القصير منطقة عسكرية لحزب الله ممنوع على أبنائها طرق أبوابها

القصير منطقة عسكرية لحزب الله ممنوع على أبنائها طرق أبوابها

يجد نازحو مدينة القصير السورية أنفسهم في موقف صعب؛ فلا هم قادرون على الاستمرار في العيش بلبنان في ظل ما يواجهونه من ضغوط اقتصادية واجتماعية وحتى أمنية، ولا باستطاعتهم العودة إلى مدينتهم التي حولها حزب الله إلى منطقة عسكرية خاصة به.

دمشق – تشكل العودة إلى القصير حلما بعيد المنال بالنسبة للآلاف من سكانها النازحين في لبنان، بعد أن حول حزب الله والنظام السوري مدينتهم إلى منطقة عسكرية مغلقة.

وعلى خلاف باقي النازحين من مناطق سورية أخرى حيث تمكن عدد مهم منهم من العودة إلى ديارهم بتنسيق بين السلطات السورية واللبنانية على مدار السنتين الماضيتين، فإن نحو 50 ألفا من سكان القصير يجدون أنفسهم في موقف صعب فلا هم قادرون على الاستمرار في العيش في لبنان بالنظر للصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها، ولا باستطاعتهم طرق أبواب مدينهم.

وتقع القصير في ريف حمص الغربي، بمنطقة ملاصقة للحدود اللبنانية، وتُعتبر امتدادا للبقاع اللبناني، الخاضع لسيطرة حزب الله، وقد سيطرت عليها فصائل المعارضة السورية في العام 2012، قبل أن تتمكن القوات الحكومية بدعم كبير من حزب الله من استعادتها في العام 2013.

وتسبب القتال في تهـجير سكان المدينة، ثم تحويلها إلى ثكـنة عسكـرية لعناصر حزب الله، الذين يصفون المعركة التي دارت هناك بـ”أم المعارك” باعتبارهم من قادوها.

وقام حزب الله في نوفمبر 2016 باستعراض عسكري ضخم شاركت فيه ناقلات جند مدرعة أميركية من طراز “أم 113″ ما شكل مفاجئة مدوية حول كيف وصلت هذه المدرعات إلى الحزب.

وأراد الحزب من خلال استعراض القوة إيصال جملة من الرسائل من بينها أنه الممسك بزمام كامل الحدود اللبنانية السورية، وأنه لن يتوانى عن الدفاع عن المواقع التي باتت تحت نفوذه.

وتفيد تقديرات بأن عدد المهجّرين من القصير تجاوز الخمسين ألفا، ورغم عودة عدد قليل من النازحين في الداخل إلى المدينة، فإن أغلبهم ما زالوا ممنوعين من العودة.

ويتركز لاجئو القصير في لبنان بمنطقتي عرسال والبقاع، وهم يؤيدون عودة اللاجئين السوريين طواعية إلى بلدهم، لكن تحت رعاية وضمانات دولية.

ويواجه اللاجئون السوريون بشكل عام أوضاعا صعبة للغاية في مخيمات لبنان، وسط تصريحات لمسؤولين لبنانيين يدعون إلى عودتهم إلى بلدهم، الذي يشهد حربا منذ عام 2011.

وتتزايد ضغوط بيروت لتسريع عملية إعادة اللاجئين، لكن تستمرّ كل من الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع المدني في محاولة الحدّ من ذلك الاتجاه؛ عبر التشديد على أنّ سوريا ليست جاهزة لتسهيل تلك العودة واسعة النطاق.

وتردد قوى سياسية لبنانية يتصدرها التيار الوطني الحر أن بلدهم يستضيف نحو مليون و500 ألف لاجئ سوري، وأنهم يمثلون عبئا على الاقتصاد اللبناني، الذي يواجه صعوبات عديدة. بينما تقول الأمم المتحدة إنه يوجد في لبنان قرابة مليون لاجئ سوري مسجل لدى مفوضية اللاجئين التابعة لها.

