أظهرت نتائج استطلاعات للرأي في تونس تقدما في نوايا التصويت لشخصيات من خارج منظومة الحكم الحالية، قبل انتخابات الرئاسة، في 17 نوفمبر/ تشرين ثانٍ المقبل.
بحسب نتائج نشرتها مؤسسة “إلكا للاستشارات” (خاصة)، منتصف مايو الجاري، جاء نبيل القروي، صاحب قناة “نسمة” (خاصة)، في المرتبة الأولى بـ32 بالمائة، يليه قيس سعيد، أستاذ القانون بالجامعة التونسية بـ17 بالمائة، ثم الرئيس السابق، المنصف المرزوقي (2011/ 2014) بـ7 بالمائة.
وبعدهم حلت عبير موسى، رئيسة الحزب الدستوري الحر (ينتسب للنظام السابق) بـ6 بالمائة، وصافي سعيد (كاتب) بـ5 بالمائة، ورئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد، بـ 4 بالمائة.
تلك النتائج تختلف عن أخرى لوكالة “سيغما كونساي” (خاصة)، في فبراير/شباط الماضي، احتل فيها الشاهد المرتبة الأولى بـ30.7 بالمائة، تلاه قيس سعيد بـ12.5 بالمائة، فالرئيس الحالي، الباجي قايد السبسي، بـ10.8 بالمئة، ثم المرزوقي بـ9 بالمائة.
وأطاحت ثورة شعبية بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي (1987: 2011). ويُنظر إلى تونس على أنها التجربة الديمقراطية الوحيدة الناجحة بين عدة دول عربية شهدت ثورات، ضمن ما يُعرف بـ”الربيع العربي”.
داخل أو خارج المنظومة
رئيس “سيفما كونساي”، حسن الزرقوني، أرجع ذلك التحول إلى أن “الناخبين لم تعد لهم ثقة في الأحزاب؛ بسبب نقض الوعود الانتخابية، وتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وتردّى المشهد السياسي بالانشقاقات في الأحزاب المدنية، خاصة نداء تونس (قائد الائتلاف الحاكم حاليا)”.
وتوقع الزرقوني، أن “يكون شعار استحقاق 2019 حول من مع المنظومة السياسية القائمة ومن هو ضد أو خارج تلك المنظومة”.
وتابع: “وهذا ما يفسر بروز الحزب الدستوري الحر بطريقة قوية، ونبيل القروي، وقيس سعيّد، وشخصيات آتية من الخارج، مثل ألفة الترّاس”.
والفة الترّاس هي تونسية متزوجة من فرنسي، وتدير جمعية “عيش تونسي” (عِشْ تونسيا)، وتقول إنها جمعت توقيعات 400 ألف تونسي يريدون تغيير الوضع الراهن.
ورأى الزرقوني أن “الانتخابات المقبلة ستكون بين المنظومة (السياسية) وبين من هو ضد المنظومة (عبير موسى) ومن هو خارج المنظومة، مثل نبيل القروي، وهو الآن الأول في مؤشرات أولية لسبر الآراء”.
واعتبر أن “التحدي مطروح على المنظومة السياسية القائمة، خلال الأربعة أو خمسة أشهر التي تفصلنا عن الانتخابات”.
وأردف: “على المنظومة أن تقنع الناس بأن السياسة لابد أن تّمتهن بمنظومة تعرف تحديات الدولة ومشاكلها الحقيقية، كالأمن والأمن والدبلوماسية والمنوال الاقتصادي والإصلاح، وهذا تعرفه المنظومة أكثر من الذين هم خارجها، لكن الناس لم تعد تريد المنظومة”.
رفض التوافق مع القديم
لكن المحلل السياسي، الحبيب بوعجيلة، رأى أن القوى المناهضة للمنظومة هي قوى مناهضة للتوافق ومنظومة 2014، وليست مناهضة للدولة.
وأوضح بوعجيلة أن “منظومة 2014 هي التوافق بين جزء من الجديد، متمثلا في الإسلاميين (حركة النهضة)، وجزء من القديم، متمثلا في (حركة) نداء تونس، والباجي قايد السبسي (محسوب على نظام بن علي)”.
وتابع أن “القوى المضادة للتوافق مع القديم متشكلة من الثوريين، مثل المرزوقي وحزب الحراك (اجتماعي ديمقراطي– 4 نواب من 2017) وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية (وسط يسار) وحزب التيار الديمقراطي (وسط يسار 3 نواب)، وهم يرفضون التوافق مع القديم، لكن تحت مظلة الدستور”.
فشل اقتصادي واجتماعي
ورأى بوعجيلة أن “الجديد الآن هو أن فشل المنظومة على مستوى الأداء الاقتصادي والاجتماعي جعل جزء من الرأي العام مضاد للمنظومة الحاكمة، وليس للنظام السياسي أو الدولة”.
وتابع أنه من هذا الواقع “دخلت الرموز المضادة لمنظومة الثورة لتعطيها تعبيرا سياسيا، فجاءت عبير موسى”.
