لا تزال الأحزاب التقليدية الأوروبية تنظر إلى قدرة الشعبويين على التعبئة على أنها “وهم مطمئن” وليست “حقيقة مؤلمة”، في وقت تحقق فيه التيارات الراديكالية والقومية مكاسب كبيرة ينظر إليها خصومها السياسيون على أنها غير مؤثرة في المشهد الأوروبي، لكن السؤال الآن هو التالي: متى ستستفيق الأحزاب الكلاسيكية من سباتها، لا ندري علّه حين يكبر “التنين” ويلتهم الجميع في غفلة من الجميع؟
ضاعفت كتلة اليمين الشعبوي في البرلمان الأوروبي عدد مقاعدها ليبلغ الآن 73 نائبا من 9 دول، مقابل 36 نائبا في البرلمان المنتهية ولايته، حيث تأتي هذه الزيادة في مقاعد اليمين بعد النجاح الذي حققه الشعبويون والمشككون في أوروبا في الانتخابات الأوروبية التي أجريت في مايو الماضي، دون تمكنهم من إحداث اختراق كبير كانت تخشاه المؤسسة السياسية الأوروبية.
ورغم عدم تمكن الشعبويين من إحداث “تسونامي” في المجلس الأوروبي القادم، إلا أن قدرتهم على الاختراق والتعبئة باتت حقيقة يستوجب التعامل معها بدل التقليل من شأنها وانتقادها.
وحقق الشعبويون مكاسب انتخابية جمة سواء في الانتخابات المحلية لبلدانهم أو الانتخابات الأوروبية، وهو ما يؤشر إلى تنامي قدرة هذه الأحزاب في اختراق مجتمعات كانت محصنة ضدّ المد الشعبوي.
ويؤشر دخول اليمين المتطرف إلى البرلمان الإسباني، شديد التحصين ضد التطرف لأول مرة في تاريخ البلاد، إلى قدرة الحركات الشعبوية على اختراق المجتمعات التي باتت يتذمر عدد ليس بهيّن من بعض ممارسات الأجانب والمهاجرين إضافة إلى تنامي العمليات الإرهابية التي ترتبط في الكثير من الأحيان بالأجانب وخاصة المسلمين.
ومن هذا المنطلق وجب التعامل مع الحركات الشعبوية كحقيقة “مؤلمة” وليس كـ”وهم مطمئن” تعكسه تصريحات الأحزاب التقليدية والساسة الأوروبيون الذين هلّلوا لما اعتبروه انتكاسة للشعوبيين بعد أن عكست النتائج زيف استطلاعات الرأي التي أعطت اليمين المتشدد حظوظا أوفر.
ويحذر محللون من اعتبار ما حققه اليمين القومي في الانتخابات الأوروبية الأخيرة انتكاسة، فعلى العكس من ذلك فقد حقق اختراقا “مبهرا” مقارنة بنتائج البرلمان السابق، وهذا الاختراق مرشح للتنامي في المحطات الانتخابية القادمة. ويرى مراقبون ضرورة ملحة للتعامل مع هذه الحركات ومحاولة استقطابها واحتوائها بدل الاقتصار على انتقادها والتقليل من شأنها.
وأفاد أعضاء في البرلمان الأوروبي الخميس، بأن كتلة القوميين في البرلمان الأوروبي المنتخب حديثا ستصل إلى 73 نائبا في المجلس المؤلف من 751 مقعدا، حيث أصبح حزب الهوية والديمقراطية المعروف سابقا باسم “أوروبا الأمم والحريات” خامس أكبر كتلة في البرلمان بعد الخضر مباشرة.
وقالت مارين لوبان، رئيسة حزب التجمع الوطني الفرنسي في مؤتمر صحافي في بروكسل، “هذه المجموعة هي من الآن فصاعدا أول قوة قومية في البرلمان الأوروبي”. والكتلة التي تضم أيضا حزب الرابطة الإيطالي المناهض للهجرة وحزب فلامز بيلانغ البلجيكي وحزب الحرية النمساوي ستبدأ نشاطها في البرلمان الجديد في 2 يوليو، فيما لم تنجح الكتلة في اجتذاب 29 نائبا منتخبا من حزب بريكست الذي يرأسه السياسي البريطاني نايجل فاراج.
وقال النائب الأوروبي تييري ماريني من حزب التجمع الوطني الفرنسي، إن عدد نواب حزب الهوية والديمقراطية يبلغ الآن 73 نائبا من 9 دول، مقابل 36 نائبا في البرلمان المنتهية ولايته.
ويعزز تصدّر حزب بريكست بزعامة نايجل فاراج للانتخابات في المملكة المتحدة احتمال خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، ويزيد في الوقت نفسه من الضغوط على المحافظين الذين تراجعوا إلى المرتبة الخامسة.
وعاقب الناخبون بشدة حزب المحافظين بزعامة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، فتراجع إلى المرتبة الخامسة بحصوله على نحو 9 بالمئة فقط من الأصوات بحسب نتائج شبه نهائية.
كتلة القوميين في البرلمان الأوروبي المنتخب حديثا ستصل الى 73 نائبا في المجلس المؤلف من 751 مقعدا، لتصبح خامس أكبر كتلة بعد الخضر مباشرة
وأما الكتل الكبرى المتصدرة فهي حزب الشعب الأوروبي (179 مقعدا) والاشتراكيون والديمقراطيون (153 مقعدا) وجددوا أوروبا التي تضم مؤيدي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (106 مقاعد) والخضر (75 مقعدا).
ولم يعد بإمكان المحافظين المسيحيين الديمقراطيين في حزب الشعب الأوروبي والاشتراكيين الديمقراطيين في كتلة الاشتراكيين والديمقراطيين أن يشكلوا معا غالبية، لكنهما يبقيان أكبر كتلتين في المجلس.
ولن تتمكن الكتلتان من إعادة تشكيل “التحالف الكبير” الذي أتاح لهما سابقا بناء توافقات حول نصوص تشريعية وتقاسم المناصب القيادية. ويمكن أن يحتل حزب الهوية والديمقراطية المركز الرابع مكان الخضر في حال إعادة توزيع المقاعد بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن الأحزاب الكبيرة التي تهيمن عادة على البرلمان الأوروبي منيت بخسائر كبرى خلال انتخابات الأحد 26 مايو، لكن تم في الوقت نفسه احتواء تقدم الشعبويين اليمينيين فيما كان دعاة حماية البيئة مفاجأة الانتخابات، وسجل الوسطيون الليبراليون تقدما واضحا.
وسيؤثر تقدم القوميون في إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وبولندا على الساحة السياسية في الداخل، لكنه من الصعب أن ينجح في إحداث تغيير جذري في توازن القوى مع المؤيدين للاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن.
العرب