“النأي بالنفس” يهدد بنسف مسار التقارب بين العراق والسعودية

“النأي بالنفس” يهدد بنسف مسار التقارب بين العراق والسعودية

القيادة السياسية العراقية تواجه صعوبة في التوفيق بين رغبتها في ترميم علاقات العراق بمحيطه العربي والاستفادة من الفرص التي يتيحها التقارب مع السعودية على وجه التحديد، وبين التزام سياسة الحياد والنأي بالنفس عن الصراع المتصاعد بين إيران وواشنطن وعدد من عواصم الإقليم، وذلك بسبب عدم قبول أي طرف بأنصاف المواقف واعتباره أن من ليس معه فهو ضدّه.

بغداد – أثار تمسّك العراق في تعاطيه مع ملف الأزمة القائمة بين إيران والولايات المتحدة وعدد من الدول العربية، بخيار “النأي بالنفس” الأسئلة حول تأثير هذا الخيار على مسار التقارب بين العراق ودول محيطه العربي، وخصوصا مع السعودية، حيث قطعت بغداد والرياض خلال الأشهر الماضية خطوات هامة نحو ترجمة التطور الملحوظ في العلاقة بينهما إلى مشاريع تعاون اقتصادي يحتاج إليها العراق بشدّة في مرحلة إعادة الإعمار بعد مرحلة حرب داعش المرهقة.

وتحفظ العراق الممثل في قمة مكة العربية الطارئة برئيس الجهورية برهم صالح، على البيان الختامي للقمّة كونه تضمّن إدانة لإيران وحمّلها مسؤولية التوترات والتصعيد الجاري بالمنطقة، في موقف صنفته بغداد ضمن خيار النأي بالنفس والابتعاد عن سياسة المحاور، بينما بدا من الصعب النظر عربيا وأميركيا إلى مثل هذا الموقف خارج إطار العلاقة القوية بين بغداد وطهران والتي تجعل للأخيرة سطوة على المواقف والقرارات العراقية.

وقال عضو وفد دبلوماسي عربي مشارك في قمم مكة الأخيرة “إنّ الموقف من إيران لم يكن بالنسبة للسعودية يحتمل الوقوف بالمنتصف، وإنّ محاولة العراق مسك العصا من وسطها عبر تأكيد الالتزام بأمن الدول العربية وإدانة الهجمات التي تعرّضت لها السفن قرب المياه الإماراتية ومحطة ضخ النفط في السعودية، من جهة، والاعتراض على إدانة إيران في بيان القمة العربية من جهة مقابلة، لم تقنع الرياض”.

وإجابة عن سؤال بشأن إمكانية تأثير الموقف العراقي من الأزمة الإيرانية على مسار التقارب العراقي السعودي بعد قطعه أشواطا عملية مهمّة، توقّع الدبلوماسي الذي طلب عدم ذكر اسمه أن تشهد العلاقات بين العراق والسعودية خلال الفترة القادمة “حالة من البرود، وفي أقل الأحوال تباطؤا في وتيرة تحسين العلاقات قياسا بالقفزات السريعة التي تمّ تسجيلها خلال الفترة السابقة”.

وعبّر ذات المتحدّث عن أمانيه “بأن يكون التأثير العملي للموقف العراقي من الأزمة محدودا وأن لا يتمّ إلغاء مشاريع تعاون حيوية خصوصا للعراق الباحث عن تمويلات واستثمارات لإعادة تنشيط اقتصاده المرهق، وليتمكّن من مواجهة الأعباء الاجتماعية والأمنية الثقيلة”.

ومن شأن انتكاس مسار التقارب السعودي العراقي، أن يسجّل باعتباره انتصارا مرحليا لعدّة قوى سياسية عراقية معروفة بموالاتها لإيران ولا تخفي مواقفها السلبية من تحسين العلاقات العراقية مع السعودية حتى أنّها هاجمت مشاريع تعهدّت الرياض بإنجازها واعتبرتها ذات “غايات مشبوهة” وصنّفتها ضمن ما تسميه محاولات “التمدد السعودي” في العراق.

