في تطور لعله الأخطر منذ الإطاحة بطاغية السودان عمر حسن البشير في 11 نيسان/ أبريل الماضي، سقط خمسة متظاهرين وضابط من الجيش برصاص عناصر مسلحة مجهولة الهوية في ساحة الاعتصام خارج مقر القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم. وجاءت الحادثة بعد ساعات قليلة من الإعلان عن تحقيق اختراق في المفاوضات بين المجلس العسكري وتحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» بشأن هيكلية الهيئات التي ستشرف على العملية الانتقالية وسلطاتها.
مصدر الخطورة الأول هو أن العناصر المسلحة المجهولة استهدفت الجيش والمتظاهرين معاً، في مسعى للوقيعة بين طرفين تشبثا على مدار الأسابيع التي أعقبت عزل البشير بالسلم الأهلي كأسلوب وحيد للتقدم على طريق تلبية مطالب الشعب السوداني في التغيير الديمقراطي. ولهذا أعلنت قيادات الاحتجاج أن هدف إطلاق النار هو التأثير سلباً على ما تحقق من اختراق، متهمة العناصر الموالية للنظام السابق بالمسؤولية عن الحادث. من جانبها اكتفت قيادة الجيش بملاحظة «وجود مندسّين مسلّحين بين المتظاهرين»، الأمر الذي يشير إلى تبرئها من الواقعة وعزوفها في الآن ذاته عن تسمية الجهة المذنبة.
ولعلّ هذا هو جانب الخطورة الثاني، إذْ من المعروف أن النظام القديم لا يزال حياً ونشطاً وفاعلاً في جيوب عديدة سياسية واقتصادية، وأخرى أكثر تأثيراً تعمل في قلب الجيش والأجهزة الأمنية، وليس من مصلحتها أن تقطع المفاوضات السلمية شوطاً متقدماً ملموساً. هذا إلى جانب الافتراض المنطقي الذي يشير إلى أن مجموعات الثورة المضادة يمكن أن تتحرك في أي وقت خلال هذه المرحلة القلقة، بتحريض من قوى خارجية يؤذيها نجاح السودان في المسير نحو نظام أكثر ديمقراطية وتحرراً وعدالة اجتماعية، وهذا ما اتضح سريعاً في سلوك حكام السعودية ومصر والإمارات بصفة خاصة.
ومن المعروف أنّ لبعض الفئات في الجيش والأجهزة الأمنية السودانية سوابق دامية في قمع الاحتجاجات الشعبية، كما وقع في أيلول/ سبتمبر 2013 خلال التظاهرات ضد رفع أسعار المواد الغذائية، حين استخدمت مفارز النظام الذخيرة الحية في تفريق المتظاهرين، فسقط قرابة 170 منهم وجرح المئات. كذلك فإن بعض هذه المفارز تسبب في استشهاد أكثر من 90 متظاهراً مدنياً منذ اندلاع الاحتجاجات، أواخر السنة الماضية.
ومن جانب آخر، ورغم أن قائد قوات الدعم السريع كان قد اعتذر عن المشاركة في المجلس العسكري الانتقالي إلا بعد الاستجابة لمطالب الشعب كما أعلن في حينه، إلا أن هذه الوحدات كانت ربيبة البشير في الأساس وتألفت من أبناء القبائل الموالية والجنجاويد، وليس غريباً عن بعض ضباطها وعناصرها تشكيل قطب مواز رافض للتغييرات الديمقراطية، أو مرتبط بالجهات الخارجية الراعية للثورة المضادة.
وليس بعيداً عن المنطق السليم أن تكون واقعة إطلاق النار على المتظاهرين والجيش معاً مرتبطة بقرار النائب العام السوداني اتهام البشير هي الاشتراك والتحريض على قتل متظاهرين، بعد تهم سابقة حول غسل الأموال وتمويل الإرهاب، خاصة وأن التهمة الجديدة تتعلق بالطبيب الشهيد بابكر عبد الحميد الذي أصبح أحد أيقونات الحراك الشعبي والذي قُتل بدم بارد وهو يحاول إسعاف المصابين خلال الاعتصام.
وهكذا فإن الحادثة الأخيرة تذكّر من جديد بحجم القوى المضادة التي تتربص بانتفاضة الشعب السوداني، وتستحث على مزيد من التماسك الوطني واليقظة العالية.
القدس العربي