وأوضح أن “عبير موسى استثمرت هذا الوضع، واستثمرت في جزء من القديم (نظام زين العابدين) لم يجد نفسه في التوافق الجديد، الذي لم يعبّر عن مصالحهم، ومنهم جزء من المخبرين والجلادين والمهددين بالعدالة الانتقالية”.
واستطرد: “كما استثمرت في ذلك الوضع قوى دولية، منها الإمارات والخليج عامة، فهم لا يريدون الاستقرار، ويريدون نشأة خطاب جديد مضاد ليس للمنظومة الحاكمة، بل للمسار الثوري برمته”.
واعتبر أن “المقارنة بين قيس سعيد وعبير موسى لا تستقيم، فسعيد ليس مضادا للمنظومة، وإنما هو التعبير الشعبي الثوري للناس، الذين لا يعني رفضهم للمنظومة أنهم يرفضون الثورة، وإنما هو انتصار للثورة، ويعتبر أن منظومة التوافق هي دون الثورة”.
ورأى أن “نبيل القروي يستثمر في الجانب الشعبوي والمسألة الاجتماعية وله وسيلة إعلام (قناة نسمة) تساعد في انتشاره”.
وقلّل بوعجيلة من احتمال صعود أسماء فردية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، معتبرا أن “الظواهر الثلاثة (سعيد وموسى والقروي) هي ظواهر عابرة، ولن تجد تونس نفسها في الانتخابات المقبلة أمام تلك الخيارات الثلاثة”.
ورجح أن “منظومة الانتقال الديمقراطي هي التي ستكون أكثر جاهزية وستتنافس مع منظومة الثورة والقطيعة (مع القديم) في الاستحقاقات الانتخابية”.
دعم خارجي
قال بوعجيلة إن “عبير موسى تتلقى دعما من جهة مضادة للثورة، وخاصة الخليج، لكن من الصعب أن يحولوها إلى طرف فاعل”.
وتابع أن جمعية “عيش تونسي” تعمل على تكرار الصورة الشعبوية الماكرونية، التي تكون من خارج المنظومة وغامضة ولا تعرف من ورائها، لكنها لن تستمر؛ فالتونسي لن يراهن على أسماء تُصنعُ فجأة.
ورأى أن انتخابات 2019 ستكون حول المشهد الحزبي المعروف، وهو “نداء تونس” (37 نائبا) “النهضة” (68 نائبا)، و”تحيا تونس” (قريب من الشاهد وتدعمه كتلة الائتلاف الوطني 44 نائبا) من جهة، والأحزاب الثورية من جهة أخرى.
وزاد بأن “الظواهر المضادة للمنظومة مثل عبير موسى و(عيش تونسي)، وحتى نبيل القروي، لن يكون حاضرا إذا لم يدعمها طرف من المنظومة”.
الصلاحيات الرئاسية
حول استمرار جاذبية منصب رئاسة الجمهورية، رغم قلّة صلاحياته وفق دستور 2014، قال بوعجيلة: “صحيح أن مركز الحكم في البرلمان، والحكومة في القصبة، لكن الرئاسة تعطي صورة عن توازنات المشهد وعن الانقسامات والتباينات المتعلقة بالخيارات الكبرى الثقافية والخارجية والتنموية والمشروع الوطني”.
وأردف أنه في انتخابات 2014 كان الصراع واضحا بين السبسي والمرزوقي، أي بين القديم والجديد، بين الثورة والثورة المضادة، وبين الهوية والتبعية.
كما قال الزرقوني: “معنويا الاقتراع المباشر للرئيس يعطيه وزنا كبيرا، رغم أن الصلاحيات والسلطة التنفيذية لدى رئيس الحكومة”.
العصفور النادر
صرح رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، الأسبوع الماضي، بأن حركته تبحث عن “العصفور النادر التوافقي”، وهو ما أثار نقاشا وتعليقات عديدة.
وعلق الزرقوني بأن النهضة “حزب منظم ومهيكل وبراغماتي، وسينظر لاستطلاعات الرأي بجدية أكبر”.
وتابع: “النهضة تريد ألا يخلق من هو في الرئاسة توترا لها، فهناك رهانات كثيرة قادمة: ليبيا والجزائر، والعلاقة مع مصر، السعودية، الإمارات، تركيا وقطر”.
وأردف: “النهضة لها مرجعية إسلامية تتجاوز الحدود التونسية، وتهتم بما يحصل خارج تونس، والرئيس من صلاحيته الكبيرة الشؤون الخارجية والدفاع”.
أما بوعجيلة فرأى أن “العصفور النادر”، الذي يقصده الغنوشي، هو “مرشح توافقي تفرزه منظومة الدولة، وله خصائص، منها أن لا يكون مضادا للنهضة ولا استئصاليا ولا معاديا للثورة ولا متورطا كثيرا مع المنظومة القديمة، عكس ما جرى في 2014”.
وأضاف: “ندرة العصفور تكمن في أن المنظومة التي تريد النهضة أن تتواصل معها مشتتة ومتشظية ولم تتفق على اسم معين”، في إشارة إلى الانقسامات داخل “نداء تونس” منذ 2015.
واستبعد “أن ترشح النهضة من عناصرها أو ترشح من الثورة أو تقف بجانب شخص من خارج منظومة التوافق الحالية”.
الأناضول