اشتعل النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة منذ أيام ترامب الأولى في البيت الأبيض.واتهم ترامب في حملته الانتخابية الصين بممارسات تجارية غير منصفة وبسرقة الملكية الفكرية.وهدد بفرض رسوم على الصادرات الصينية، قائلا إن دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية فتح الطريق “لأكبر سرقة وظائف في التاريخ”.ويريد ترامب أيضا التقليل من العجز في الميزان التجاري مع الصين، لأنه على حد تعبيره يضر بالتصنيع الأمريكي.
وكان السبب المعلن وراء هذا التحول الأمريكي المفاجئ هو ما ذكره الرئيس ومسئولون آخرون من أن الصين تتراجع عن التزامات كانت قد التزمت بها سابقا أثناء المفاوضات، وهو ما يؤدي إلى إعاقة التوصل لاتفاق وإطالة فترة التفاوض دون مبرر حقيقي سوى المراوغة الصينية. هذا ما دفع واشنطن باستخدام الكرت الأخير ورفع الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية، وهي الرسوم التي كان من المفترض تطبيقها بداية هذا العام، لولا تجميد الولايات المتحدة قرارها مع الاتفاق بين الرئيسين الصيني والأمريكي في بداية ديسمبر/كانون أول الماضي على بدء التفاوض لحل نزاعاتهما التجارية.
وكان من المنتظر وفقا لمصادر أمريكية التوصل لاتفاق مع نهاية الشهر الماضي، وإذا بالأوضاع تنقلب رأسا على عقب مع فرض الرئيس الأمريكي رسوما جمركية أعلى تبدأ في العاشر من مايو/أيار الجاري، وهو ما تسبب في ارتباك شديد في الأوضاع الاقتصادية في أربعة أرجاء المعمورة، وقد تمثلت هذه الارتباكات أو حالة عدم الاستقرار في المظاهر الآتية:
أولا: الانخفاض الكبير في مؤشرات أسواق المال العالمية في أوروبا وأمريكا والصين واليابان وغيرها من البلدان، فتصاعد الحرب التجارية عزز من موجة التشاؤم التي ترى أن معدل نمو الاقتصاد العالمي سيشهد هبوطا ملحوظا هذا العام؛ إذ كان صندوق النقد الدولي أصدر في شهر أبريل/نيسان توقعاته للنمو العالمي ليخفضها إلى 3.3%، بعد أن توقع في وقت سابق معدل نمو 3.5%، وبالطبع فعودة الخلافات التجارية وتصاعد التهديدات المتبادلة تعمل على خفض مستوى التجارة وتعمل على عدم استقرار سلاسل الإمداد لإنتاج السلع والتي تسهم فيها الكثير من البلدان حول العالم، سواء كان من البلدان المتقدمة أم النامية، وانخفاض مستوى النمو يعني بالطبع انخفاض مستوى إنتاج الشركات ومن ثم مستوى إيراداتها وأرباحها، مما يؤدي إلى ضعف الإقبال على أسهم الشركات وانخفاض مؤشرات أسواق المال العالمية.
ثانيا: مع التشاؤم بشأن النمو الاقتصادي العالمي تتزايد بالطبع احتمالات انخفاض الطلب على بعض السلع الأساسية وعلى رأسها النفط، وهو ما تسبب في انخفاض فوري في أسعار برميل النفط من نوع برنت بمستوى فاق 2% يوم الثلاثاء الماضي، هذا إلى جانب ما ذكرته إدارة معلومات الطاقة الأمريكية من توقعها زيادة الإنتاج الأمريكي خلال العام الجاري إلى نحو 12.4 مليون برميل يوميا في المتوسط، وهو ما يزيد عن توقعات سابقة لها، ويسهم في زيادة العرض، وما عزز من الميل نحو انخفاض الأسعار ما ذكرته أيضا إدارة معلومات الطاقة الأمريكية من توقعها انخفاض معدل نمو الطلب العالمي على النفط في العام الجاري إلى نحو 1.38 مليون برميل يوميا، بعد أن كانت معدلات الأعوام القليلة الماضية تتجاوز 1.6 مليون برميل يوميا، ناهيك أن هذه التقديرات تزيد على تقديرات أخرى مثل تقديرات منظمة الأوبك التي تضع معدل نمو الطلب العالمي هذا العام عند نحو 1.2 مليون برميل يوميا.
