كتب المعلق في صحيفة “أوبزيرفر” سايمون تيسدال مقالا تحت عنوان “فقدنا الأمل بجهود مشتركة لوقف الحرب”.وجاء في مقاله: “المقترحات التي تقول إن الحرب السورية تقترب من نهايتها تبدو مثل نكتة سخيفة لسكان رأس العين، الواقعة في شمال محافظة إدلب والتي تعرضت لغارات جوية الأسبوع الماضي. وقتل خمسة من سكانها بمن فيهم ثلاثة أطفال وجرح 20 آخرين”. وأخبر مواطن اسمه حسين الشيخ مراسلة الجزيرة فرح النجار كيف انهارت البناية حيث حاول الأطفال البحث عن ملجأ: “كنت واقفا أمام الباب وأراقب الأطفال يلعبون، وسمعنا فجأة انفجارا ولم نستطع مراقبة المشهد ومن الصعب عليه وصفه”.
وتقدر الأمم المتحدة عدد القتلى في الموجة الجديدة من الهجمات بالعشرات. وأدت أيضا لنزوح أكثر من 150.000 شخص. ويقول عمال الإغاثة المدنية أن المستشفيات والمنشآت المدنية والمدارس استهدفت بالصواريخ والقصف المدفعي والبراميل المتفجرة.
وفي النظرة الأولى، لا شك أن القوات الموالية لبشار الأسد هي التي تتحمل المسؤولية. وتزعم هذه القوى أنها تقاتل الجماعات الجهادية أو ما تعرف بهيئة تحرير الشام. وفي سوريا كما في كل محاور الحرب حول العالم فهذه ليس مسألة سهلة. ولكن يجب أن تتحمل مسؤوليتها إيران والميليشيات التابعة لها والتي يدعمها حزب الله.
وتركيا أيضا مخطئة لأنها عاجزة عن الدفاع عن المنطقة منزوعة السلاح التي أقيمت حول إدلب في أيلول (سبتمبر) 2018. ثم هناك الروس وطائراتهم التي لا ترحم، والتي بدونها كان الأسد سيخرج من السلطة.
ومع ذلك فمسؤولية الحرب التي مضى عليها 8 أعوام أوسع من هذه الأطراف المتهمة، فالولايات المتحدة وقفت متفرجة على سوريا، وقيدت نفسها بمحاربة تنظيم “الدولة” وإطلاق صواريخ من وقت لآخر. وكذا أوروبا وبريطانيا تتحمل المسؤولية.
بوتين تدخل وبقوة في سوريا عام 2015 ولكنه لم يحم الأرواح بل لتوسيع المصالح الأمنية والاستراتيجية لبلاده في الشرق الأوسط
ويمضي تيسدال قائلا إن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تدخل وبقوة في سوريا عام 2015 ولكنه لم يحم الأرواح بل لتوسيع المصالح الأمنية والاستراتيجية لبلاده في الشرق الأوسط وعلى حساب الأمريكيين. وفي المقابل لم تحظ الجهود التي رعتها الأمم المتحدة بأي دعم من القوى الكبرى. وهذا الكلام لن يكون عزاء لسكان رأس العين، فإن معاناتهم هي نتاج لانهيار التعاون الدولي لمعالجة الحروب”.
ويعلق الكاتب: “إننا نعيش في عصر حلت فيه الانتهازية والمصالح الذاتية محل المسؤولية الجماعية، كل هذا بسبب انهيار التعددية وصعود القومية والحكام الأقوياء الديكتاتوريين. فالمسؤولية الجماعية هي الأساس الذي قامت عليه الأمم المتحدة عام 1945. والموجة المعاكسة الآن للمسؤولية الجماعية هي اللامسؤولية والتنافس بين القوى التي أصبحت علامة الزمن في كل مكان حيث يقتل الناس بسبب هذا”.
ويشير تيسدال أن المرة الثانية التي سيتحدث فيها زعيم حزب الاستقلال البريطاني اليميني السابق نايجل فاراج والرئيس الهنغاري فيكتور أوربان عن الحقوق السيادية “والعودة للسيطرة” فإنهما يعرفان أو لا يعرفان أن الرياء الذي ينشرانه له آثار إجراميه دولية. فعندما يتنمر الرئيس دونالد ترامب على إيران ويبيع السلاح للسعودية، وعندما يسجن الرئيس الصيني شي جينبينغ المسلمين في معتقلات جماعية، وعندما يفرح بوتين شامتا من أوكرانيا، وعندما يدافع رئيس البرازيل جايير بولسونارور عن تدمير الغابات المطيرة في البرازيل، وكل واحد منهم يحاول إرضاء قاعدته الانتخابية، نتائج أفعالهم هذه تترك مخاطر عالمية.
بعد ثمانية أعوام على الإطاحة بالقذافي فإن هناك خشية من تحولها لسوريا جديدة… حيث تدعم مصر والسعودية والإمارات جنرالا مارقا
ويرى الكاتب أن ليبيا هي حالة تلخص كل هذا، فبعد ثمانية أعوام من الإطاحة بديكتاتورها فإن هناك خشية من تحولها لسوريا جديدة. وفيها تدعم مصر والسعودية والإمارات العربية جنرالا مارقا، تدعم تركيا وقطر الحكومة المعترف بها دوليا في العاصمة طرابلس.
ويقول الكاتب إن ليبيا تحن إلى السلام وأصبحت في المركز الثاني من ناحية التنافس الإقليمي على النفوذ ومصادر النفط. وأصبح اليمن واحدا من أسوأ المناطق لكارثة من صنع الإنسانية، وهي تؤكد غياب المسؤولية الجماعية، حيث فضلت القوى الكبرى تقديم الأولويات الجيوسياسية على حماية الأرواح.
ويرى الكاتب أن التردد في التعاون لوقف الحروب يترافق مع زيادة رغبة التدخل في شؤون الآخرين من خلال الجماعات الوكيلة. فلم يعد هناك تدخل مباشر إلا في النادر، ولا غزو من خلال تحالف دولي كما في حرب الخليج الأولى عام 1991 وكوسوفو عام 1999. ولكن الحرب اليوم هي حروب بالوكالة لخدمة مصالح دول خارجية. ونتيجة لغياب التعاون الدولي فإن النزاعات الأقل كثافة تم تجاهلها كما في جنوب السودان وجنوب الفلبين وميانمار وجنوب تايلاند والصومال ودول الساحل.
ويحذر الكاتب القادة الأقوياء من أن التصرف بطريقة فردية نادرا ما يفعل فعله. وتكشف تجارب الماضي أن تجنب القوى الكبرى للعمل المشترك عادة ما يؤدي إلى سوء الأوضاع.
وفي النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي احتكرت الولايات المتحدة عملية صناعة السلام ولكنها لم تحقق نتيجة. ويجب ألا نندهش إذا عرفنا تحيز دونالد ترامب لإسرائيل. وتدير الولايات المتحدة محادثات سلام مع طالبان والنجاح غير مضمون، لأنها استبعدت الحكومة الأفغانية.
وعادة ما يتصرف القادة على خلاف التحالفات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي بدوافع أنانية. ويزعم ترامب أنه يستحق جائزة نوبل للسلام بسبب قمته مع الرئيس الكوري كيم جون- أون، إلا أن جهود ترامب يدفعها الغرور وليس صناعة السلام. لكل هذا يقتل الناس في كل عام بسبب تردد المجتمع الدولي للعمل معا.
القدس العربي