عن مخاطر الحرب “المحتملة”: إيران عام 2019م ليس كالعراق عام 2003م

عن مخاطر الحرب “المحتملة”: إيران عام 2019م ليس كالعراق عام 2003م

حذر خبراء ومراقبون من إقدام أي طرف في منطقة الخليج العربي على خطوة غير محسوبة قد تؤدي إلى إشعال حرب طاحنة، فمع ازدياد التصعيد بين إيران والولايات المتحدة، وبعد عمليات “تخريب” غامضة استهدفت ناقلات نفط بسواحل الإمارات، وهجوم الحوثيون على محطتي الضخ البترولي التابعتين لشركة أرامكو رقم 8 و9، اللتين تقومان بدعم انسياب الزيت والغاز عبر الخطوط الناقلة للغاز والنفط من المنطقة الشرقية عبر محافظتي الدوادمي وعفيف، وتقعان على بعد 220 كلم و380 كلم غرب العاصمة السعودية الرياض،باتت مخاطر انزلاق الوضع في الخليج أكثر خطورة من أي وقت مضى.

ويرى خبراء في العلاقات الدولية، إن صراع واشنطن مع طهران لن يكون كحرب العراق بل أسوأ، ولفتوا  الانتباه إلى أنه بالرغم من أوجه التشابه فإن الصراع مع إيران لن يكون مجرد تكرار لحرب العراق عام 2003، بل سيكون مختلفا تماما من نواح كثيرة ومن المؤكد أنه سيكون أسوأ بكثير.فإيران في الوقت الحاضر  بلد مختلف اختلافا كبيرا مقارنة بالعراق عام 2003، والطريقة التي قد تخوض بها الحرب شديدة الاختلاف أيضا.

فهي أكبر مساحة من العراق بنحو ثلاثة أضعاف وتفوقه بكثير في عدد السكان، إضافة إلى قوتها البرية والبحرية. والجيش العراقي كان قوامه أقل من 450 ألف فرد عندما بدأ الغزو، بينما لدى إيران حاليا 523 ألف جندي، إضافة إلى 250 ألفا من قوات الاحتياط. ويضيفوا أن إيران -على عكس العراق- لديها قوة بحرية وحدود مترامية على بحر قزوين إلى الشمال، وعلى الخليج العربي وخليج عُمان إلى الجنوب؛ وتشترك في الحدود البرية مع العديد من حلفاء الولايات المتحدة المزعجين، بما في ذلك أفغانستان وباكستان وتركيا والعراق، وقد يؤدي إغلاق مضيق هرمز -الذي تجتازه نحو ثلث ناقلات النفط العالمية- إلى انخفاض صادرات النفط بنحو 30%.وذكروا أنه بالرغم من أن إيران أضعف بكثير من الولايات المتحدة من الناحية العسكرية التقليدية، فإنها اتبعت منذ فترة طويلة إستراتيجيات قد تسمح لها بإلحاق أضرار جسيمة بالمصالح الأميركية في المنطقة.

كما أن البحرية الإيرانية لديها ميزة حقيقية تتفوق بها على الولايات المتحدة، إذ إنها لا تحتاج إلى سفن كبيرة أو قوة نيران لإغلاق مضيق هرمز، لكنها -على سبيل المثال- يمكن أن تستخدم الألغام أو الغواصات لإيقاف التجارة فيه.ثم هناك برنامج صواريخ إيران البالستية الذي يوصف بأنه “أكبر وأكثر ترسانات الصواريخ تنوعا في الشرق الأوسط”، وهذا التهديد من تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية يمتد وراء حدود البلاد أيضا، حيث يعتقد أن حزب الله اللبناني لديه ترسانة تقدر بـ130 ألف صاروخ.وأشاروا إلى أن الخلاف بين إدارة أميركية بقيادة رئيس جمهوري مثل دونالد ترامب وقوة شرق أوسطية مثل إيران، يذكر العديد من المراقبين بالفترة التي سبقت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، تلك الخطوة التي أدينت على نطاق واسع في السنوات التالية بأنها كانت كارثية لجميع المعنيين.

في مجال العمل العسكري أيضاً تحت تصرف إيران جملة من طرق العمل المحتملة: المس بجنود أمريكيين في سوريا وبالأساس في العراق من خلال منظمات فرعية، وإطلاق صواريخ أو القيام بأعمال عسكرية من جانب منظمات فرعية من سوريا ولبنان وقطاع غزة، ضد مصالح أمريكية في الشرق الأوسط أو ضد إسرائيل. ويذكر أن إيران عملت في الثمانينيات من القرن الماضي ضد قوات المارينز في بيروت ـ من خلال حزب الله ـ وجبت حياة المئات. إيران تتهم حتى من الولايات المتحدة بالمسؤولة عن قتل 500 من جنودها في العراق بعد حرب الخليج الثاني، من خلال ميليشيات شيعية ترتبط مباشرة بطهران وتستخدمها.
نشاطات ضد تصدير النفط: هددت إيران بالمس بحرية الإبحار في مضائق هرمز. بوسعها أن تستخدم الحوثيين في اليمن لضرب الإبحار في البحر الأحمر والمس بإنتاج النفط في الجانب العربي من الخليج من خلال إطلاق الصواريخ، الطائرات المسيرة والعمليات التخريبية، بما في ذلك من خلال السايبر (في هذه الحالة أيضاً، مثلما في الإرهاب عبر الفروع، دون الإعلان أو أخذ المسؤولية).

