الولايات المتحدة تبدو وللمرة الأولى غير واثقة من نجاح خطتها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتظهر التسريبات أن واشنطن ستكون منحازة لإسرائيل. ويرى مراقبون أن السؤال اليوم في البيت الأبيض هل هو الأفضل الإعلان عن الخطة ومتابعة تداعياتها أم تأجيلها مجددا وهذه المرة سيكون لأجل غير مسمى.
واشنطن – أبدت الإدارة الأميركية مخاوف من فشل خطتها للسلام في الشرق الأوسط، والتي أجلت الإعلان عنها في أكثر من مناسبة، حيث أن الرفض الفلسطيني والأزمات الداخلية في إسرائيل فضلا عن المناخ الإقليمي والدولي كلها عوامل بدت غير مواتية لهكذا خطوة حساسة لا يمكن التكهن بمآلاتها.
وكشف وزير الخارجية مايك بومبيو للمرة الأولى عن هواجس بشأن فرص نجاح الخطة التي تعرف بصفقة القرن. وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن لديها تسجيلا لبومبيو يعرب فيه عن تشككه في إمكانية تنفيذ الخطة الموعودة.
وكانت الإدارة الأميركية قد أظهرت قبل وقت قريب ثقة كبيرة في إمكانية تحقيق ما عجزت عنه الإدارات السابقة، لكن مع تمسك الفلسطينيين بشروطهم لمناقشتها، وعدم حماسة الدول العربية والإرهاصات التي تمر بها المنطقة تجد واشنطن نفسها اليوم في موقف صعب بين اتخاذ خطوة غير مضمونة النتائج بإعلان صفقتها أو تأجيل المسألة إلى أجل غير مسمى.
وتحدثت الصحيفة عن أن بومبيو قدم في اجتماع مغلق مع زعماء يهود تقييما واقعيا لآفاق خطة السلام التي يشرف عليها صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، حيث صرح “قد يقال إن الخطة لا يمكن تنفيذها” وأنها قد لا “تحظى بالدعم”.
وأوضح بومبيو في التسجيل “ربما يتم رفضها. فقد يقول المرء لا شيء جديدا، ولا فائدة منها لي، هناك شيئان جيدان وتسعة أشياء سيئة، أنا منسحب”.
وأضاف أن “السؤال الكبير هو هل سنستطيع إيجاد مساحة كافية حتى يمكن أن يكون لدينا حوار حقيقي حول كيفية تطوير هذا؟”.
مؤتمر المنامة الذي سيعقد في 25 و26 يونيو مستبعد أن يشهد أي خرق وقد يتحول إلى مجرد لقاء لاستعراض أفكار
ووصفت الصحيفة تصريحات بومبيو بأنها التصريحات الأكثر صراحة التي تخرج عن مسؤول بشأن “صفقة القرن”.
وأقر بومبيو بالفكرة الشائعة بأن الاتفاق سيكون محابيا للحكومة الإسرائيلية. وقال “أتفهم سبب اعتقاد الناس بأن هذا سيكون اتفاقا لا يمكن أن يحبه إلا الإسرائيليون..أتفهم هذا التصور. وآمل أن يتيح الجميع المجال للاستماع″.
ونقلت الصحيفة عن اثنين من الحضور أنه تولد لديهما انطباع بأن بومبيو ليس متفائلا بشأن إمكانية نجاح الخطة. ونقلت الصحيفة عن أحدهما القول “لم يكن بأي شكل من الأشكال واثقا من أن العملية ستقود إلى نهاية ناجحة”.
وفي وقت لاحق رد الرئيس ترامب على شكوك وزير خارجية بلاده بالقول إنها مفهومة بالنسبة له وقال ترامب في إحاطة إعلامية “أنا أتفهم عندما يقول مايك ذلك، لأن العديد من الأشخاص يعتقدون أن هذا مستحيل، لكني أعتقد أن ذلك ممكن”.
