فاجأنا اليومان الماضيان بحدثين خطيرين، الأول كان استهداف ميليشيا الحوثيين في اليمن لمطار أبها المدني السعودي وإصابة 26 شخصا من جنسيات مختلفة بجروح، والثاني تعرّض ناقلتي نفط نرويجية ويابانية لإطلاق نار في الخليج أدى لاحتراقهما، وهو ما رفع درجة التهاب الأزمة في الخليج العربي إلى حد غير مسبوق.
جاء ذلك مع ارتفاع منسوب الوساطات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، كان آخرها زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، ووزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي لطهران، ولقاء وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بنظيره الألماني هايكو ماس.
من اللافت للنظر طبعاً أن وساطة آبي، الياباني، تزامنت مع كون إحدى الناقلتين المستهدفتين تملكها شركة يابانية، وأن الحادثة جرت في بحر عُمان، بلد الوسيط الخليجي العُماني (القريب نسبياً من إيران)، وأن 11 من البحارة الذين كانوا على الناقلة التي تملكها النرويج من روسيا، وهي بلد حليف لإيران، وأن البحرية الإيرانية أرسلت فرق إنقاذ بحرية وجوية لإنقاذ جميع بحارة الناقلتين من الغرق، وهذه كلّها وقائع يمكن استخدامها لاستبعاد تورّط إيراني في الهجوم، الذي وصفه وزير الخارجية الإيراني بأنه «مريب».
صحيح أيضا أن إحدى السفينتين كانت تنقل شحنة ميثانول من السعودية، وأن الثانية كانت تنقل شحنة من الإمارات، وأن إحدى الناقلتين تعرّضت للقصف مرتين، وبالتالي فمن الصعوبة تصوّر قيام إحدى الدولتين باستهداف سفن تخرج من موانئها، يضاف إلى ذلك أن السفينتين كانتا قريبتين من السواحل الإيرانية، وأن تفسير الجيش الإيراني لإمكانية حصول الانفجارات في الناقلتين «بسبب حريق على سطحهما» غير مقنع، خصوصا في هذا الوقت البالغ التأزم.
لكنّ المشكلة في موضوع الخليج العربي لا تتعلق بالوقائع وحدها أو بتفسيرها فالمواجهة المتعددة الأشكال الحاصلة بين واشنطن وطهران، والتي أدّت إلى تحشيد عسكريّ خطير، عدد المجهولات فيها أكثر من عدد المعلومات، وأن تحت نيران هذه «الطبخة الكبرى» تجري نيران أخرى كثيرة، فإضافة إلى حرب اليمن المشتعل أوارها، والتي تتزايد وسائل «الابتكار» الحربيّ الخطير للحوثيين فيها، وكذلك ارتدادات البطش العشوائي لـ«قوات التحالف العربي»، فهناك الحصار الظالم الذي تقوم به السعودية والإمارات والبحرين ضد قطر، شريكتهم المفترضة في «مجلس التعاون الخليجي»، وهناك مخاوف الكويت وعُمان من عواقب التدخّلات الفظة للرياض وأبو ظبي في سياسات الخليج والعالم العربي.
هناك أيضاً «طبخة» ما يسمى بـ«صفقة القرن» التي تحاول إسرائيل ومؤيدوها في «البيت الأبيض» بدأها من الخليج العربي نفسه، عبر مؤتمر «الازدهار الاقتصادي من أجل السلام» أو «ورشة المنامة»، والتي تمارس فيها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشكالا من البلطجة ضد البلدان العربية لتجبرها على حضور هذا الاجتماع البائس.
وهناك، فوق كل ذلك، التجاذب الإيراني ـ الإسرائيلي على المنطقة، والذي يجري فوق جغرافيا عربية هائلة من الخراب والتأزم السياسي الفظيع، بدءا من فلسطين وسوريا ولبنان، مرورا بالعراق، وانتهاء باليمن، ووسط كل ذلك هناك الخليج الذي قد لا تستطيع مياهه أن تطفئ كل هذه النيران.
القدس العربي