العراق يسعى لعلاقات متوازنة بين إيران والسعودية الانعكاسات الاقتصادية

العراق يسعى لعلاقات متوازنة بين إيران والسعودية الانعكاسات الاقتصادية


الباحثة شذى خليل*

يسعى العراق الى تعزيز علاقات متوازنة والتهدئة الإقليمية مع إيران والسعودية بسبب التوتر الدائم بينهما ، كون سوء العلاقات تؤثر على أمن المنطقة بشكل عام وعلى الاقتصاد العراقي بشكل خاص .
موقف العراق في القمة الخليجية الطارئة التي دعت إليها المملكة العربية السعودية وتستضيفها مكة المكرمة ،اذ قال الرئيس العراقي برهم صالح إن إيران دولة جارة ويجب الحفاظ على أمنها، وأن العراق سيبذل قصارى جهده لفتح باب الحوار البناء ونبذ العنف، والتوجه نحو التهدئة التي تهدف الى استقرار المنطقة التي عانت من ويلات الحروب والدمار.
وهذا ما يفسر حرص العراق على ضمان علاقات متوازنة للعراق مع البلدين الجارين، وما أكدته الحكومة العراقية.

الاقتصاد العراقي المتعثر:
الاقتصاد العراقي يحتاج المزيد من الوقت لإعادة هيكلته ، وللتنمية والنمو ، فلازال العراق بلد النفط والثروات ، يحتاج إلى الطاقة الإيرانية لتشغيل محطاته الكهربائية ، لا سيما خلال فصل الصيف ، كونه يعتمد على استيراد الطاقة من إيران.
فقد تلقى العراق التزام سعودي بالربط الكهربائي بين البلدين لتأمين كافة احتياج العراق من الكهرباء في فترة قياسية هي سته أشهر والعمل على تأمين مولدات ايضا .
مع سير العقوبات الأمريكية على إيران ، أخذ العراق يبحث عن بدائل استثمارية واقتصادية ناجحة مستقرة بعيدا عن أزمة العقوبات وآثارها السلبية على الاقتصاد العراقي ، إذ يستورد العراق نحو 28 مليون م3 من الغاز الطبيعي من إيران لتشغيل محطات الكهرباء ، ويشتري بشكل مباشر نحو 1300 ميغاواط من الكهرباء الإيرانية .
كما يتطلّع إلى دور سعودي مميز في دعم اقتصاده المتعثر ، والأهم على صعيد التعاون التجاري هو فتح معبر عرعر التجاري ، إذ يرى مراقبون ان حجم التبادل التجاري سيزداد بشكل كبير.
وحصل العراق على تعهّدات من أكثر من 25 دولة ومنظمة متعددة الأطراف ، بتقديم قروض ومنح ومشاريع استثمارية بقيمة 30 مليار دولار، علماً بأن مساهمات الدول المجاورة للعراق كانت مشجعة بشكل خاص، حيث عرضت المملكة العربية السعودية 1.5 مليار دولار، في إطار عمل لفترة أمدها عشر سنوات لإعادة إعمار البلاد وإنمائها ، يتضمّن مجموعة من الإصلاحات الحكومية، والاستثمارات في القطاع الخاص.
العقوبات الامريكية على ايران:
منذ سريان العقوبات الأميركية على إيران، بحزمتها الثانية ، منحت الولايات المتحدة العراق خطة ضمن مدة زمنية محددة لتجد بديلاً عن التعامل بالدولار مع إيران في مجال الطاقة، في حال أراد استمرار الاستفادة من الإعفاء من العقوبات.
إذ أكدت وزارة الخزانة الأميركية أن هذه الخطة ستعرض على الوكالات الأميركية لضمان اتفاق مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الخزانة ومجتمع الاستخبارات وإدارة الطاقة على الهدف نفسه، وهو عدم تسرب الدولارات لإيران عبر العراق.
إلا أن العراق لا يمكنه الوفاء باحتياجاته طويلة الأمد لإعادة الإعمار من خلال المساعدات الإنسانية والمنح النقدية والمساعدات المالية الدولية وحدها، بل يجب عليه إصلاح اقتصاده وتنميته من خلال الاستثمار الخاص ليضع بذلك حجر الأساس لخلق فرص العمل لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتحقيق التنمية الاقتصادية ، ويعود لأخذ دوره الفعال في المنطقة .