ورغم عودة أسعار النفط للارتفاع نسبيا في اليوم التالي فقد حدث ذلك نتيجة الخشية من حدوث نقص في العرض مع تشديد العقوبات الأمريكية ضد إيران وفنزويلا، إلى جانب انخفاض المخزون التجاري الأمريكي من النفط الخام بشكل مفاجئ بنحو 4 ملايين برميل في الأسبوع المنتهي يوم 2 مايو/أيار، مع ذلك تظل التهديدات الناجمة عن تصعيد حرب التجارة سيفا مسلطا على رقبة أسعار النفط، أو في الحد الأدنى تشكل عاملا معادلا للخوف من نقص المعروض الذي يخيم على الأسواق.
ثالثا: كان من الملحوظ أيضا الارتفاع في أسعار الذهب وأسعار صرف الين الياباني، مع زيادة الإقبال عليهما باعتبارهما من الأصول الآمنة أو الملاذات الآمنة في أوقات الارتباك وعدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي.
وقد تصاعدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في الأيام الماضية، مع إعلان البلدين كليهما عن فرض رسوم جمركية جديدة على بضائع الآخر. وقال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مرارا إن الصين سوف تدفع تلك الضرائب، حتى بعد أن أقر مستشاره الاقتصادي، لاري كودلو، الأحد، بأن الشركات الأمريكية هي التي ستدفع الرسوم الجمركية على أي بضائع تستورد من الصين.فهل أخطأ ترامب حينما قال إن الحرب التجارية في صالح الولايات المتحدة، وإنها ستجلب مليارات الدولارات للخزينة الأمريكية؟ وقد حض عدد من أكبر شركات صناعة الأحذية في العالم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على إنهاء الحرب التجارية مع الصين، وحذرت الشركات من تأثيراتها الكارثية على المستهلك. ووقعت 173 شركة من بينها نايكي وأديداس رسالة تقول إن قرار ترامب رفع الضرائب والتعريفات الجمركية على واردات بلاده من الصين سيؤثر على الطبقة العاملة. وحذرت من أن هذه الرسوم الجديدة تهدد أيضا مستقبل عدد من الشركات.
وتهيمن الأزمة التجارية بين واشنطن وبكين على قمة العشرين حيث أعربت الدول الاقتصادية الكبرى بمجموعة العشرين عن قلقها من أن الاقتصاد العالمي ما زال يواجه مخاطر سلبية، وسط نزاع تجاري مستمر بين الصين والولايات المتحدة، فيما بدأت الدول اجتماعاً يستمر يومين في جنوب غربي اليابان.وقال وزير المالية الياباني، تارو آسو، للصحافيين بعد اليوم الأول من الاجتماع في مدينة فوكوكا، إنهم اتفقوا على أن «الاقتصاد العالمي سيتعزز في النصف الأخير من هذا العام».وأضاف آسو، الذي رأس الاجتماع: «ثقة السوق ستتضرر إذا لم تتم تسوية النزاع التجاري بين الصين وأميركا».
وأشار محافظو البنوك المركزية وغيرهم من المنظمين الماليين الذين اجتمعوا في المدينة الساحلية الواقعة جنوب اليابان إلى مخاطر تصادم بكين وواشنطن حول التجارة والتكنولوجيا على مستوى الاقتصاد العالمي.وأعلن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين أن واشنطن لا تمانع المفاوضات مع الصين لكنه حذّر من أنّ بلاده ستواصل الضغط عليها عبر الرسوم الجمركية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.وقلل من مخاوف الزعماء الماليين الآخرين الذين حضروا الاجتماعات بشأن خطوات الرئيس دونالد ترامب تجاه شركات صينية كبرى وعلى رأسها عملاق الصناعات التكنولوجية هواوي.وأعلن ترامب، الخميس، أنه سيقرر ما إذا كان سينفذ تهديده بفرض رسوم جمركية مشدّدة على كامل الواردات القادمة من الصين البالغة 325 مليار دولار بعد قمة مجموعة العشرين.ويزعم الرئيس الأميركي وأعضاء إدارته أن الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على الصادرات الصينية خلال العام الماضي تخلق فرصا تجارية جديدة لشركات في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى.
