يشكل إطلاق عملة وطنية، تقليدية أو إلكترونية، هاجسا يشغل الأوساط السياسية الفلسطينية، لكن هذا الحلم محفوف بكثير من المخاطر على المستويات السياسية والاقتصادية، في وقت يشكك فيه البعض بجدية التوجه الفلسطيني في هذا السياق.
وكرر رئيس الوزراء محمد اشتيه قبل وبعد توليه منصبه الشهر الماضي حديثه حول الانفكاك عن الشيكل (العملة الإسرائيلية) المتداول في الأراضي المحتلة، ودراسة إمكانية إصدار عملة رقمية.
سلطة النقد التي هي بمثابة البنك المركزي تبدو موضوعية إزاء إصدار عملة وطنية، فهي تؤكد أنها من المواضيع الشائكة التي تستدعي “دراسة مستفيضة ومعمقة” وفق ما صرح به المحافظ عزام الشوا للجزيرة نت.
الأمر -وفق الشوا- يتطلب “نضوج وتهيئة عدة اعتبارات سياسية واقتصادية” لضمان نجاح إصدار العملة وبما يحقق المحافظة على قيمتها وقوتها واستقرارها.
عملات متداولة
تعتمد فلسطين نظاما نقديا متعدد العملات: الدولار الأميركي، الدينار الأردني، الشيكل، وبدرجة أقل اليورو، في عمليات التبادل وتسوية كافة المدفوعات الرسمية وغير الرسمية.
وطالبت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في فبراير/شباط 2018 الحكومة بإعداد الخطط والمشاريع لخطوات فك الارتباط مع سلطات الاحتلال على المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية.
وفي الشهر ذاته أصدر مجلس الوزراء قرارا يقضي بتشكيل لجنة خاصة لدراسة الانتقال من الشيكل إلى أي عملة أخرى، بما في ذلك العملة الرقمية.
ويكشف الشوا أن توصيات العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل طالبت بتأجيل البت في موضوع إصدار العملة، حتى تتم تهيئة العديد من الاعتبارات السياسية والاقتصادية، مبينا أن الموضوع يخضع لمزيد من التحضير والبحث والدراسة.
أما لوجستيا فيؤكد محافظ سلطة النقد تهيئة معظم المتطلبات اللوجستية والفنية الداخلية، واستمرار العمل على استكمال ما يلزم لحين توفر الظروف المناسبة لإصدار العملة.
مع ذلك يدعو الشوا إلى “توخي الحرص عند نقاش موضوع إصدار العملة الوطنية، حتى لا تطغى الاعتبارات السياسية على الاقتصادية، وتؤدي إلى اختيار توقيت غير مناسب للإصدار، خاصة وأن الحفاظ على قيمة العملة أهم من إصدارها”.
عملة رقمية
رغم أن احتمال إصدار عملة وطنية تقليدية صعب التحقق على الأقل في المرحلة الحالية، يؤكد الشوا “وجود مساع جادة لإيجاد عملة رقمية خاصة خلال السنوات القادمة”. ويقول إن إصدار العملة الوطنية، إضافة إلى كونه رمزا للسيادة والاستقلال، يحقق مزايا اقتصادية.
ويلفت الشوا إلى أن نجاح إصدار العملة الرقمية تحديدا يتطلب الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من القضايا تتعلق بتأثير استخدامها وقوتها ونطاق استخدامها وبنيتها التحتية.
ووفق سلطة النقد ترتب على الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها منظمة التحرير مع كل من الأردن وإسرائيل العديد من الالتزامات في ذلك الشأن النقدي، لما تضمنته من بنود ونصوص صريحة حول موضوع العملة الفلسطينية من جهة، ولإضفائها الغطاء القانوني للنظام النقدي المستخدم حالياً في المناطق الفلسطينية من جهة ثانية.
وقد تمت معالجة “المسائل النقدية والمالية” في المادة الرابعة من الملحق رقم (5) الخاص ببروتوكول باريس الاقتصادي الذي لم يحظر على الجانب الفلسطيني تغيير الوضع النقدي القائم حاليا، وإنما يتوجب مناقشة هذه التغييرات المقترحة من خلال اللجنة الاقتصادية المشتركة.
خطوات مسبقة
رغم المساعي المحفوفة بالمحاذير لسلطة النقد نحو إيجاد عملة رقمية، يعتقد مراقبون أن الخطوة بعيدة لعدة اعتبارات واقعية.
ويقول الخبير المالي والمحاضر بجامعة بيرزيت نصر عبد الكريم إن الانفكاك عن الاحتلال والذي ينادي به مسؤولون فلسطينيون لا يتم من خلال العملة، وإنما يجب أن تسبقه خطوات أكثر أهمية.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن الانفكاك من خلال العملة يكون آخر خطوة، إذ يسبق الانفكاك السياسي ثم الاقتصادي “وهذا صعب جدا في ظل استمرار العلاقات والتداخل الاقتصادي مع الاحتلال”.
واعتبر أن وجود عملة سواء رقمية أو تقليدية أمر لا يقدم ولا يؤخر في الواقع المعيش، إذ أن الذي يحدد قوة وحضور أي عملة في أي اقتصاد هو حجم العلاقات الاقتصادية مع البلد صاحب العملة.
وشدد على أن أي عملة تحتاج إلى استقرار اقتصادي قادر يدعمها ويحميها ويعزز الثقة فيها بغض النظر عن شكلها، وهذا غير متوفر في الحالة الفلسطينية. واستبعد إصدار أي عملة وطنية السنوات القادمة.
ويطرح عبد الكريم مجموعة تساؤلات تشكل تحديا أمام إصدار عملة وطنية منها: هل يمكن إقناع الناس بالعملة الجديدة إن وجدت؟ هل يمكن حمايتها أمام المخاطر والتهديدات في ظل صعوبة تواجهها دول ذات سيادة في حماية عملتها؟ أين السيادة على الموارد المعابر؟