الاستثمارات السعودية في العراق:
يعاني العراق منذ 2003 من أزمة حادة في انتاج الطاقة الكهربائية، وتضاعف التقارب السعودي العراقي في مجالات متنوعة استثماريا وتجاريا خلال فترة وجيزة ، وخاصة في ما يتعلق بالطاقة ، أحد أبرز التطورات اللافتة دولياً، ولم يعد ينصب الاهتمام الدولي على محاولات تقليص النفوذ الإيراني ، على الرغم من أهمية الملف، بل يُنظر إلى العلاقات السعودية العراقية المستقرة والاستثمارية بوصفها صمام أمان للسوق النفطي والمنطقة برمتها، ما ينعكس على العراق والسعودية إيجاباً على حد سواء، خاصة أنّ البلدين عضوان بارزان في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
وفي السياق ذاته ، أكدت وزارة الكهرباء العراقية، أن إنتاج الكهرباء سيرتفع إلى مستوى قياسي عند 18 ألف ميجاواط مقابل 15 ألفاً حالياً صيف العام الحالي 2019 ، بعد طرح حلول سعودية لزيادة الإنتاج.
إذ جرت تفاهمات عدة ، منها الربط الكهربائي وتنفيذ استثمارات في مجال الطاقة بين البلدين، ويحتاج العراق إلى أكثر من 23 ألف ميجاواط من الطاقة الكهربائية، لتلبية احتياجات السكان والمؤسسات دون انقطاع، وبحسب الأرقام التي تعلنها الوزارة، فقد بلغ إنتاج البلاد في أغسطس 15700 ألفاً ميجاواط.

ويعاني العراق نقصاً حاداً في إمدادات الطاقة الكهربائية على الرغم من إنفاق الحكومات المتوالية نحو 50 مليار دولار على هذا القطاع منذ عام 2003.
كما اتفق الطرفان على ان تقدم المصانع والشركات السعودية العاملة في مجال الطاقة الكهربائية، على التعاون مع الجانب العراقي لتغطية الطلب من المحلي من المعدات والمنتجات الكهربائية.
أن حجم التبادل التجاري بين العراق والسعودية بلغ خلال العشر سنوات الماضية ستة مليارات دولار، وربما يزيد بسبب تدفق الشركات السعودية على العراق بشكل متسارع. وكان للقطاع الخدمي النصيب الأكبر منها بنسبة 57%، و 38% للقطاع الصناعي، أما الزراعي فنسبته 5%.
وفي سياق الاستثمارات السعودية في العراق، فإن المشاريع الاقتصادية اخذت بالتزايد، ومنها بناء ملعب رياضي في بغداد، وعزمها افتتاح ثلاث قنصليات في العراق خلال الفترة المقبلة.

ويسعى العراق إلى تعزيز التعاون في خمسة قطاعات رئيسة، هي القطاع المصرفي، الطاقة، البنى التحتية، التنمية الاجتماعية والأمن، خاصة بعد أن تفهمت السعودية التطلعات العراقية، وبدأت مشاريعها الاستثمارية في العراق، مدركة تماماً لأوجه النقص اليومية في حياة العراقيين، فاستهدفت الاستثمار في تطوير جميع القطاعات السابقة.
وفي قطاع الزراعة ستنفذ السعودية مشاريع استثمارية ضخمة على مساحة تتجاوز المليون هيكتار من الأراضي الزراعية، في بادية الأنبار والسماوة المحاذية للحدود السعودية لتنمية الزراعة وتربية الماشية على غرار تجربة المراعي السعودية، وبهذا ستوفر فرص عمل للشباب وسد الطلب على المواد الغذائية .

كما ويؤكد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي، الذي يعمل بفكر اقتصادي واع ،على تنمية الاقتصاد والعمل على تطوير العلاقات بما يخدم المصلحة الوطنية للبلد، كونه يحتاج الى المزيد من الجهد  والعمل المشتركة ليصل الى الاستقرار الاقتصادي، اذ تم توقيع اتفاقيات كثيرة في مختلف المجالات بين البلدين .

وبين مسؤولون عراقيون وسعوديون ومتخصصون أن الاستثمارات السعودية في العراق مدفوعة إلى حدّ بعيد بأواصر عدة مشتركة بين البلدين الشقيقين، وأن العراق اليوم ليس عراق 2006، فهناك وعي عالٍ جداً من قبل الحكومة العراقية والشعب بضرورة إيجاد مخرج من الارتباط بإيران الذي تحول إلى حجرة ثقيلة تجره إلى القاع، موضحين أن المملكة لا تستهدف تحقيق أرباح اقتصادية على حساب العراقيين، بل النهوض بالعراق وشعبه وإعادته إلى حضنه العربي على خلاف الاستثمارات الإيرانية التي وصفها خبراء دوليون بأنها واجهة لتمويل الإرهاب، تورط العراق، وتمنعه من الانسجام مع المجتمع الدولي، ووسيلة يستخدمها النظام الإيراني لاستغلال الثروات العراقية وامتصاصها إلى أقصى حد ممكن في ظل العقوبات على إيران.
مؤكدين أن العقوبات الأميركية على إيران، تمنح العراق فرصة للتحرر من الهيمنة الإيرانية على اقتصاده، ومن شأنها أن تؤسس لحقبة واعدة مبنية على الشراكات الاستثمارية ذات المنفعة المتبادلة إقليمياً ودولياً، والنفع الداخلي للعراق، وبما يخدم أهدافه التنموية واستقراره وأمنه وتطوره علمياً واجتماعياً وليس على الصعيد الاستثماري فقط، مغلقاً بذلك حقبة النفع أحادي الجانب في الاستثمارات الإيرانية في العراق والتي لطالما صبت في مصلحة إيران وحدها.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية