على الرغم من الكلام الصادر عن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، بأن قرار إرسال حاملة الطائرات «إبراهيم لينكولن» وأسطولها المرافق الى مياه الخليج جاء نتيجة معلومات حصلت عليها واشنطن، عن نية إيرانية القيام بعمليات أمنية ضد المصالح الأمريكية في الشرق الاوسط، وأن إرسال حاملة الطائرات يصب في اطار رفع مستوى الردع الأمريكي ومنع أي مواجهة بين الطرفين، لم يقف التصعيد عند إدخال تعديلات على الزيارة المجدولة مسبقاً للحاملة لينكولن الى المنطقة، بل أضيف عليه الكشف عن نية البنتاغون إرسال أربع قاذفات استراتيجية من نوع بي 52 الى أحد القواعد الأمريكية في المنطقة لدعم جهود الردع في مواجهة إيران.
في المقابل، لم تخرج إيران عن الإطار الذي رسمته لنفسها، بعد أن استطاعت ضبط ايقاع التصريحات المتفرقة التي أطلقها عدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين حول إمكانية اعتماد خيار اقفال مضيق هرمز، ردّاً على العقوبات الأمريكية، فألزمت نفسها بالدفاع والحفاظ على أمن المضيق وتأمين انسيابية مرور وتصدير الطاقة عبره طالما تمتعت هي بالحق نفسه.
واختارت طهران الرد على التصعيد الأمريكي بتوجيه رسالة إلى الشركاء الأوروبيين في الاتفاق النووي، وذلك من خلال اللجوء إلى تخفيض التعهدات التي التزمت بها في الاتفاق النووي، من دون إعلان الانسحاب، وذلك على قاعدة أن الإجراءات التي قد تتعرض لها جراء مثل هذا القرار قد حصلت نتيجة العقوبات الأمريكية التي فشلت بدورهها الدول الاوروبية في الالتفاف عليها او التقليل من آثارها، إضافة إلى أن المواجهة مع الولايات المتحدة باتت في مكان آخر تجاوزت الاتفاق النووي، من طبيعة مختلفة ذات بعد يتعلق بالقضايا الإقليمية، وحجم الدور والنفوذ الإيراني، في عدد من عواصم دول المنطقة.
التسارع الذي تشهده التحركات الأمريكية السياسية والعسكرية، خصوصاً الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الى العاصمة العراقية بغداد في محاولة لمنع الاندفاعة العراقية نحو طهران وعدم تحولها الى جسر يسمح لإيران بتخفيف الصغوط الأمريكية ضدها ومحاولة للإيحاء للعراق بوجود نية إيرانية بتحويله الى ساحة لتوجيه الرسائل الامنية لواشنطن. وذلك بالتزامن مع جولة يقوم بها نظيره الإيراني ظريف الى الاتحاد الاوروبي وموسكو في محاولة أخيرة لدفع الاوروبيين لاتخاذ خطوات عملية تتعلق بالوعود التي قدمتها حول آلية التعامل المالي والتخفيف من اثار العقوبات الأمريكية.
وفي منحى قد يلقي الضوء على حقيقة الموقف والاجراءات الأمريكية العسكرية الأخيرة، خصوصاً وأنها تصب في إطار الردع حسب تعبير واشنطن، كشف مصدر سياسي عربي رفيع المستوى أن قرار واشنطن التسريع في وصول حاملة الطائرات لينكولن إلى منطقة الخليج وتعديل جدول أعمالها المقرر سابقاً، جاء بعد معلومات أمريكية عن وجود نية لدى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين الاستفادة من أجواء الاحتقان الأمني والعسكري بين واشنطن وطهران، وتزايد حدة التهديدات بينهما للقيام بعملية عسكرية ضد أهداف إيرانية، وأن مسارعة واشنطن للاعلان عن تحركاتها العسكرية ورفع مستوى وجودها في منطقة الخليج يعود لجهودها في قطع الطريق على أي عمل عسكري قد يخرج الأمور عن السيطرة ويدخلها في مستوى لا ترغب في الوصول اليه ولا تسعى له.
ويضيف المصدر العربي أن واشنطن لا تريد انفلات الامور الى مستويات لا ترغب بها، وأن أي عمل عسكري اسرائيلي، إن كان منفرداً في البداية، سيجبر واشنطن على الدخول فيه، وبالتالي فان ارتداداته لن تقف عند حدود ردة فعل طهران المباشرة، بل قد تؤدي الى اتساع رقعة المواجهة من خلال تفجير عدة جبهات بعيدة عن ساحة المواجهة الرئيسية في مياه الخليج، ما يعقد الأمور ويجعلها بالتالي تخرج عن الأهداف المرسومة للتصعيد، خصوصاً وأن ما شهده قطاع إزة في الأيام الأخيرة شكل مؤشراً واضحاً عن تداعيات مثل هذه الخطوة.
ويعزز امكانية هذه الدوافع الأمريكية، ما يؤكده خبراء عسكريون عن عدم وجود نية أمريكية لفتح حرب مباشرة مع طهران، وإلا فإن من واجب واشنطن القيام بإبعاد قطاعاتها العسكرية أو التخفيض من حجم وجودها وانتشارها في مياه الخليج، بعيداً عن مرمى النيران الإيرانية. وان رفع مستوى الوجود العسكري يعني ان طرفي الأزمة قد وضعا سقفاً للتوتر لا يصل مستوى التصادم او الاصطدام. أما إذا كانت لدى واشنطن نية للقيام بعمل عسكري فان ما تملكه من إمكانيات ميدانية في المنطقة كاف لتوجيه ضربة مؤلمة لطهران ولن تكون بحاجة الى استقدام حاملة طائرات جديدة الى المنقطة.
الرغبة المتبادلة الأمريكية والإيرانية بعدم الدخول في مواجهة عسكرية، والجهود التي يبذلها طرفا الأزمة في ضبط القوى التي تدور في فلك تحالفاتها وقطع الطريق على أي تحرك غير مدروس، يمكن أن يجعل زيارة حاملة الطائرات «ابراهيم لينكولن» إلى مياه الخليج زيارة سلام وليس حرب.
القدس العربي