وأعلن الرئيس اللبناني، ميشال عون، في يناير 2018، أن حجم خسائر لبنان بسبب تدفق اللاجئين السوريين إليه بلغ 9 مليارات و776 مليون دولار، وشدد على ضرورة عودتهم إلى سوريا، رغم عدم انتهاء الأزمة.

ويرى متابعون أن الضغوط التي تمارسها بعض القوى اللبنانية لا ترتبط فقط بدوافع اقتصادية بل بأسباب طائفية حيث أن معظم النازحين من المسلمين السنة، وهناك تخوف مسيحي خاصة من أن يؤدي بقاؤهم في لبنان إلى تغيير الطبيعة الديموغرافية في هذا البلد، ما يشكل تهديدا وجوديا.

وأعرب رئيس بلدية عرسال شرقي لبنان، باسل الحجيري، عن تخوفه من إجراءات حكومية يتوقعها تجاه مخيمات اللاجئين، في محاولة للضغط على اللاجئ السوري لإعادته إلى بلده؛ خوفا من فرض توطينه في لبنان.

وقال الحجيري “لا مشكلة أمنية مع مخيمات النازحين في الوقت الحالي، ولم تعد تشكل خطرا على لبنان، ولكن من جهة الخدمات هناك نقص كبير”. وأضاف أن “خوف بعض اللبنانيين من التوطين ليس في محله؛ فالنازح السوري يريد العودة إلى بلده، لكنه محكوم بالبقاء في لبنان حتى يستتب الأمن بشكل تام في سوريا”.

ويعتبر الكثيرون أن تعامل البعض مع مشكلة النازحين لا يخلو أيضا من سياسة الكيل بمكيالين، ذلك أنه وفيما يمارس الضغط على السلطة السياسية في لبنان والمجتمع الدولي للمساعدة في حل المعضلة إلا أنهما لا يقرّان بأن النظام السوري والحليف حزب الله يضعان شروطا تعجيزية على النازحين وخاصة على سكان القصير.

وانتقد سياسيون لبنانيون وبينهم رئيس حزب القوات سمير جعجع مرارا تعاطي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يتولى حقيبة الخارجية مع هذا الملف، حيث يعمد باسيل إلى تحميل شق من اللبنانيين والمجتمع الدولي مسؤولية استمرار الأزمة غاضا الطرف على دور النظام السوري وحزب الله، وضرب جعجع مثال القصير.

ويقول أحد النازحين من القصير علي عامر (37 عاما)، إنه لا يفكر في العودة إلى مدينته، فهي، على حد قوله، تحولت إلى منطقة عسكرية من جانب النظام السوري.

من جهته يقول نازح آخر من ريف المدينة أحمد سمير حمزة، أنه لم يعد أي لاجئ إلى بلدة القصير، ومن يعود يُخير بأن يعود إلى أي منطقة سوى القصير وريفها.

وفرض النظام السوري شروطا تعجيزية على سكان القصير، الراغبين في العودة إليها. فبعد الدخول إلى المدينة، لا يسمح لهم بأن يقيموا في منازل مدمـرة أو منازل لا يملكون إثباتا بملكيتها، ولا يسمح لهم أيضا بإدخال مواد البناء، لترميم المنازل المهدمة.

وأصدر النظام السوري قانون رقم 10، تنص مادته 2/6 على أن “تدعو الوحدة الإدارية خلال شهر من صدور مرسوم إحداث المنطقة التنظيمية (مخصصة لإعادة الإعمار)، المالكين وأصحاب الحقوق العينية بإعلان ينشر في وسائل إعلام محلية، للتصريح بحقوقهم، وفي حال عدم التصريح خلال المدة المصرح بها، ستصبح أملاكهم ملكا للدولة”.

ويسلب ذلك القانون المثير للجدل أملاك الكثيرين من اللاجئين، وهو ما يزيد من صعوبة عودتهم من لبنان إلى مدينتهم.

العرب