وغرّد هو شي جين، رئيس تحرير الصحيفة الداعمة للحزب الشيوعي الصيني على تويتر، قائلا إن الصين “تبني آلية إدارة لحماية تكنولوجياتها الأساسية”. وأضاف “هذه خطوة رئيسية لتحسين نظامها كما أنها خطوة لمواجهة الحملة الأميركية. وما أن تطبّق فسوف تكون بعض صادرات التكنولوجيا إلى الولايات المتحدة خاضعة للتحكم”.
وقالت كريستين لاغارد، المدير العام لصندوق النقد الدولي الأربعاء في بيان، “هناك مخاوف متزايدة من تأثير التوترات التجارية المتصاعدة”. وتابعت “الخطر هو أن الرسوم الجمركية الأميركية والصينية التي فرضت مؤخرا يمكن أن تؤدي إلى تراجع الاستثمار والإنتاجية والنمو”.وحذرت مديرة صندوق النقد الدولي من أن الرسوم الجمركية، ومن بينها تلك التي فرضت في وقت سابق ستخفض نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.5 بالمئة في عام 2020 أو بنحو 455 مليار دولار أي “بنسبة أكبر من اقتصاد جنوب أفريقيا”.
وأضافت “هذه جروح بمثابة إيذاء ذاتي متعمّد ويجب تجنبها. كيف؟ من خلال إلغاء الحواجز الجمركية التي فرضت مؤخرا وتجنب وضع حواجز جديدة بأي شكل كانت”.ومن المنتظر أن تتعهد اقتصاديات مجموعة العشرين الكبرى بتعزيز جهودها لجمع الضرائب بشكل أكثر فعالية من شركات التكنولوجيا الكبرى مثل فيسبوك وغوغل، حسبما أفادت كيودو، نقلا عن مسودة بيان مشترك لاجتماعاتها المقررة بمدينة فوكوكا.
ويرى المتابعون للإقتصاد الدولي أنه في حال استمرار الخلاف التجاري بين واشنطن وبكين مرحلة الخطر في الصراع بين البلدين، وأن الحرب التجارية قد تصل إلى أزمة اقتصادية كبرى تهدد العالم، كما أن تبعات الأمر ستكون كارثية، نظرا للترابط الكبير بين الاقتصاد العالمي، في الوقت الراهن. وأشاروا إلى أن من حق البلدين حماية اقتصادهما، إلا أنهما لا بد أن يراعيا الأضرار التي قد تنجم عن هذه الحرب على دول العالم، خاصة الاقتصاديات الصغيرة، وأن يعملا على الوصل إلى توافق يرضي جميع الأطراف.
وقال محمد زكريا، أستاذ الخبير الاقتصادي المصري، إن مباحثات التجارة بين الصين والولايات المتحدة ستحدد ملامح الحرب الاقتصادية المقبلة.وأضاف أن الولايات المتحدة تحاول وقف عمليات الإغراق التي تقوم بها الصين في مختلف أنحاء العالم، وأن عملية رفع الجمارك على الواردات الصينية ستؤثر بشكل كبير على الجانبين، إلا أن الولايات المتحدة ستكون خسارتها أكبر.
وأوضح أن عملة الصين أصبحت حاضرة بقوة في البنوك، ما يجعلها تنافس الولايات المتحدة بقوة في الميزان الاقتصادي، وهو ما تخشاه أمريكا وتحاول تعطيله بأي طريقة لضمان صدارتها في العالم، إلا أن صادرات الصين إلى الولايات المتحدة لا تصنعها واشنطن في الداخل، الأمر الذي سيشكل أزمة داخلية. ويراهن الجميع في أمل على أنه في مثل هذه المواقف ستقود الحكمة أكبر اقتصادين في العالم إلى التفاهم، من أجل خيرهما المشترك وخير بقية العالم.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية