عدن – أصبحت الرسائل الإيرانية أكثر جدية إلى السعودية بعد استهداف الحوثيين مطار أبها جنوبي المملكة بصواريخ كروز، وهو ما يعني وبشكل أكثر وضوحا أن طهران تستمر في التصعيد ولا تبحث عن تهدئة يمكن أن تساعد في حل أزمتها، التي لن تقف عند حدود العقوبات المفروضة على قطاع النفط وقد تتطور إلى صدام مباشر مع واشنطن.
وفيما أعلنت سلطات مطار أبها بأن الحركة في المطار تسير بشكل طبيعي، وصف التحالف العربي لدعم الشرعية العملية الحوثية، فجر الأربعاء، بالعمل الإرهابي.
وقال المتحدث باسم التحالف العربي تركي المالكي إن مقذوفا حوثيا سقط بصالة القدوم في المطار، وتسبب في “إصابة 26 شخصا مدنيا من المسافرين ومن جنسيات مختلفة من بينهم 3 نساء وطفلان، تم نقل 8 حالات منهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، وعلاج 18 حالة إصاباتهم طفيفة بالموقع″.
وتوعد المالكي الحوثيين برد قوي على هذه العملية مؤكدا أن هناك أدلة على أن الحرس الثوري الإيراني مدّ الحوثيين بالسلاح الذي استهدف مطار أبها.
وقال المتحدث باسم التحالف “نقوم بجمع الأدلة لتحديد نوعية المقذوف الذي استهدف مطار أبها”.
وتبنت الميليشيات الحوثية في وقت مبكر من فجر الأربعاء الهجوم عبر قناة “المسيرة” الناطقة باسم الحوثيين التي قالت إن الهجوم تم بصاروخ مجنح من نوع كروز، يعتقد أنه إيراني الصنع.
ووصف مراقبون الهجوم الجديد بأنه يمثل نقلة نوعية في الاستهداف الحوثي لأمن السعودية، وهو رسالة إلى مجلس الأمن وإلى دول غربية دأبت على معارضة الحسم العسكري في اليمن مفادها أن الحوثيين لا يتحركون كطرف يمني يمكن أن يكتفي بنصيبه في حل سياسي جامع لفرقاء الأزمة من بوابة انتخابات أو عبر نظام الأقاليم، وإنما يتحركون كوكلاء لإيران يأتمرون بأوامرها ويتحركون وفق أجندتها.
ويرى مراقبون أن طهران أوكلت للحوثيين مهمة إرباك العقوبات الأميركية المشددة على قطاع النفط الإيراني من خلال هجمات على مصالح سعودية وأخرى على ناقلات النفط على أمل دفع واشنطن إلى مراجعة استراتيجية العقوبات.
لكن المراقبين يعتقدون أن المهاوشة بالوكالة التي يقوم بها الحوثيون لن تنقذ إيران من العقوبات وأنها قد تقود إلى تسريع مسوغات المواجهة مع واشنطن، فضلا عن إعادة النقاش بشكل برنامجها النووي وربطه بالحدّ من قدراتها العسكرية وتفكيك أنشطتها التخريبية في المنطقة.
كما أن الهجمات الحوثية ستحرر السعودية من الضوابط التي تلتزم بها في سياق مبدأ حسن النية لإنجاح خيار الحل السياسي في اليمن، وهو خيار تلتزم به في سياق مسعاها لإنجاح مساعي المبعوثين الأمميين إلى اليمن، وخاصة المبعوث الحالي مارتن غريفيث الذي يؤخذ عليه أنه ساهم بقصد أو دونه في تشجيع التمادي الحوثي.
وأجمع محللون سياسيون في تصريحات لـ”العرب” على أن الحوثيين استفادوا بشكل مباشر من الضغوط التي عملت منظمات حقوقية دولية ودوائر نفوذ غربية على ممارستها لمنع السعودية من اللجوء إلى الحسم العسكري السريع لتأمين حدودها وحماية أمن الملاحة في البحر الأحمر. لكن هذه الدوائر كانت تقدم خدمة جليلة للمتمردين ومن ورائهم إيران.