لذلك لا بد من البحث عن مخرج دبلوماسي للأزمة. فقد وصف وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت- يوم الإثنين- خطرين في التوتر بين أمريكا وإيران. الأول هي مواجهة تحدث بشكل مفاجئ بين الطرفين الذي يحاول كل منهما التصعيد. أما الخطر الثاني فهي عودة إيران إلى الطريق النووي. وما لم يقله هانت هو أن الخطرين نتجا بسبب التصعيد والضغط الذي تمارسه إدارة ترامب على النظام الإيراني في الأشهر الماضية- وهي سياسة يصفها خبراء في العلاقات الدولية بأنها بدون هدف واضح وبلا نتيجة إيجابية.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه ترامب ومساعديه أنهم لا يريدون حربا ولكن الإجراءات التي اتخذوها في الأشهر الماضية بما في ذلك محاولة وقف تصدير النفط الإيراني والعقوبات على الفولاذ والرصاص وبقية المنتجات وضعتهم وبشكل خطير على ذلك الطريق. وردت الجمهورية الإسلامية، كما هو متوقع بالتهديد واستئناف عمليات تخصيب اليورانيوم وبكميات كبيرة. وهي الخطوات الخطيرة التي توقفت بعد توقيع الإتفاقية النووية التي اتخذ ترامب قرارا حكيما وألغاها. وبحسب المسؤولين الأمريكيين فإن طهران تحضر لهجمات ضد القوات الامريكية في الشرق الأوسط أو ضد السفن التجارية والعسكرية في الخليج. ولم تتم نسبة الهجمات على أربع ناقلات نفط في فم الخليج يوم الأحد إلى إيران. وقال وزير الخارجية مايك بومبيو إنهم لا يزالون يحققون في الأمر. ولو ثبت أن إيران هي التي نفذت عمليات التخريب فعندها سيجد بومبيو نفسه أمام ضغوط لكي ينفذه وعيد “عن مشكلة سيئة لإيران لو حدث أمر”.

وفي الوقت نفسه حضرت وزارة الدفاع (البنتاغون) خططا إضافية للتعامل مع التطورات في المنطقة، كما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” وإرسال عشرات الألاف من الجنود الأمريكيين. وذكرت الصحيفة أن المخابرات الأمريكية قدمت تقارير عن محاولات إيران استفزاز إدارة دونالد ترامب للقيام بعمل عسكري. وتحذر الصحيفة من أن الولايات المتحدة ليست جاهزة لنزاع جديد في المنطقة. فهي لا تحظى بدعم أي من دول حلف الناتو، ولا حتى بريطانيا كما أشار هانت. كما أن استخدام القوة لن يوقف إيران عن استئناف نشاطاتها النووية أو تغيير النظام إلا إذا شنت الولايات المتحدة غزوا عسكريا شاملا. ولن يجد ترامب دعما لحملته من الأمريكيين والسبب هو أن إيران حتى بداية ترامب تصعيده كانت ملتزمة ببنود العقد ولم تشكل تهديدا على الولايات المتحدة. ويقول ترامب إنه مهتم بالتفاوض مع المرشد الأعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي ولا يعرف إن كان مساعدي الرئيس يتفقون معه. ووضعوا سلسلة من المطالب التي يعرفون أن إيران لن تلبيها. واعترف بومبيو قبل يوم أن استراتيجية أمريكا لن تدفع إيران على تقديم تنازلات. ولكنه أشار ” ما سيتغير هو أن الشعب هو الذي سيقوم بتغيير الحكومة”.

وتنتظر الولايات المتحدة ومنذ عقود حدوث ثورة في إيران.، فترامب قد يجد نفسه محشورا في زاوية يختار فيها بين استخدام القوة العسكرية ذات النتائج السلبية وبين السماح لإيران تجاوز الخط الأحمر. وللخروج من المأزق عليه العودة للدبلوماسية بالتعاون مع حلفائه الأوروبيين “وعلى الرئيس الحد من سلطة مساعديه الصقور والمضي في ذلك الطريق قبل أن يفوت الأوان”.

