في ظل أوضاع دبلوماسية قابلة للتطور بين العراق والكويت، استقبلت بغداد اليوم الأربعاء، أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، في زيارة رسمية على رأس وفد رفيع. الزيارة هي الثانية للأمير (الأولى في مارس/آذار 2012)، بعد قطيعة بين البلدين دامت لسنوات طويلة إثر غزو العراق للكويت عام 1990، وفي وقتٍ تسعى فيه بغداد لتوسيع دائرة العلاقات المشتركة. وتأتي الزيارة تلبية لدعوة رسمية تلقاها الأمير من رئيس جمهورية العراق برهم صالح في وقت سابق.
ومما لاشك فيه أن زيارة الأمير الكويت شيخ صباح الأحمد الجابر سيستقبل بحفاوة بالغة من قبل رئيس جمهورية العراق برهم صالح، ولهذه الحفاوة ما يبررها، فضيف العراق له العديد من انجازات عظيم، إذ يرتبط اسمه في التاريخ الكويت بمصطلحات مثل القائد الحكيم، حامي الدستور، مخطط المستقبل، كما عربيا وعالميا يرتبط اسمه بمصطلحات مثل رجل السلام وزعيم الانسانية، وقد يكون المرشح الأول في المدى القريب لنيل جائزة «نوبل للسلام»، لما قدمه للأمة العربية والانسانية جمعاء من مبادرات شملت أسمى معاني العفو والصلح تترجمت في تقديم المساعدات والجمع بين الفرقاء. هو الإنسان قبل ان يكون القائد، لا يدخر جهدا لأجل نجدة اخوانه المسلمين والعرب وتخفيف محنهم في أوطان كثيرة على امتداد الدول العربية والاسلامية والصديقة والعالم كافة. يعمل في صمت، لا يتفاخر بأفضاله على الناس، تسبقه ابتسامته لمن يصافحه، يهب لمساعدة المحتاجين، وربما من دون مبالغة فإن يده الكريمة ممدوة لكل كويتي وعربي.
مرت أزمات واهتزت أمم بفعل عواصف اقليمية واممية، وبقي القائد وشعبه صامدين حتى مرت العاصفة بسلام ونعمت الكويت بربيع الديموقراطية كما هو عهدها. أما السلام، فكان ولا يزال أكثر الأهداف النبيلة التي سعى بنجاح الى تحقيقها داخل الكويت وفي الخليج وفي المنطقة وفي الدول العربية، ويعتبر من أكثر القادة العرب التزاما بتحمل المهام الجسيمة لمنصب الحاكم، فكان الأكثر حضورا في المناسبات الوطنية والخليجية والعربية والعالمية، كما انه رجل المبادرات الأول، لا يفوّت فرصة للالتقاء باخوانه القادة العرب للتشاور في سبل حل القضايا العربية. هو أكثر الزعماء حضورا في القمم الخليجية والعربية، وسفرا في رحلات مكوكية لأجل القيام بمصالحات بين اشقائه العرب او دعم مبادرة عربية لخدمة الشعوب.
ولذلك حظيت الكويت بإشعاع خليجي وعربي وعالمي غير مسبوق على مستوى احتضان أهم القمم والمؤتمرات العربية والاقليمية، وتوجت بنجاح بفضل رؤية القائد والتزامه بدعم القضايا الوطنية والعربية قولا وفعلا فكانت اكثر الصفات التي وصفه الغرب بها «الرجل الملتزم» الذي يفي بوعده، لا يكل ولا يمل من المبادرات لفعل الخير وللم الشمل الوطني والخليجي والعربي.