واعتبر الباحث السياسي السعودي علي عريشي في تصريح لـ”العرب” أن استهداف الحوثيين لمطار أبها الدولي يُعد تصعيدا عسكريا جديدا، مشيرا إلى أن استخدام الحوثيين لصاروخ من نوع كروز هو أيضا سابقة خطيرة ودليل جديد على دعم إيران للحوثيين بأسلحة نوعية في مخالفة لقرارات الأمم المتحدة.
ولفت عريشي إلى أن اختيار الحوثيين لهدف مدني (مطار أبها) مكفول بقوانين الحماية الدولية “قد يعطي انطباعا كافيا بمستوى الحماقة التي تعانيها الميليشيات الحوثية التي تنفذ أوامر طهران وتتحمل وحدها الضربات القاسية والموجعة، ما يعني في حقيقة الأمر أن الميليشيات لا تملك حسابات خاصة بها وإنما هي أداة إيرانية صرفة”.
وأدانت الإمارات بشدة “الهجوم” الذي وصفته بـ”الإرهابي”، مؤكدة أنه “دليل جديد على التوجهات الحوثية العدائية والإرهابية والسعي إلى تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة”.
من جانها، أكدت مصر وقوفها مع السعودية في “مواجهة أي محاولة لاستهداف أمنها واستقرارها”. فيما قالت البحرين إن الهجوم “تصعيد خطير تم بسلاح إيراني” ودعت إلى “موقف دولي واضح وصارم”.
وقالت وزارة الخارجية الكويتية في بيان لها إن “هذا الاعتداء الآثم الذي يستهدف أمن المملكة وأمان شعبها الشقيق يمثل تصعيدا خطيرا وتقويضا للجهود المبذولة للوصول إلى حلّ سياسي”.
وطالب ناشطون وإعلاميون يمنيون بإعادة النظر في طبيعة المعركة على الأرض وواقع بعض الجبهات التي تعاني من جمود غير مبرر لفترات طويلة، كما هو الحال في جبهات نهم وصرواح على سبيل المثال.
وقال الصحافي اليمني سمير الصلاحي في تصريح لـ”العرب” إن المعركة اليمنية في مواجهة الانقلاب تحتاج أولا إلى إسقاط سلطان الحوثيين في صنعاء وتحرير العاصمة وهو ما سيؤدي إلى تلاشي كل امتدادات القوة الحوثية في بقية المحافظات تلقائيا.
وأضاف “يجب أن تركز الشرعية والتحالف على دخول صنعاء عبر جبهة نهم التي لا تبعد أكثر من عشرين كيلومترا عن القصر الجمهوري في صنعاء، فالقوات التي حررت 300 كم من المخا حتى تخوم مدينة الحديدة خلال ثلاثة أشهر قادرة قطعا على دخول صنعاء في مدة زمنية قياسية”.
وأشار الصلاحي إلى أن تحرير صنعاء سيوفر الكلفة الكبيرة للحرب ويضع حدا لها بل ويحقق المبتغى باستعادة الشرعية، إضافة إلى كونه أبلغ ردّ على التهديدات والمخاطر الإيرانية واستخدامها للحوثيين بشكل واضح ومباشر في تهديد أمن الخليج.
وأدان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني الهجوم الحوثي الذي قال إنه “يؤكد من جديد الدعم الإيراني للميليشيا واتخاذها أداة لتنفيذ أجندة طهران ورغباتها في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة ومحاولة تخفيف الضغوط الدولية عليها”.
ووصف الإرياني في سلسلة تغريدات على تويتر، “الاستهداف الإرهابي لمطار أبها بصاروخ كروز بأنه جريمة حرب تؤكد استمرار نظام طهران في تزويد الميليشيا الحوثية بالصواريخ الباليستية والأسلحة النوعية، وانتهاجها سياسة تصعيد الصراع بالمنطقة في تحدّ سافر لدعوات التهدئة ودون اكتراث للمخاطر المترتبة على أمن واستقرار المنطقة والعالم أجمع″.
وأكد الإرياني أن الهجوم تم تنفيذه تحت إشراف خبراء إيرانيين في تأكيد على “خطورة المشروع الإيراني في اليمن ومساعيه لتحويل الأراضي اليمنية ساحة لتنفيذ أجندة إيران التخريبية ومنصة لاستهداف دول الجوار وتهديد مصادر الطاقة وممرات التجارة الدولية وزعزعة الأمن والسلم الدوليين”.
العرب