يفترض بعشرات آلاف الفلسطينيين أن يشاركوا اليوم في المظاهرات لإحياء يوم النكبة في قطاع غزة. ومع ذلك، فإن تقديرات حذرة في جهاز الأمن تتوقع احتمالامعقولابأن تمر بهدوء نسبي.
ولكن مرة أخرى، مثلما في نقاط اختبار سابقة، فإن هذا الأمر بيد حماس. اختبارهم اليوم، حيال المصريين أيضاً، هو إبعاد الجمهور عن الجدار، مثلما فعلوا في يوم الأرض الماضي. أما الفشل، أو عدم رغبة حماس، فمن شأنهما أن يغير الصورة من الأقصى إلى الأقصى وتصعيد الوضع مرة أخرى.
إن الفرق بين بضع عشرات فلسطينيين ـ يصلون إلى مواجهة مباشرة مع قوات الجيش الإسرائيلي، ويشاغبون، ويلقون العبوات الناسفة والقنابل اليدوية نحو قوات الجيش ويحاولون التسلل عبر الجدار ـ وبين الآلاف الذين يفعلون هذا في نقاط المواجهة المعروفة على طول الجدار، هو فرق دراماتيكي ويجد تعبيره في عدد القتلى والمصابين في الطرف الفلسطيني. إن الصيغة الدائمة والمعروفة هي أنه كلما كان عدد القتلى أعلى ازداد احتمال التصعيد. وأغلب الظن اليوم أن مئات النشطاء من حماس ببزات برتقالية سيصلون إلى الميدان ليقفوا كالفاصل بين الجدار والمتظاهرين، كما في يوم الأرض. ولكن حتى لو كانت هذه الفرضية صحيحة، واضح أن حماس تواصل إدارة لعبة قمار خطيرة. فمن جهة تنظم التسفيرات إلى الجدار وتعلن عن إضراب عام في غزة، ومن جهة أخرى تلتزم المنظمة ظاهراً تجاه مصر لتخفيض مستوى اللهيب. وذلك في أحداث من قد تخرج عن السيطرة، إذ إنه تحت رعاية أعمال الإخلال بالنظام يحتمل دوماً أن يدخل المخربون لتنفيذ عمليات أكثر تعقيداً ـ ومن هنا فإن الطريق إلى تصعيد إضافي يكون قصيراً على نحو خاص.
أمام الجدار هناك قوات فرقة غزة. ولعل هذا بات مفهوماً من تلقاء ذاته، ولكن من المهم لنا أن نذكر أنه لأكثر من سنة يقف الضباط والمقاتلون الإسرائيليون أمام مهمة مضنية على نحو خاص. فالمهنية في الإيفاء بالمهمة والمستوى القيمي العالي الذي يبديه المقاتلون جدير بالتقدير. فإلى جانب الحفاظ على الحدود وأمن السكان، يفهمون أهمية تقليص عدد المصابين والقتلى في الطرف الآخر إلى الحد الأدنى الممكن.
في المحاولة المعقدة للتمييز بين مشاغبين في منطقة الجدار ومخربين يعملون تحت رعايتهم، من السهل جداً ارتكاب الأخطاء. من لم يكن هناك سهل عليه الإعلان بأن كل من يقترب من الجدار سيتلقى رصاصة، ولكن الواقع في الميدان أكثر تعقيداً بكثير.
كما كتب هنا غير مرة، بينما يقوم الجنود بعملهم على أفضل وجه، فإن لتآكل الردع الإسرائيلي مسؤولاً هو القيادة السياسية حصرياً. فبسبب غياب السياسة الواضحة، فإنه عندما لا تكون غاية سياسية لاستخدام القوة العسكرية، تكون حماس هي التي تملي كل ما يحصل في الجبهة. في الوضع المتفجر في غزة، تعدّ أعمال الإخلال بالنظام على الجدار مادة اشتعال تؤدي إلى التصعيد من جديد. وعليه، فطالما استمرت أحداث الجدار، فإن التدحرج إلى جولات تصعيد أخرى تكون محتمة. هذا الوضع سيتعين على حكومة إسرائيل أن تغيره من الأساس. ظاهراً، كل الأطراف تؤشر إلى أنها معنية بتسوية سياسية دون مواجهة عسكرية. ولكن إذا لم يتحقق هذا ـ ففي الجانب العسكري أيضاً سيتطلب من إسرائيل أن تغير الطريقة التي تستخدم فيها القوة العسكرية في القطاع.
القدس العربي