أنفقت ليبيا ضمن الموازنة العامة للدولة في الفترة ما بين عام 2012 وحتى العام الماضي أكثر من 312 مليار دينار (ما يقارب 223 مليار دولار أميركي)، دون أن يكون لتلك الميزانيات أثر ملموس على الأرض من ناحية مشاريع البنية التحتية أو ارتفاع مستوى المعيشة، حسب تقرير لديوان المحاسبة الليبي.
وقدرت المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس، خسائرها جراء إغلاق الحقول والموانئ النفطية منذ أواخر عام 2013 وحتى مايو/آيار عام 2017، بحوالي 130 مليار دولار، وذلك بعدما أوقف حرس المنشآت النفطية تصدير النفط من الموانئ الواقعة في منطقة الهلال النفطي شرق ليبيا، بدعوى بيع النفط خارج العدادات.
كما أدى إغلاق حقول الشرارة والفيل، جنوب غرب ليبيا، ومصفاة الحريقة النفطية شرق البلاد، بسبب الإضرابات الفئوية والاحتجاجات للمطالبة بمرتبات ومزايا، إلى خسائر مباشرة تقدر بقرابة 27 مليار دينار (ما يزيد على عشرين مليار دولار)، بما في ذلك الخسائر غير المباشرة من إعادة صيانة الحقول والآبار.
وفي تقرير ديوان المحاسبة الليبي، عن العام الماضي، فإن الدولة الليبية مدينة لمصحات ومستشفيات في الخارج منذ عام 2011، بقيمة 1.4 مليار دينار.
انقسام
وقال مدير مكتب محافظ البنك المركزي في طرابلس، عبد اللطيف التونسي، إن ليبيا ليس عليها أي ديون خارجية سواء لمؤسسات مالية دولية، أو دول خارجية، مؤكدا في الوقت ذاته أن بعض الدول خاصة في أفريقيا مدينة لليبيا.
وأضاف التونسي في تصريح للجزيرة نت، أن إجمالي عجز الموازنة المحلي الناجم عن زيادة نفقات الدولة بالنسبة لما تحصل عليه من إيرادات بيع النفط والإيرادات السيادية الأخرى مثل تحصيل الضرائب والجمارك، بلغ 62 مليار دينار ليبي ( 44.3 مليار مليار دولار).
وشرح مدير مكتب المحافظ، أن حكومة الوفاق الوطني سددت خمسة مليارات دينار (3.6 مليارات دولار) كانت تحصلت عليها بوصفها قرضا حسنا العام الماضي لسد عجز الميزانية، مع عقد اتفاق لجدولة الدين المستحق على الحكومة للبنك المركزي، وفقا لخطة الإصلاح الاقتصادية التي جرى إقرارها العام الماضي.
وتابع التونسي، أن الانقسام السياسي والمؤسسي ألقى بظلاله على الاقتصاد الليبي، حيث أنفقت الحكومة الموازية في شرق ليبيا غير المعترف بها دوليا، وخارج الترتيبات المالية المعتمدة طوال السنوات الماضية، 36 مليار دينار ليبي.
وأكد أن حكومة شرق ليبيا الموازية برئاسة عبد الله الثني، تخطط هذا العام لإنفاق 10.2 مليارات دينار (7.3 مليارات دولار ).
وأفاد مدير مكتب المحافظ، أن حكومة شرق ليبيا الموازية طبعت في روسيا 9.6 مليارات دينار (7.3 مليارات دولار)، وهو ما أدى إلى زيادة حجم عرض النقود في الاقتصاد الوطني والتضخم، إضافة إلى نقصان جودة العملة المطبوعة في روسيا بنسبة 40% عن تلك التي يطبعها البنك المركزي بطرابلس في بريطانيا.
إنفاق حفتر
في فبراير/شباط من العام الجاري، أكد محافظ البنك المركزي الموازي في شرق ليبيا، علي الحبري، في مقابلة مع قناة ليبيا الأحرار المحلية، أن مجموع ما صرفه البنك لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الأعوام الماضية؛ بلغ نحو تسعة مليارات دينار (قرابة سبعة مليارات دولار).