كبير في مواقفه وحاسم في رؤيته التي تهدف الى تأسيس مفهوم جديد للمواطنة العربية القائمة على التآخي بين كل الأطياف وعلى اساس أن كل عمل ناجح يقوم على توحد كل المواطنين بكل فئاتهم سواء في الكويت او في كل الوطن العربي، وهو من يرى ان في التوحد يكمن حسب رؤيته الحكيمة استمرار السلام الاجتماعي والازدهار، وبسواعد الشباب الذين يحرص دائما ان يوجه لهم قسما كبيرا من خطاباته سيعمر الوطن ويبقى حصنه قويا عتيدا عصيا ضد العنف والتفرقة، وان الحرية والديموقراطية كما ينادي بهما دائما هما المتنفس الأمثل للمواطن لكي يعمل باخلاص وايمان صادق لأجل رقي وأمن وطنه ويذود عنه ضد كل معتدٍ.
أفعاله سبقت كلماته، وانجازاته الوطنية والخليجية والعربية أنارت درب الحالمين الكويتيين والخليجيين والعرب بمستقبل أفضل بفضل حكم جميلة سيخلدها التاريخ على غرار أولوية الوحدة الوطنية، المسارعة لمد العون، نبذ العنف، الايفاء بالوعد والانجاز، دعم وضمان استمرار الديموقراطية، والصفح والعفو عند المقدرة، والسلام والتآخي واعلاء شعار أن الأفضل بيننا هو الأفضل بالعمل والأصدق في الانجاز.
ونظرًا لانجازات أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر تم تكريمه عام 2014 من قبل الأمم المتحدة وتم منحه لقب ”قائد الإنسانية وكان البنك الدولي قد كرم الشيخ صباح في شهر نيسان/ أبريل الماضي، لدوره في دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي وإحياء السلام، في خطوة هي الأولى من نوعها من البنك الدولي لقائد دولة.
وفي عهده قدمت دولة الكويت مساعدات إنسانية متنوعة للنازحين العراقيين طوال السنوات الماضية تمثلت بمساعدات إغاثية وتربوية وصحية متنوعة، حظيت بترحاب واشادات من قبل النازحين والمنظمات العاملة في الإقليم.كما استضافت عام 2018 مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار العراق بمشاركة عدد من الدول المانحة والمنظمات الدولية برئاسة خمس جهات هي (الاتحاد الأوروبي والعراق والكويت والأمم المتحدة والبنك الدولي) وانتهى بتعهدات بلغت 30 مليار دولار. وأن الكويت داعمة للعراق واستقراره، وأن رئيس جمهورية العراق برهم صالح ينظر إلى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر العراق بوصفه “الرجل الحكيم” الذي يمكن أن يسهم في عقلنة الأمور في المنطقة.
وبالعودة إلى الزيارة، قالت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا) إن الزيارة تأتي في إطار مساع للتقارب وتصفية المشاكل العالقة بين البلدين، وأشارت الوكالة إلى أن “هذه الزيارة تأتي أيضا في ظل التوترات والتطورات المتسارعة غير المسبوقة التي تشهدها المنطقة، ولا سيما الأعمال التي استهدفت سلامة الإمدادات النفطية، عبر تخريب وضرب السفن النفطية والتجارية المدنية في المياه الإقليمية للإمارات وخليج عُمان”.
وقال الناطق باسم الرئيس العراقي لقمان الفيلي إن الزيارة “ستنعكس على العلاقات الثنائية وأيضاً سيكون الحوار مع القيادات العراقية حول طبيعة التوتر في المنطقة وعن آلية التعاون بين البلدين ومع الخليج، إضافة إلى التعاون المشترك لدراسة العقوبات الأميركية على طهران”.وأضاف أن “انفتاح العراق على الجميع سيساعد في تقليل التوتر، وهناك أحاديث كثيرة ستتضمنها الزيارة، منها ما خرجت به زيارة رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى الكويت في الفترة الماضية”.
