ضمن سياسة تقسيط إعلان بنود ما يسمى «صفقة القرن» قال ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي في إسرائيل، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت السبت الماضي إنه «لدى إسرائيل الحق في الاحتفاظ ببعض الضفة الغربية، لكن ليس كلها على الأرجح»، وهو ما يكرر عملياً وعود بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الانتخابية باعتزامه ضم المستوطنات اليهودية في الضفة، وهي مستوطنات يعتبرها القانون الدولي غير شرعيّة.
رغم الغموض المفتعل الذي تبديه إدارة الرئيس دونالد ترامب و«فريق المستوطنين» (الاسم الذي أطلقه الفلسطينيون على المسؤولين الأمريكيين الذين يديرون الملف الفلسطيني وهم جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات وديفيد فريدمان) حول ما يسمى «صفقة القرن» والتأخير المتكرر في إعلان بنودها، فالحقيقة أن هذه البنود أخذت ترتسم على الأرض والواقع فعليّا.
بدأت هذه الصفقة بتأييد إدارة ترامب لضم القدس إلى إسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، وتبع ذلك قطع الدعم الأمريكي عن وكالة غوث اللاجئين ومحاولة إنهاء ملفّهم، وكذلك قطع المعونات عن السلطة الفلسطينية، والعمل على عزل الفلسطينيين عربيّا من خلال التطبيع مع دول عربية متواطئة، وتدخل «ورشة المنامة» ضمن هذا الإطار، وصولاً إلى التصريحات المتكررة عن عدم وجود دولة فلسطينية مستقلة، وخلاصة كل ذلك إجهاض المشروع السياسي الفلسطيني وتهشيم أركانه الموجودة لمنع ظهور دولة فلسطينية.
الرد الرسمي الفلسطيني تمثّل بإعلان وزارة الخارجية الفلسطينية دراسة تقديم شكوى ضد السفير الأمريكي أمام محكمة الجنايات الدولية باعتبار أن تصريحاته تمثل «خطرا على السلم والأمن في المنطقة»، فيما توالت ردود فعل من منظمة التحرير، والحكومة الفلسطينية، وحركة «فتح»، و«حماس» و«الجهاد» وكلّها تندد بتحيّز السفير لـ«اليمين الفاشي» الإسرائيلي، وبسعيه لتصفية القضية الفلسطينية سياسيا وتحويلها إلى قضية تحسين ظروف معيشية. وفضحت الردود موقف فريدمان وإدارة ترامب الساعي إلى قطع كامل المساعدات الأمريكية عن الشعب الفلسطيني ومؤسساته الخدمية، والحديث في الوقت نفسه عن توفير أموال عربية وغير عربية لدعم مشاريع مشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
حديث الحكومة الفلسطينية عن «دراسة» تقديم فريدمان لمحكمة الجنايات الدولية، والتنديدات الكبيرة بـ«فريق المستوطنين» في الإدارة الأمريكية، لا يتناسب في الحقيقة مع حجم البنود التي نفذت علنا من «صفقة» ترامب وشركاه، ومع الخطر الكبير الذي يتهدد المشروع الفلسطيني برمّته، والأمر الأجدر بالدراسة قضايا مؤثرة فعلاً كإيقاف الاتفاقات والتنسيق الأمني مع إسرائيل، وإنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني لتوحيد الصف الوطني، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، ومنها على سبيل التذكير، «تعليق الاعتراف بإسرائيل»، و«وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال»، و«الدعوة لعقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات لإطلاق عملية السلام»، وليس انتظار وقوع الفأس في الرأس.
القدس العربي