شهدت الأسابيع القليلة الماضية اشتداداً في حدة التوتر القائم بين المغرب و”جبهة البوليساريو” الانفصالية، على خلفية نزاع الصحراء المستمر منذ أكثر من أربعين عاماً. وتدعم الجزائر هذه “الجبهة” التي تسعى لتحقيق استقلال أقاليم المغرب الجنوبية. وبالرغم من وقف إطلاق النار المستمر بين الطرفين منذ عام 1991، إلا أن المحاولات اللاحقة للتفاوض حول السلام باءت بالفشل. ودعت الأمم المتحدة إلى التفاوض حول التوصل إلى حل سياسي للنزاع على مدى عقد من الزمن على الأقل، إلا أن الزيارة التي قام بها مؤخراً الأمين العام الأمم المتحدة بان كي مون إلى الجزائر ومخيمات اللاجئين التابعة للبوليساريو في تندوف لم تؤدِ سوى إلى تعقيد الأمور. بالإضافة إلى ذلك، أخلّت تصريحات كي مون وأفعاله بحيادية الأمم المتحدة والتزامها بحل سياسي للنزاع يقبله الطرفين، مما ولّد، وبصورة مبررة، سلسلة ردود شديدة اللهجة من قبل المغاربة.
ولسوء الحظ، تندرج هذه الحادثة في إطار نمط التفكير التقليدي في ما يتعلق بالتطورات الأخيرة في الصحراء بشكل منعزل عوضاً عن دراسة المسألة كجزء من دينامية أوسع للأمن الإقليمي. حتى أن مجلس الأمن الدولي سعى وراء حل ثنائي للحادثة الدبلوماسية الراهنة على حساب مقاربة إقليمية. وقد ذكر الرئيس الدوري لمجلس الأمن السفير الأنغولي اسماعيل غاسبار مارتنز في عدة مناسبات أن المحادثات بشأن الصحراء ستستمر بصورة ثنائية حصراً بين أعضاء المجلس منفردين من جهة والمغرب من جهة أخرى. وفي حين قد تكون هذه المقاربة ضرورية لتخطي المأزق الحالي، يجب ألا يُنظر إلى قضية الصحراء بمعزل عن سياق انعدام الاستقرار الإقليمي. من هنا، لا بد من توسيع نطاق المحادثات بهذا الشأن من أجل التصدي للمأزق الأوسع، ألا وهو الأسباب الرئيسية وراء نزاع الصحراء.
ويعيق نزاع الصحراء التعاون والتكامل الإقليميين ويخلّف تداعيات خطيرة على الأمن التعاوني في جزء من العالم يحفل بالتحديات الأمنية الكبيرة التي تتطلب حلولاً إقليمية شاملة. ومؤخراً شارك كاتب هذه السطور في لقاء عُقد في “نادي الصحافة الوطني” في واشنطن حول التطرف العنيف في المنطقة. وتوصّل المشاركون فيه إلى الاستنتاج ذاته: سواء أكان التهديد متأتياً من تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» أو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») أو جماعة «بوكو حرام» أو المقاتلين الأجانب العائدين من العراق وسوريا، تُعتبر المقاربة الإقليمية أساسية. ولا تنحصر هذه الاستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط فحسب بل تتخطاها إلى حدود أبعد بكثير، لتشمل مكافحة عمليات الإتجار بالمخدرات المرتبطة بكارتيلات أمريكا اللاتينية ومحاربة الشبكات الإجرامية المنظمة العابرة للحدود التي تغذي هذا المزيج الدنيء القائم على الإرهاب وتهريب المخدرات والإتجار البشر.
