أنقرة – يعزل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه عن العالم من أجل التفرّغ لإحياء ذكرى في التاريخ، هذا التاريخ الذي يستمر بالسيطرة على أفكاره وإدارته للأزمات وتأكيد اغترابه عن الواقع.
وفيما كان أغلب قادة العالم الإسلامي يعقدون قمة على مستوى عال في مكة المكرمة لمناقشة الوضع في فلسطين وتحديد الموقف من صفقة القرن، كان أردوغان يأخذ صورة مع تماثيل من الشمع لجنود الإنكشارية في ذكرى فتح القسطنطينية.
وسخر نشطاء ومحللون سياسيون أتراك من إصرار أردوغان على العيش في الماضي واستعادة أحداث مضت عليها قرون فيما يتعمد الغياب عن مناسبة مهمة كان يمكن أن يمثل حضوره فيها فرصة لتصويب علاقات تركيا الخارجية وإنقاذ اقتصادها المتهاوي بسبب أخطاء لا تغتفر للرئيس التركي.
وأعلن أردوغان، أنّه سوف يُصلّي التراويح مع 313 ألف شخص بإسطنبول، السبت، استلهاما من المجاهدين الـ313 الذين شاركوا في غزوة بدر، وبطريقة أندرون (نمط صلاة معروفة في العصر العثماني).
وبدا وكأن أردوغان يريد أن يخطف الأضواء لوحده ويتهرب من لقاء جماعي يضم زعماء وقادة وملوكا لدول محورية في المنطقة لن يكون قادرا فيه على جذب الأنظار.
لكن ما يثير استغراب النشطاء والمحللين أن الرئيس التركي ترك فرصة لا تعوض لتقديم خطاب ناري بشأن فلسطين في قمة مكة، وفضل أن يلقي محاضرة بشأن القضية الفلسطينية في مكان أقل خطفا للأضواء، فقط لأجل أن يكون لوحده مركزا للاهتمام في ذلك المكان.
وقال الرئيس التركي إن “هناك إرهاب دولة يُمارس بتهور في فلسطين أمام أعين العالم بأسره مستهدفا القدس أول قبلة للمسلمين”.
وكان يفترض أن يكون أردوغان من بين من حضروا القمة الإسلامية في مكة المكرمة بنفس مناسبة ليلة القدر، ويسعى لاستثمار رمزية الذكرى والمكان لإطلاق خطاب تجميع ورصّ للصفوف. لكنه لا يقدر على ذلك بسبب سياساته التي أربكت علاقاته بالسعودية وبأغلب دول الخليج وبدول عربية وإسلامية أخرى.
ولا ينظر الرئيس التركي المثير للجدل إلى مؤسسات العمل الإسلامي المشترك إلا عندما تكون في صالحه أو تحت إشرافه كما في القمة الماضية في إسطنبول، حيث عمد إلى تحويل المناسبة إلى منبر للمزايدة وإطلاق الشعارات.
ويعزى غيابه عن قمة مكة إلى الدور السلبي الذي تركته تلك الشعارات على العلاقات الخارجية لتركيا، حيث توترت بسببها العلاقة مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بانحيازه لقطر وإيران.
ولا يقف التوتر في العلاقات الخارجية التركية مع دول الخليج ومصر، فهناك علاقات متوترة، وإن بدرجات مختلفة، مع أوروبا والولايات المتحدة وروسيا.
وفيما بدأت روسيا تفقد صبرها من سياسة تركيا في اللعب على الحبال في الملف السوري، ومهادنة الميليشيات المصنفة إرهابية بدل مواجهتها وتفكيكها، فإن علاقة أنقرة بواشنطن تسير من سيء إلى أسوأ، خاصة أن تأثيرها قوي على الوضع الاقتصادي المهزوز أصلا.
وتهدد المكابرة التي يبديها أردوغان تجاه شراء منظومة صواريخ دفاعية روسية بتعميق الخلاف مع واشنطن، وسط حديث عن معارضة قيادات عسكرية تركية لصفقة قد تهز الثقة في أنقرة كعضو في الناتو وشريك استراتيجي لأوروبا والولايات المتحدة.
وقال مسؤولان تركيان إن هناك تزايدا في المخاوف في أنقرة من خطر فرض عقوبات أميركية واتساع الهوة بين البلاد وحلفائها الغربيين بسبب شراء نظام أس-400 الصاروخي الدفاعي الروسي.
وقال أحد المسؤولين إن القلق من تأثير إجراءات عقابية أميركية محتملة على الجيش التركي قد تمنعه من شراء مقاتلات أميركية جديدة من طراز أف-35 وأنظمة صواريخ باتريوت.
وأضاف لرويترز “بعض المسؤولين الكبار يعارضون إتمام التسليم على الأقل خلال شهر يونيو. أبلغ مسؤول بارز أردوغان بذلك أيضا”.
وتابع قائلا “المسؤولون الذين يعارضون التسليم الفوري لأنظمة أس-400 قلقون من تعرض العلاقات مع حلف شمال الأطلسي للضرر ومن العقوبات الأميركية ومن (احتمال) أن تصبح صواريخ باتريوت غير متاحة بالكامل”.
ويمكن للخلافات بين روسيا وتركيا بشأن الحرب في سوريا أن تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين لدى سعيهما لإتمام تسليم نظام أس-400.
وانهار اتفاق بين روسيا وتركيا وإيران لوقف إطلاق النار في محافظة إدلب شمال غرب سوريا مع هجوم القوات السورية المدعومة من روسيا لمقاتلين متشددين ومقاتلين من المعارضة تدعمهم تركيا في معارك أجبرت الآلاف من المدنيين على الفرار إلى الحدود التركية.
العرب