 ومن جانب آخر، أكد وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي، أن الاستعدادات العسكرية في أعلى المستويات، وأن “الولايات المتحدة والجبهة الصهيونية ستذوقان مرارة الهزيمة”.جاء ذلك في كلمة له خلال مشاركته في فعالية بالعاصمة طهران، الأربعاء، تطرق خلاله إلى التوتر المتصاعد بين طهران وواشنطن، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.وتطرق إلى التهديدات الأمريكية، قائلا: “الاستعدادات العسكرية والدفاعية الإيرانية في أعلى مستوى ضد أي تهديد”.وأشار إلى فشل مخططات واشنطن في المنطقة، بعد الهزائم الاخيرة للجماعات المتشددة في دول مثل سوريا والعراق.وأضاف أن “الأمريكيين وعقب هذه الهزائم المشينة لجأوا الي شن حرب اقتصادية شاملة ضد الشعب الإيراني”.وأوضح أن إيران تُفشل دائما مؤامرات واشنطن. مضيفا أن “الولايات المتحدة والجبهة الصهيونية ستذوقان مرارة الهزيمة هذه المرة أيضا”.

وعليه، يحذر الخبراء في العلاقات الدولية من اشتعال الخليج، ويرى مسؤول الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية بواشنطن علي واعظ أن احتمال حصول مواجهة ولو من دون عمل استفزازي “مرتفع”، معتبرا أن كون كل طرف يعتقد أن الآخر لا يريد الحرب يزيد خطر المواجهة، إذ يوجد هامش لأخطاء التأويل، ولا سيما في غياب قنوات الاتصال بين الطرفين.ويرجّح واعظ أن تشنّ الولايات المتحدة هجوما عسكريا محدودا ضد إيران، التي قد ترد بصورة محدودة، في حين يأمل الطرفان في أن يحافظ الجميع على هدوئه لتجنب مواجهة كبرى.أما مديرة التوقعات في قسم البحوث والاستشراف من مجموعة “ذي إيكونوميست” في لندن آغات دوماريه فتقول إن “هناك مخاطر اشتعال فعلية”.وتضيف أنه إذا لم يشعل أحد الموقف ولم يؤدِ الوضع إلى اندلاع حرب، فالتوترات ستسمرّ طالما لا يزال دونالد ترامب رئيسا، وسيكون من مصلحة صقور السياسة الخارجية الأميركية اعتماد سياسة متصلبة لتحويل انتباه الناخبين عن مصاعب الاقتصاد الأميركي.وبدوره، يرى جان سيلفيستر مونغرونييه من معهد “توماس مور” الفرنسي البلجيكي أن المنطقة تشهد حالة مزدوجة من الحرب والسلم، مع تباين في الشدة، وأزمات متتالية دون تسوية للمشكلات الأساسية.ويتساءل “إلى متى يمكن تأجيل الاستحقاقات وإبعاد استحقاق الدفع نقدا؟”، مشيرا بذلك إلى وقوع حرب.

من جهة أخرى، يقول مستشار شؤون الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية دوني بوشار إن القيادات العسكرية الأميركية والإسرائيلية تحاول تهدئة الوضع، كما تلتزم إيران بضبط النفس، لكنْ هناك متهورون في الطرفين مثل مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جون بولتون وصقور الحرس الثوري الإيراني.ويحذر بوشار من أن تندلع الشرارة من جانب حلفاء البلدين أو من جهات أخرى، كأن يستهدف الحوثيون ناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر، فيأتي الرد على إيران نفسها، لا سيما وأن الأميركيين يتوعدون طهران بردّ “شديد على أي هجوم ضد مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها”.

وتعليقا على أعمال التخريب الغامضة التي تعرّضت لها السفن قبالة السواحل الإماراتية قبل يومين، تقول محللة المخاطر في شركة “ريسك أند كو” آن صوفي ماري إن “هناك أمورا مجهولة كثيرة في هذه الهجمات، ومن بين الفرضيات أن يكون السعوديون والإماراتيون هم من أعدّوا الهجمات من أجل جر الأميركيين للرد عسكريا على إيران”. وتقوم فرضية أخرى على أن الإيرانيين أنفسهم أو وكلاء لهم قاموا بذلك، غير أن ماري تستبعد الفرضية الثالثة وهي احتمال أن تكون مجموعة إرهابية قامت بأعمال التخريب.

وختامًا، إن سياسة الضغط الأقصى التي تتخذها الولايات المتحدة تجاه إيران وتصميمها على عدم السماح لإيران بالمس بالجنود والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، بشكل تم في الماضي دون جباية ثمن من قبل إيران، وبالمقابل قرار إيران الخروج عن «الصبر الاستراتيجي» ـ تنطوي على احتمال تصعيد وسوء تقدير من شأنه أن يكون عظيم المعنى على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط وعلى أمن حلفائها وفي مقدمتهم إسرائيل.

وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية