انشغلت الجهات السياسية والأمنية الغربية أمس بالبحث في الرابط بين الاعتداءات الثلاثة التي وقعت في الكويت وسوسة التونسية وليون الفرنسية، وفي احتمال أن يكون أمر العمليات قد صدر من جهة واحدة لتنفيذ هذه الاعتداءات في اليوم نفسه وفي وقت واحد تقريباً، في حدود صلاة الظهر من الجمعة الثانية من شهر رمضان.
لم يكن صعباً أن يتجه الاتهام إلى تنظيم «داعش» الذي صار اليوم ماركة عالمية للأعمال الإرهابية. فالاعتداءات الثلاثة حصلت ضد أهداف يعتبرها التنظيم بين خطط نشاطه المشروعة. في الكويت كان الاعتداء على الشيعة، وهم في لغة «داعش» يعتبرون من «الروافض». وفي تونس تم الاعتداء على سياح أجانب، يجمع بين «مشروعية» استهدافهم كونهم فاسدين وفاسقين، تتمدد أجسادهم شبه العارية على الشواطئ التونسية، إضافة إلى أن معظمهم من المسيحيين «الكفار»، ما يضاعف في استحقاق عقوبة الموت التي نالوها. أما في ليون، فيكفي أن يكون المصنع المستهدف أميركياً، وأن يتم قطع رأس الضحية، وهو مدير المعمل، ثم تعليقه على السياج الخارجي وبقربه رايتان تحملان شعارات «داعش»، للإيحاء بأن الجريمة مستوحاة من عمليات التنظيم، وإن لم تكن الأوامر قد جاءت مباشرة منه.
سبق لأبو محمد العدناني، المتحدث باسم «داعش» أن توعد «الكفار» في بداية شهر رمضان هذا العام بأن هذا الشهر سيكون «شهر الكوارث» التي ستحل بهم، كما دعا أتباع التنظيم ورافعي رايته إلى القتال، حيثما كانوا وبأي طريقة استطاعوا. وهو ما يجعل السؤال منطقياً عن مسؤولية «داعش» المباشرة عن هذه العمليات، مع أن الجواب لن يغير شيئاً في الواقع، فحتى لو ثبتت المسؤولية، يستبعد أن نشهد قادة هذا التنظيم يمثلون أمام محاكم جنائية في تونس أو الكويت أو فرنسا ليلقوا جزاءهم، كما أن مرتكبي هذه الاعتداءات هم انتحاريون أساساً، ولن ينتظروا موعد المحاكمات ليعرفوا طبيعة الأحكام التي ستصدر بحقهم.
وهكذا ففي الوقت الذي يفكر العالم المسلم والغربي في الطرق المناسبة للقضاء على «داعش» وإنقاذ المنطقة من جرائمه، وكذلك إنقاذ الدين الإسلامي من الإساءة البالغة التي تلحقها به جرائم هذا التنظيم، نجد أن ساحة المواجهة تتسع ولم تعد تقتصر على الرقة وعين العرب والموصل وتدمر وسواها من المناطق والمدن التي يسيطر عليها، ما يجعلنا نتذكر تهديد العدناني نفسه في مناسبة سابقة توعّد فيها بالوصول «إلى باريس قبل روما».
ومع اتساع ساحة المواجهة تزيد الصعوبات أمام تحقيق انتصار. فلا تستطيع أي دولة في العالم أن تحمي منشآتها السياحية ومصانعها ومساجدها وكنائسها أربعاً وعشرين ساعة في اليوم، وحتى عندما تفعل ذلك، فإن النتيجة ستنعكس سلباً على طبيعة الحياة اليومية في البلدان الغربية التي اعتاد أهلها أن يتمتعوا بحياتهم في شكل طبيعي، بعيداً عن العوائق الأمنية. كما أن تنظيم «داعش» سوف يعتبر هذا الوضع مكسباً لأنه سوف يرى أنه انتصر على الغربيين وتمكن من تعطيل أسلوب حياتهم، وعزز الانشقاقات بين المواطنين من أهل البلد والوافدين إليهم، وأكثريتهم من المسلمين. أما بالنسبة إلى استهداف الحركة السياحية في عدد من الدول العربية، وهي مصدر أساسي للدخل القومي في هذه الدول، مثل مصر وتونس، فإن القضاء عليها هو أيضاً هدف لـ «داعش» لأنه يضرب هذا المرفق الذي يعتبره التنظيم من المحرمات، كما يؤذي في الوقت ذاته اقتصاد دول ينظر إليها على أنها معادية له ولمشروعه المتطرف والتخريبي.
أمام سهولة التواصل القائمة بين دعاية «داعش» وأشرطته على الوسائل المسماة «اجتماعية» وبين جمهوره العريض من المتطرفين والسذّج والمغالين أو السطحيين في فهمهم أصولَ الدين، لم يعد ممكناً لبلد واحد أو لكيان سياسي بمفرده أن ينتصر. المعركة العريضة المفتوحة مع العالم تحتاج إلى جبهة عريضة أيضاً. ومن هنا ضرورة تعاون الجميع، عرباً ومسلمين وغربيين، ضد هذه الآفة التي تهدد الإسلام والمسلمين وحضارتهم قبل أي طرف آخر.
الياس حرفوش
صحيفة الحياة