الباحثة شذى خليل
أصبحت العقوبات الجديدة نافذة المفعول ، وقد تعرقل الجهود الأوروبية المتعثرة لإبقاء بعض التجارة مع إيران عن طريق تجنب استخدام الدولار الأمريكي أو النظام المالي الأمريكي.
حيث تعتزم بريطانيا وألمانيا وفرنسا تدشين آلية مالية خاصة تسمح للاتحاد الأوروبي بإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني عن طريق الالتفاف على منظومة العقوبات الأمريكية، من اجل انقاذ الاتفاق النووي الإيراني عن طريق المراوغة ، ويشار إلى هذه الآلية الأوروبية باسم “انستكس”، وتعني أداة دعم الأنشطة التجارية، التي تم تأسيسها كحل مؤقت للتجارة الإنسانية مع أوروبا ، وتناقش المداولات الداخلية، ويتوقع أن تحصل على موافقة رسمية من دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين.
الدول الأوروبية الثلاث في العام 2015 مثلت في هذا الاتفاق التاريخي مع إيران ، والذي قايض إيران على طموحاتها النووية في مقابل تخفيف العقوبات. ومن المتوقع ان تصدر هذه الدول بيانا مشتركا حول تدشين هذا المشروع الذي أعد خلال الأشهر الماضية، وسوف يجري تسجيل كيان جديد في فرنسا، وتديره ألمانيا، وتموله الدول الثلاث المذكورة لتطبيق آلية تسمح لإيران بالتبادل التجاري مع الشركات الأوروبية ، على الرغم من العقوبات التي فرضت مرة أخرى على طهران بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب .
ان فرض إدارة ترمب العقوبات على الهيئة المالية الإيرانية هي خطوة من المحتمل أن تقطع شريان الحياة الاقتصادي والإنساني الذي سعت إليه فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة لإنشاء طهران.
واشنطن تحذر:
حذرت واشنطن الاتحاد الأوروبي من مغبة الالتفاف على عقوباتها ضد طهران، في الوقت الذي يتفق فيه الأوروبيون مع روسيا والصين، بالاتفاقيتين الموقعتين على ذات الاتفاقية، على أن إيران لم تخرق هذا الاتفاق، ويتعين السماح لها بالتبادل التجاري.
وقد أطلقت واشنطن تحذيرات بأنها ستلاحق بكل قوة أية شركة تخترق العقوبات التي فرضتها على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما أدى لتوقف عدد من الشركات الدولية الكبرى عن تعاملها مع إيران.
واوضح الاتحاد الأوروبي حجم المخاوف إزاء برنامج طهران للصواريخ الباليستية، وكذلك سجل حقوق الإنسان لديها، بالإضافة إلى تدخلها في صراعات الشرق الأوسط والهجمات الأخيرة التي شنتها على جماعات المعارضة الإيرانية في أوروبا.
وتقضي الخطة الأوروبية الجديدة بشكل أساس بالسماح لإيران بأن تبيع نفطها للاتحاد الأوروبي بالمقايضة، لكن مع ضآلة التوريدات النفطية الإيرانية لأوروبا، فإن الآلية الحالية ستستهدف الشركات الصغيرة والمتوسطة.
أسعار النفط العالمية في ارتفاع:
تشهد أسعار النفط ارتفاعا في الآونة الأخيرة، بسبب العقوبات على طهران، بالإضافة للمشكلات في كل من ليبيا وفنزويلا، صاحبتي أكبر احتياطي نفطي في العالم.
وقد ارتفعت أسعار الخام برنت نحو 33% هذا العام، وتعتبر هذه قريبة من أعلى نسبة خلال ستة أشهر، في حين أن ارتفاع الأسعار بسبب الطلب الزائد يعكس عادة اقتصادا عالميا قويا، إلا أن الصدمة الناتجة عن نقص المخزون تعد سلبية.
وفي حين أن الدول المستهلكة ستتحمل تكلفة الإنتاج سوف تتمتع الدول المصدرة بدعم من عائدات الشركات والحكومة، مما يحفز التضخم المالي ويضر بالطلب، وفي مرحلة ما قد تتسبب الأسعار المرتفعة بأضرار مدمرة على الجميع.
ومنذ إعلان الولايات المتحدة عن نيتها عدم تمديد الإعفاءات، ارتفع سعر النفط إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 ، وكلف برميل من نفط بحر الشمال “برنت” 74.69 دولارا، وعن هذا الارتفاع قال المحلل الاقتصادي لدى بنك “كومرتسبانك”، أويغن فاينبيرغ: لا يمكن استبعاد زيادة أخرى للأسعار، في حالة طُبقت القواعد بصرامة، فإننا نخاطر بزيادة سعر النفط بما يزيد عن ثمانين دولاراً في وقت قصير للغاية.
هذا الارتفاع في أسعار النفط يؤثر وبشكل مباشر على الاقتصادات الناشئة التي تعاني من عجز في الحساب الجاري والعجز المالي ، وخطر تدفقات رؤوس الأموال الكبيرة والعملات الضعيفة، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تزايد التضخم المالي.
وهذا بدوره سيجبر الحكومات والبنوك المركزية على دراسة الخيارات الأخرى، مثل رفع أسعار الفائدة حتى مع تباطؤ النمو وقلة الطلب، أو تقبل الواقع والمخاطرة برأس المال ومن هذه الدول تركيا وأوكرانيا والهند.
الوضع الاقتصادي المتدهور في ايران:
يشهد الوضع الاقتصادي الإيراني تدهورا كبيرا ، حيث اصبحت طهران تعيش على وقع أزمة مرجح تفاقمها .. فهل تستطيع أوروبا انقاذها ؟ ام أن العقوبات تأخذ مجراها ويصبح الوضع اكثر سوءً، بعد تزايد حجم العقوبات تدريجيا وشمولها كل مفاصل الحياة، من النفط إلى المبادلات المصرفية، لتلقي بظلالها على الأدوية الخاصة بأمراض خطيرة كالسرطان وسعر العملة الذي عاد ليتدهور بشكل مضطرد.
تتسم الميزانية العامة في إيران بالعجز المزمن، اما إيرادات النفط والغاز الطبيعي فأنها تأتي بعد الضرائب، لكن العقوبات الأمريكية الرامية إلى تصفير الصادرات النفطية ستقود -إن طبقت فعلاً- إلى أزمة اقتصادية خانقة لا يمكن بحال من الأحوال معالجتها دون التأثير سلباً وبشدة على جميع الأنشطة الاقتصادية، ومستوى معيشة المواطنين المتردي أساساً.
بدورها وضعت الإدارة الأمريكية اثني عشر شرطاً لإنهاء هذه العقوبات في مايو 2108 ، في مقدمتها التوقف على تخصيب اليورانيوم مع السماح للوكالة الدولية للطاقة بالتفتيش، والكف عن تطوير الصواريخ، والانسحاب من سوريا، وعدم التدخل في الشأن العراقي واليمني واللبناني، والامتناع عن مساندة الميليشيات في دول المنطقة، وعدم تهديد الدول الحليفة لواشنطن .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية