تحت عنوان “صفقة القرن لترامب لحل النزاع العربي- الإسرائيلي محكومة بالوهم” كتب ويليام بيرنز المساعد السابق لوزير الخارجية ورئيس منظمة كارنيغي للسلام العالمي في صحيفة “واشنطن بوست” وبدأ بالقول إن هناك نوعين من الخطابات في السياسة الخارجية الأمريكية: إطارات للعمل وبدائل عن العمل. وعندما يتعلق الأمر بوضع الخطط لحل النزاع العربي- الإسرائيلي كان الخيار الثاني هو المفضل، تقديم إشارة لا حركة. فلو أعلن ترامب كما وعد عن “صفقة القرن” وعلى خلفية ما شهدته غزة من عنف في الأيام الأخيرة، فستكون امرا مختلفا: نعي لحل الدولتين. فمن خلال احتقاره للحكمة المقنعة وميوله للتخريب فسيقوم ترامب بدفن الحل الوحيد وخطة العمل للتسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبدون تقديم بديل للعمل. ويرى بيرنز أنه لا ترامب ولا صهره والمفاوض الرئيسي جارد كوشنر من أدى لتراجع حل الدولتين في السنوات الأخيرة ولا لأمراض القادة في المنطقة الذين استنفذتهم المظالم ومظاهر القلق السياسي قصيرة الأمد. والبيت الأبيض ليس مخطئا في طرح أسئلة حول الإستراتيجيات السابقة. إلا أنه وبناء على المعلومات التي تم جمعت عن الخطة الجديدة فما يحرك ترامب وكوشنر هي مجموعة من الإفتراضات المعيبة والأوهام. وأولها هي المناورة على وحول الفلسطينيين في مفاوضات السلام، وتخلي الإدارة بشكل فعلي عن الحوار مع القيادة الفلسطينية وعدم الإلتفات لمظاهر القلق الفلسطينية وتبنيا اجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف. ويظهر هذا من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإغلاق القنصلية في القدس الشرقية التي تقوم بتوفير الخدمات للفلسطينيين.
وقد خفضت إدارة ترامب برامج الدعم الأمريكي وقبلت التوسع الإستيطاني واعترفت بسيادة إسرائيل على الجولان، في تلميح إلى قبول الإدارة عن خطة مماثلة لضم مستوطنات الضفة الغربية. وقال بيرنز ” في فترة ثلاثة عقود ونصف في خدمة الحكومة لم ار أبدا رئيسا أمريكيا يتنازل عن الكثير وبسرعة ومقابل القليل”. وربما فكر الواحد أن العداء المشتر تجاه إيران والجماعات السنية المتطرفة يمكن أن يعطي الدول العربية المبرر للعمل مع الحكومة الإسرائيلية وإدارة ترامب من أجل خنق الطموحات السياسية الفلسطينية. ورغم التقاطع المتزايد بين إسرائيل والدول العربية هو أمر جيد وهدف قائم وطويل للسياسة الخارجية الأمريكية.، إلا أنه لا يعد بديلا عن تعامل الإسرائيليين والفلسطينيين مع بعضهم البعض بشكل مباشر. فمهما همس به قادة الدول العربية في أحاديثهم الخاصة فلا توجد أية فرصة لدعمهم خطة سلام لا تحتوي مسارا للدولة الفلسطينية.أما الأمر الثاني فمن الوهم شراء الأمال الفلسطينية الشرعية للكرامة السياسية والدولة حتى لو كانت مقيدة بالشروط الأمنية الإسرائيلية من خلال المحفزات الإقتصادية. فلو تم تخفيض المشكلة إلى دولارات وسنتات لحلت منذ وقت طويل. ولو كان المال هو الحل فلن تقدم الولايات المتحدة ولا دول الخليج ستقدم التمويل الضخم المطلوب.اما الأمر الثالث، فمن الخطورة بمكان الإفتراض ان الوقت معنا- أي أن الفلسطينيين سيجبرون أو يتعبون ويقبلون أي شيء أقل من الدول بدون أن تتكلف إسرائيل شيئا. وهذه وصفة للإضطراب والمعاناة الإنسانية. وفي ضوء الحقائق الديمغرافية حيث سيصبح العرب قريبا غالبية في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، مما سيؤدي إلى تآكل إسرائيل كديمقراطية يهودية. وسيترك هذا تداعيات عميقة على التحالف الأمريكي- الإسرائيلي والتقارب الذي يقوم عليه.
وأخيرا يجب عدم التقليل من الأضرار الجانبية للخطة، فالأردن الذي يعد حليفا موثوقا للولايات المتحدة سيجد نفسه في وضع صعب إن لم يتحقق حلم الدولة الفلسطينية. مما سيعيد إحياء فكرة الوطن البديل. وسيجد الحكام المستبدون في مصر والسعودية أنفسهم وسط شعوبهم القلقة والولايات المتحدة التي تتساهل مع قمعهم وتريد منهم نوعا من الدعم لخطتها. ويختم بالقول إن الشرق الأوسط لا يزال أرضا للسياسة الخارجية الأمريكية وخياراتها السيئة. ولكن هناك فرق بين ان يكون لديك خيارات سيئة وأن تختار بنفسك هذه الخيارات. وصفقة القرن ولدت في جزء منها من الغطرسة والخيالات السحرية والتفكير الجديد.وهناك عنصر هدفي ومقصود يجعل من الإستحالة لإحياء آمال لحل الدولتين. وهذا هو الأكثر خطورة”.
القدس العربي