وقال الكاتب العراقي فاروق يوسف تعليقا على المشاركة العراقية في قمّتي مكّة العربية والإسلامية “إن الموقف العراقي في القمة قد فضح بما لا يقبل اللبس الصورة التي انتهى إليها العراق، بلدا تحكمه ميليشيات، نجحت إيران في أن تضع عددا من الشخصيات المدنية في واجهته من غير أن تملأ تلك الشخصيات المناصب التي تحتلها”.

وصبّ يوسف نقده على الرئيس برهم صالح قائلا “العراق الذي حضر القمّة هو عراق الميليشيات الإيرانية. لذلك لم يملك برهم صالح وهو كردي انفصالي سوى أن ينفصل عن الاجماع العربي ويضع العراق في مكان مهين، لا يتمناه له أحد”.

برهم صالح أمام مفارقة التوفيق بين شعار النأي بالنفس وفكرة إعادة التوازن إلى علاقات العراق مع دول الجوار التي هو أكبر عرابيها

والرئيس العراقي برهم صالح هو عرّاب إعادة التوازن إلى علاقات العراق مع مختلف دول الجوار بما في ذلك مع السعودية وتركيا، وهو نفسه أكبر مدافع عن شعار النأي بالنفس، بما في ذلك من صعوبة في التوفيق بين الأمرين.

وخلال زيارته في أبريل الماضي إلى السعودية، اصطحب رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي أحد عشر وزيرا من أعضاء كابينته، ونحو ستين مسؤولا رفيعا في مختلف المجالات، فضلا عن وفد كبير جدا من رجال الأعمال، قارب عدد أعضائه الثمانين.

وتوجت الزيارة، سلسلة من الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، جرى خلالها وضع خارطة طريق لتوقيع أكثر من عشرين اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم في تسع مجالات، تغطي جانبا واسعا من اهتمامات الجارين.

وترى القيادة السياسية في العراق إمكانية لالتزام الحياد في الأزمة المتصاعدة بين طهران وواشنطن وعدد من العواصم العربية، وتعتبر ذلك الوسيلة المثلى لتجنيب البلد تبعات الصراع.

وبحث الرئيس صالح ، الاثنين، مع رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي الموقف العراقي من التصعيد الجاري في المنطقة.

وقالت الرئاسة العراقية، في بيان صحافي إن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة عقدا اجتماعا خصص لمناقشة تطورات المنطقة والأوضاع الداخلية.

وذكرت أنه “جرت مناقشة الأوضاع الدولية والإقليمية، ودور العراق المستند إلى النأي عن سياسة المحاور، والاستمرار في الالتزام بسياسته الواضحة ومصالحه الوطنية العليا، وقراره الوطني المستقل، وتجنيب البلاد آثار الصراعات والأزمات وبما يحمي الاستقرار المتحقق للعراقيين”.

وأضافت أن صالح وعبدالمهدي “تطرقا إلى نتائج مؤتمري القمة العربية الطارئة وقمة منظمة التعاون الإسلامي الـ14 اللذين عقدا في مكة المكرمة مؤخرا”.

وفي إطار جهود تسويق الموقف العراقي دوليا، عقد الرئيس صالح بعد عودته من قمّتي مكّة العربية والإسلامية، سلسلة اجتماعات منفصلة مع القائم بأعمال السفارة الأميركية وسفراء كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيران.

وتحاول بغداد تبرير “حياديّتها” إزاء الأزمة الإيرانية بطرح نفسها وسيطا بين طهران وواشنطن، لكنّ مراقبين يشككون في قدرة العراق على القيام بمثل تلك الوساطة بالنظر إلى علاقاته الملتبسة بإيران والتي قد تصل حدّ تأثيرها في مواقفه وسياساته عن طريق أتباع لها من قادة أحزاب وميليشيات مشاركين بقوّة في حكم البلد وصنع قراره.

العرب