كتبت الصحفية بشا ماجد -في مجلة فورين بوليسي الأميركية- أن تنظيم الدولة الإسلامية ما يزال يهدد العراق الذي تكابد قواته من أجل استئصال شأفته.
وذكرت في مقال مطول أن تنظيم الدولة بدأ يعود على ما يبدو إلى عملياته المسلحة في العراق، أو بالأحرى يحاول ذلك. فثمة شكوك بأن ألف مقاتل على الأقل قد عبروا إلى داخل العراق منذ سقوط بلدة باغوز في مارس/آذار الماضي، وهي آخر معاقل التنظيم في سوريا.
وتفيد الكاتبة أن العديد من المسلحين “المتشددين” يعيشون في شبكات أنفاق بناها تنظيم الدولة الإسلامية وادخر داخلها مواد غذائية وملابس، ويشن منها عملياته عبر خلايا مكونة من خمسة إلى عشرة مقاتلين.
ومع أن الجيش العراقي تمكن -بمساعدة الولايات المتحدة- من القضاء على “دولة الخلافة” التي أنشأها التنظيم بنهاية 2017، إلا أنه (الجيش) منذ ذلك الحين انقسم على نفسه إلى عدة فصائل مسلحة.
ولكل فصيل من تلك الفصائل طرقه الخاصة في محاربة تنظيم الدولة، لكن هذه الانقسامات ستؤثر على الأرجح في فاعلية القوات المسلحة العراقية، حسب رأي الصحفية.
وتتألف تلك الفصائل من جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، وقوات الحشد الشعبي، والجيش العراقي ومليشيات قبلية. وانضم العديد من المقاتلين من أتباع المذهب السني للحشد الشعبي الذي تأسس بادئ الأمر في معظمه من مليشيات شيعية عام 2014.
المناطق النائية
وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة قُضي عليه إلى حد كبير، فإن جيوبا منه ما تزال نشطة وتهدد مناطق نائية بالعراق “حيث يندر أن يكون للحكومة المركزية وجود فيها”.
غير أن كاتبة المقال تعتقد أن البذور التي أنبتت تنظيم الدولة تظل موجودة طالما أن المحافظات العراقية تتعرض للخطر.
وتنقل عن الباحث بمعهد تشاتام هاوس البريطاني ريناد منصور، تأكيده انقطاع التواصل بين جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الحشد الشعبي، “رغم أنه يفترض أن يقاتلا معا داعش (تنظيم الدولة) لضمان عدم عودته مجددا”.
ويقول الشيخ قطري شمرمند، وهو قائد مليشيا قبلية في محافظة الأنبار غربي العراق، إن 90% من القبائل هناك كانت تدعم “داعش عام 2014 لكن أقل من 1% يؤيدونه اليوم”.
ويشير المقال إلى أن “الوحشية” التي اتسم بها حكم تنظيم الدولة في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته قلصت كثيرا القاعدة التي اعتمد عليها في تجنيد مقاتلين له، حتى أن عددا كبيرا من القبائل والمدنيين بدؤوا يزودون أجهزة الأمن العراقية بمعلومات استخبارية.
النهج القديم
وتحذر الصحفية في مقالها من أن تنظيم الدولة عاد إلى نهجه في الاغتيالات بالعراق. ففي عملياته الأخيرة، استهدف زعماء محليين. ومطلع مايو/أيار الحالي هاجم التنظيم زعيما محليا في محافظة نينوى شمالي البلاد مما أدى إلى مصرعه وأربعة من أقاربه.
وبرغم من أن تنظيم الدولة بات أضعف مما كان عليه في السنوات العشر الماضية، فإنه شرع في تغيير أسلوبه في العمليات وتكريس جهوده في القيام باغتيالات “مستهدفة لإثبات أن دولة الخلافة ما تزال قائمة”.
ويعني هذا الأمر لقوات الأمن العراقية انخراطها في “لعبة القط والفأر” أثناء ملاحقتها ما تبقى من خلايا التنظيم المسلح داخل المناطق الصحراوية الشاسعة في غرب العراق، وجبال حمرين بمحافظة ديالى (شرق) والأجزاء الريفية النائية من محافظة نينوى.
وتتراوح أعداد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية -الذين ما زالوا ينشطون داخل العراق- ما بين أقل من ألف عنصر وثلاثة آلاف أو أكثر، وهي أرقام أقل بكثير من أعلى مستوياتها التي قُدرت بنحو مئة ألف مقاتل في يوم من الأيام.
وبحسب المستشار بوزارة الدفاع الفريق محمد العسكري، فإن التفجيرات التي يقف وراءها تنظيم الدولة تراجعت، مضيفا أن “داعش يفتقر إلى القادة أو القدرة على احتلال مدينة أو منطقة كبيرة.. وهو الآن يعود إلى سابق عهده في شن عمليات محدودة، والاعتماد على خلاياه النائمة”.
ومع بدء ظهور تنظيم الدولة مجددا، بدت مناطق في البلاد مهجورة -مثل قرية أبو طيبان بمحافظة الأنبار التي كتبت منها الصحفية تقريرها للمجلة- بينما تظل أجزاء كبيرة من مدينة الموصل (شمال) تفتقر إلى الخدمات أو الموارد الحكومية.
ولن يمضي وقت طويل حتى تخسر الحكومة التأييد الذي تلقته بعد دحرها تنظيم الدولة. ووفقا للباحث لدى تشاتام هاوس فإن “التحدي أصبح الآن قاصرا على محاولة التصدي لداعش وكأنه المشكلة العسكرية الوحيدة”.
ويردف قائلا إن الحل العسكري يتعامل فقط مع “عَرَض المشكلة وهي داعش” وليس “جذورها” المتمثلة في الأسباب التي أدت إلى بروز مثل هذه الجماعات.
المصدر : فورين بوليسي