة الجزائرية من أسسها التنافس مع الجار المغرب، والصحراء هي قضية المغرب الرئيسية، وهي طريقه نحو العمق الأفريقي الذي صار السوق الأكثر استهلاكا للمنتجات المغربية، كما أن الدول العظمى لم تظهر بعد مؤشرات توحي بأنها تنوي الدفع نحو تسوية سياسية، فالنفخ في النزاع لإبقائه في وضعه الراهن يساعدها على ابتزاز دول المنطقة.
ومنذ العام 2007، طرح المغرب مقترح الحكم الذاتي الذي لقي أصداء إيجابية لدى الأوساط الدولية والعربية والأفريقية، إذ رأت فيه المخرج الأنسب. وسبب بقاء الطرح على طاولة المقترحات يعود في نظر مصطفى ولد سيدي مولود إلى أن الطرفين الآخرين (البوليساريو والجزائر) لم ينفتحا على هذا الحل ويرفضان التعاطي معه كنقطة ارتكاز لمفاوضات جادة نحو حل يقطع مع أكثر من أربعين سنة من الأزمة، لأن الحكم الذاتي لئن كان يخدم مصالح سكان الصحراء والمغرب فهو لا يخدم المصالح الجزائرية.
وأضاف أن الجزائر يخدمها إما انفصال الصحراء عن المغرب أو تقاسمها معه، كأضعف الإيمان، وفي ظل استحالة الحالتين، فإن الأفضل عند حكام الجزائر بقاء الحال على ما هو عليه. وأكد مصطفى ولد سيدي مولود أن عودة المغرب للاتحاد الأفريقي ستقلص من مساحة وهامش تحرك البوليساريو والجزائر، وعرض وجهة نظره والدفاع عن مصالحه وقضاياه، وهي خطوة إستراتيجية في اتجاه عزل بعض الأصوات المساندة للبوليساريو منها دولة جنوب أفريقيا، التي امتنعت عن التصويت لصالح قرار مجلس الأمن في الثلاثين من أبريل 2019، معبرة عن موقف معاد للمغرب.
الموقف الموريتاني
صرح الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز مؤخرا بأن “الغرب لا يريد قيام دولة تفصل بين موريتانيا والمغرب”، وعلق ولد سيدي مولود على ذلك بقوله إن الموقف الموريتاني لن يتغير مهما كانت السلطة التي ستحكم هذا البلد.
لكنه استطرد مشيرا في ختام حديثه إلى أن موريتانيا قد تفضل انفصال الصحراء المغربية، فهي البلد الأضعف في المنطقة المغاربية، ووجود شبيه لها في المنطقة سيكون سندا لهما في الدفاع عن مصالحهما المشتركة، ورغم ذلك لن تعبر عن هذا الموقف، موضحا أن ما تريده نواكشوط في الأخير هو الحفاظ على مصالحها دون أن تدخل في صراع مع المغرب أو الجزائر ستتضرر منه.
العرب