سوريا: الممثلة الكيميائية والنظام البريء!

سوريا: الممثلة الكيميائية والنظام البريء!

 

في الوقت الذي تتابع فيه قوات النظام السوري والجيش الروسي هجماتها على أرياف حلب وحماه واللاذقية، وتقصف مدن محافظة إدلب بالبراميل المتفجرة ويضطر أكثر من ربع مليون شخص للنزوح نحو الحدود التركيّة، بثت قناة تلفزيونية يملكها ملياردير يعتبر الواجهة الماليّة للنظام السوري مسلسلا «كوميديا» بعنوان «كونتاك» ظهرت فيه الممثلة المعروفة أمل عرفة بدور يظهر فيه عناصر من منظمة «الخوذ البيضاء» الإسعافية يحملون كاميرات تصوير ويقومون بتمثيل مشاهد الاختناق من المواد الكيميائية ضمن فيلم يجري التحضير له ويطالبونها بحمل طفل للادعاء بأنه أصيب بالتسمم. حسب نصّ الحلقة فإن أمل عرفة ترد عليهم بأن هؤلاء الأولاد ليسوا لها وأنها غير متزوجة.
الرسائل التي أراد الكاتب والمخرج والممثلون، والنظام من ورائهم، توصيلها عديدة وأهمها أن الهجمات الكيميائية لم تحصل، وهذا أمر لا يمكن إنكاره لأن الهجوم الشهير على الغوطة بغاز السارين في 21 آب/أغسطس 2013 وقتل فيه 1429 شخصا وثقه تقرير للأمم المتحدة ودول عديدة وكذلك منظمات مثل «هيومن رايتس ووتش»، ورغم اعتبار النظام مسؤوليته «ادعاءات كاذبة»، ومساندته من قبل روسيا، فإنهما لم ينكرا حصول الهجوم، ورغم اتفاق أمريكي ـ روسي على تسليم النظام ترسانته العسكرية الكيميائية، فإن الهجمات الكيميائية تكررت عام 2015 على إدلب، و2017 على بلدة خان شيخون، و2018 على دوما.
إذن، حتى لو قبلنا سرديّة النظام وروسيا في أن المعارضة السورية هي التي كانت، على مدار السنوات، تملك السلاح الكيميائي وأدوات استخدامه كالطائرات الحربية والمروحيات والصواريخ والسفن المقاتلة، وأنها قامت بقصف المناطق التي تتواجد فيها واستهدفت المدنيين الذين هم أهل وأقارب لعناصر هذه المعارضة، فإن السخرية من موت المدنيين السوريين، الذين يدّعي النظام وممثلوه «الكوميديون» أنهم مواطنوهم وأهلهم، هي دليل على انعدام الحس الإنساني، بل هي مشاركة فعليّة في إنكار موت الضحايا، والتضليل لصالح القاتل، والإسهام الفعلي في جرائم الحرب المستمرة.
أثار بث الحلقة موجة من الغضب الشديد لدى السوريين ومناصري قضيتهم فالنظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون يحاولون حالياً احتلال آخر معاقل المعارضة متابعين الأسلوب الهمجيّ نفسه في استهداف المدنيين والمشافي والمرافق العامّة، كما أنهم حاولوا، حسب مصادر المعارضة، استخدام السلاح الكيميائي مجددا في ريف اللاذقية بسبب المقاومة العنيفة التي يلاقونها هناك، ورغم بعض التصريحات الغربية، والجلسات الفاشلة لمجلس الأمن، فإن الوضع السوري لم يعد يشغل أحدا في العالم، إلى درجة أن السوريين صاروا يقارنون أنفسهم بسكان هيروشيما وناغازاكي واليهود الذين قضوا في محارق النازيّة باستثناء أنهم صاروا يؤمنون أن لا أحد في العالم مهتمّا بمصيرهم، أو راغبا في أن يدافع عنهم، فقد حوصروا تحت راية «مكافحة الإرهاب»، أو صاروا اسم علم للاجئين الذين يجب التخلّص منهم بأي طريقة.
بعد الحملة الكبيرة عليها اضطرّت الممثلة «الكوميدية» إلى تقديم ما يشبه التراجع عما قالته من دون أن تعتذر من الضحايا، ولا من عناصر منظمة «الخوذ البيضاء» الذين قضى العشرات منهم في القصف خلال محاولات إنقاذ الآخرين، إضافة إلى قيامها بتحقير مبطّن للسوريين الهاربين من الموت بأنها ما زالت في سوريا، كما لو أن الأمر خيار لمن تقصف بيوتهم وتجتاح قراهم ومدنهم.
الرسالة الأهم التي قدّمتها الممثلة هي أن النظام بريء وأن السوريين مجرمون يستحقون الموت.

القدس العربي