ورجح مراقبون أن تؤجل الإدارة الأميركية مجددا الإعلان عن خطتها، خاصة بعد فشل جولة عرابها كوشنر في المنطقة والتي شملت كلا من الأردن والمغرب، فضلا عن الأزمة الداخلية التي تعصف بإسرائيل جراء فشل رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة ائتلافية واضطرار حزبه الليكود إلى الذهاب في خيار حل الكنيست تمهيدا لإجراء انتخابات تشريعية جديدة في سبتمبر المقبل.
ويعتقد المراقبون أنه حتى مؤتمر المنامة الذي سيعقد في 25 و26 يونيو والذي يرجح أن تعرض خلاله واشنطن الشق الاقتصادي من صفقتها، لن يشهد أي خرق في ظل تمسك الفلسطينيين برفض المشاركة فيه، وأنه قد يتحول إلى مجرد لقاء لاستعراض أفكار.
وكان كوشنر قد أعلن قبل فترة بأنه سيتم الكشف عن خطة السلام كما يحلو للكثيرين تسميتها بعد شهر رمضان وهو ما ربطه المحللون بانتهاء نتنياهو من تشكيل حكومته التي لم تر النور.
وفي تصريحات جديدة مثيرة للجدل شكك كوشنر في قدرة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم بأنفسهم، مبديا لا مبالاة حيال موقف الفلسطينيين منه.
وقال صهر ترامب لموقع “أكسيوس″ الإخباري في مقابلة نشرت مقتطفات منها في وقت متأخر الأحد إنه غير مهتم بشأن عدم ثقة الفلسطينيين به لأنهم سيبنون قراراتهم على مسألة إن كانت الخطة ستحسن حياتهم. ولدى سؤاله بشأن إن كان يعتقد أنه بإمكان الفلسطينيين إدارة شؤونهم دون تدخل إسرائيل، رد بالقول “نأمل في أن يصبحوا مع الوقت قادرين على الحكم”.
وأكد كوشنر أن الفلسطينيين “يحتاجون إلى نظام قضائي عادل.. حرية إعلام وحرية تعبير وتسامح مع جميع الأديان، قبل أن تصبح الأراضي الفلسطينية قابلة للاستثمار فيها”.
وفيما بدا تناقضا في تصريحاته ذكر المسؤول الأميركي أن على الفلسطينيين أن يتمتعوا بحق “تقرير مصيرهم بأنفسهم”.
وفي مقابلة “أكسيوس”، قال كوشنر ردا على سؤال بشأن إن كان من الممكن للفلسطينيين أن يتوقعوا التحرر من أي تدخل حكومي أو عسكري إسرائيلي “أعتقد أن في ذلك رفعا لسقف التوقعات”.
وأضاف “إذا لم تكن هناك البنية المناسبة لقيام حكومة وأمن مناسبين، وعندما يعيش الناس في خوف ورعب، فإن ذلك يؤذي الفلسطينيين”.
ورفضت القيادة الفلسطينية مسبقا خطة السلام المرتقبة، مشيرة إلى أن تصرفات ترامب تعكس انحيازه بشكل صارخ لصالح إسرائيل. وتشمل هذه التصرفات إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ومنع مساعدات بقيمة مئات الملايين من الدولارات عن الفلسطينيين وإغلاق سفارة الفلسطينيين بحكم الأمر الواقع في واشنطن. وقال كوشنر للموقع نفسه “لست هنا لأحظى بالثقة”، مضيفا أنه يفرّق بين الفلسطينيين وقادتهم. وأوضح أنه يعتقد أن الشعب الفلسطيني سيراجع “الوقائع ومن ثم يحدد: هل يعتقدون أن ذلك سيضعهم على مسار الحصول على حياة أفضل أم لا؟”.
وسُجّلت المقابلة قبيل زيارة كوشنر إلى القدس الأسبوع الماضي، في ذات الجولة التي شملت المغرب والأردن. وتعد خطة السلام في الشرق الأوسط أحد أبرز أهداف الرئيس دونالد ترامب خلال فترة رئاسته.
العرب