وأضاف الحبري، أن قوات حفتر صرفت 43% من ميزانية عام 2016، و27% من ميزانية سنة 2017، و20% من ميزانية العام الماضي.
ولفت إلى أن ثلث ميزانية الإنفاق التي اعتمدها البنك المركزي في السنوات الثلاث الماضية والتي بلغت نحو 29 مليار دينار (21 مليار دولار) جرى تسييلها لمصلحة قوات حفتر.
التزامات العقود
ويؤكد مستشار الشؤون الفنية وإعادة الإعمار بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فرج العماري، أن ليبيا وقّعت عقود تنفيذ مشاريع تنموية قبل عام 2011 بقيمة 126 مليار دينار، وأن المدفوع من قيمة هذه العقود بلغ أربعين مليار دينار.
وشرح العماري للجزيرة نت، أن قيمة 68 مليار دينار المتبقية لا تمثل دَينا على الدولة الليبية، حيث إنها تأتي مقابل أعمال لم يجر تنفيذها بسبب حالة القوة القاهرة أو الظرف الطارئ بسبب ثورة السابع عشر من فبراير/شباط عام 2011.
وقال مستشار الشؤون الفنية بالمجلس الرئاسي إن ملف تعويض الشركات الأجنبية يشوبها عقد قانونية كثيرة، حيث إن هذه الشركات تطالب بتعويضات عن تلف معدات أجهزة ومواد ونقل عمال وفرص ضائعة وخسائر مختلفة، غير أنها في الوقت ذاته لم تلتزم بالمعايير الدولية عند توقيع هذه العقود التي طالها فساد في آلية التعاقد وعدم الالتزام بالقوانين المحلية المنظمة للعمالة المحلية والأجنبية.
حزمة إصلاحات
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول العام الماضي أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، اعتماد برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تضمن فرض رسوم على مبيعات النقد الأجنبي، ومراجعة سياسة دعم محروقات والإجراءات المصاحبة لها، وبيع ألف دولار لكل مواطن ليبي متحصل على رقم وطني بسعر 1.4 دينار.
ونص القرار على تخصيص نسبة من الرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي لإطفاء الدَّين العام (السداد التدريجي لأصل الدين وفوائده) لدى بنك ليبيا المركزي، وصيانة المرافق ودعم الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والمواصلات، وفق قرارات تصدر من المجلس الرئاسي تحدد أوجه التصرف في الرسم المفروض.
الفساد
ويرى الأكاديمي الليبي صقر الجيباني أن بقاء ليبيا ضمن الدول العشر الأكثر فسادا، حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية من 2013 إلى 2017، وما أدى إليه ذلك من تفشي الفساد وتأثيره في العجز المالي، يرجع إلى الانقسام السياسي والمؤسسي واقتصاد الحرب الذي تعيشه البلاد، حيث توفر هذه البيئة الملوثة الضمان لإفلات الفاسدين من المحاسبة.
وعدّد الجيباني في تصريح للجزيرة نت أسباب عجز الموازنة، ومنها تضخم الإنفاق العام بالميزانية العامة، بين عامي 2012 و2015، خاصة في الباب الأول (الأجور والرواتب وما في حكمها) والباب الرابع (الدعم السلعي)، بالرغم من تراجع الإيرادات العامة بشقيها النفطية وغير النفطية في الفترة نفسها، وهذا ما أحدث عجزا كبيرا ومتتاليا بالميزانية العامة.
وأكد الأكاديمي الليبي أنه بالرجوع إلى تقارير ديوان المحاسبة في طرابلس، والموازي له في شرق ليبيا، يتضح الهدر في إنفاق المال العام وصرف عشرات المليارات على قطاعات الصحة والتعليم وحماية البيئة ودعم الوقود، دون أي تحسن في مستوى هذه الخدمات، في إشارة واضحة إلى تفشي الفساد والتهامه للمال العام.
المصدر : الجزيرة