وللأسف، لا تتوفر دائماً شروط التعاون في منطقة المغرب العربي نظراً لنمط التفكير الرجعي السائد فيها، لا سيما حول قضية الصحراء. فقد أثرت الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر سلباً على معظم العلاقات الإقليمية. على سبيل المثال، تجد تونس وليبيا ومالي نفسها مضطرة إلى إعداد استراتيجيات أمنية مع كل من الدولتين على حدة عوضاً عن استراتيجية إقليمية منسقة أكثر فعالية. كما أن إقصاء المغرب عن “القيادة الإقليمية لعمليات مكافحة الإرهاب المشتركة” التي تتزعمها الجزائر، يسلط المزيد من الضوء على المشكلة. ولا يمكن أن تنجح هذه الاستراتيجية الإقليمية عند استثناء أحد أقوى اللاعبين في مجال مكافحة الإرهاب. وقد أثبتت [عمليات] “القيادة الإقليمية لعمليات مكافحة الإرهاب المشتركة” خلال الأعوام الستة الماضية صحة هذا القول.
وإذا ما أضفنا إلى هذا المزيج المستقبل السياسي غير الواضح للجزائر، وسجلها السابق في معالجة الديناميات السياسية بالعنف، وتهديدات الحرب التي أطلقتها مؤخراً “جبهة البوليساريو”، تتضح لنا أكثر فأكثر ضرورة التوصل إلى حل إقليمي لقضية الصحراء. وعلى خلفية زيارة بان كي مون للجزائر بلغ التوتر في المغرب أقصى درجاته، وقد ينفجر عندما يضاف إلى الاضطرابات السياسية المتصاعدة في الجزائر نتيجة مرض الرئيس بوتفليقة والصراع على السلطة الناتج عن ذلك.
لقد حان الوقت للابتعاد عن النماذج التاريخية بغية تعزيز الأمن والاستقرار والتعاون الإقليمي. كما آن الأوان للتركيز على طرق حل النزاع وتعزيز العلاقات الإقليمية بهدف عدم زعزعة الاستقرار، وبالتالي التركيز على مجابهة التحديات الفعلية التي تواجه المنطقة. ويُعتبر التوصل إلى حل سياسي لنزاع الصحراء يكون مقبولاً من الجانبين، الطريقة الوحيدة للمضي قدماً.
إن المغرب جاهز ومستعد ويبقى منفتحاً على التعاون المتين ومشاركة المعلومات الاستخباراتية مع حلفائه الإقليميين والدوليين، كما أظهرت الجهود التي بذلها مؤخراً مع حلفائه الأفارقة والأوروبيين إثر هجمات “غراند بسام” في ساحل العاج وهجمات باريس وبروكسل. كما يبقى المغرب منفتحاً على إمكانية التوصل لحل سياسي لقضية الصحراء يكون مقبولاً من الجانبين. وقد اقترحت الحكومة المغربية خطة للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تمت الإشادة بها على نطاق واسع على أنها “جدية وواقعية وموثوق بها”، وأظهرت أيضاً التزامها بتنمية هذه الأراضي.
إلا أن بلوغ تلك المرحلة يستوجب الخروج من المأزق الحالي من خلال قيادة مجلس الأمن الدولي، مما يضمن ولاية حفظ السلام المناطة إلى “بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية” (“المينورسو”). ويتطلب التقدم أيضاً قيام الأمين العام للأم المتحدة بإصدار تقرير يعمل على تهدئة التوترات بدلاً من إشعالها، ولا بد من تحديد مدة ولاية معيارية لـ “المينورسو”. ومن هنا، يجدر بجميع أصحاب المصلحة إبداء حسن نية وبذل جهود على الصعيد السياسي من أجل الانخراط بشكل أعمق وواقعي في المساعي التي تُبذل للتوصل إلى حل نهائي لهذا النزاع. وتُعد هذه الخطوات مهمة، ليس فقط للاجئين العالقين في المخيمات منذ أكثر من أربعين عاماً، بل أيضاً لمستقبل الجزائر والمغرب كبلدين جارين وللاستقرار الإقليمي في المغرب العربي.
محمد بنحمو
منتدى فكرة