ترتبط الكويت مع العراق بمنفذ سفوان الحدودي، وينفذان مشاريع لموانئ متجاورة كانت في السنوات الماضية موضع خلافات، بسبب تطوير الكويت ميناء مبارك الكبير قرب منفذ العراق الضيق على الخليج العربي.وتسارعت خطوات طي الخلافات بتوقيع اتفاق “التعاون الاقتصادي الشامل”، وسط حالة من التفاؤل بتحريك القضايا العالقة وإزالة أسباب التوتر السياسية التي من شأنها فتح أفق كبير لإنعاش النشاط الاقتصادي في البلدين، بخاصة من خلال إنشاء منطقة للتجارة الحرة في تلك الموانئ. وفي شهر شباط/فبراير الماضي، عقد وزيرا تجارة البلدين مباحثات لوضع الأسس الخاصة بتطوير الملف الاقتصادي، ووقّعا محضراً للتعاون الثنائي المشترك في جميع المجالات، كما اتفقا على آليات للتكامل الاقتصادي وحلحلة المشاكل العالقة.
ويرى المراقبون للشأن العراقي إن هذه الزيارة تأتي في إطارين، الأول يرتبط بالعلاقات الثنائية ومحاولة دفع العلاقات إلى مستويات جديدة في الجوانب السياسية والاقتصادية، ومنها ما يشمل تفعيل مقررات مؤتمر المانحين الذي انعقد في الكويت العام الماضي، فضلاً عن إيجاد المشتركات لحل الملفات العالقة بين البلدين، إضافة إلى مناقشة ملف التعويضات وإمكانية تشجيع الشركات ورؤوس الأموال الكويتية على الاستثمار في العراق. وأوضحوا أن الإطار الثاني يتمثل في الصراع الأميركي الإيراني، المحفز الأساس لهذه الخطوة الكويتية، في ظل تصاعد احتمالات الاشتباك أو الاحتكاك بينهما وبما يؤثر في المنطقة بشكل كامل”. وأن العراق والكويت يتشاركان قلق الحرب ويسعيان لإيجاد مسارات اعتدال لنزع فتيل الأزمة، مشيرين إلى أن العراق انطلق بمشاورات لتكوين محور دول اعتدال يسهم في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران.
وأنّ الزيارة ستكون بمثابة نقطة تحوّل في العلاقات بين البلدين وإنهاء تفاهمات سابقة على ملفات وقضايا بين العراق والكويت، إضافوا للخروج برؤية موحّدة حول الأزمة الحالية والتصعيد في منطقة الخليج العربي. وأشاروا إلى أنه من المقرر توقيع اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم، تتركز على الملاحة البحرية وترسيم الحدود المائية والبرية وملف خور عبد الله وحقول النفط المشتركة والتبادل التجاري والتعاون الأمني بين البلدين. وأكدوا أن ملف الديون العراقية المستحقة لصالح الكويت يعتبر ملفاً قضائياً لا سياسياً، ضمن الخسائر التي لحقت بالكويت جراء الغزو العراقي عام 1990 للأفراد والمواطنين الكويتيين. والعراق يتفهم هذا الأمر، ولا يمكن بحثه إلا بمقدار تسريع إغلاقه بالكامل لطي هذه الصفحة نهائيًا.
ومن جهته قال نائب وزیر الخارجیة خالد الجار الله لوكالة الأنباء الكويتية، إن زیارة أمير الكويت للعراق تأتي في “إطار العلاقات الأخویة المتمیزة بین البلدین الشقیقین”. وأضاف الجار الله، أن زیارة الأمير “تنطوي على أبعاد مھمة ودلالات حیویة”، مؤكدا “حرص الأمیر على الاھتمام والرعایة للعلاقات الأخویة وسعيه لتطویرھا وتعزیزھا في المجالات كافة”.وأشار نائب وزير الخارجية، إلى حرص أمير الكويت على دعم وتمكین العراق من تجاوز تداعیات ما تعرض له من أعمال إرھابیة، بالإضافة إلى جھوده الھادفة لإعادة الإعمار.ولفت الجار الله إلى أن “الزیارة تأتي في ظروف دقیقة وحرجة تمر بھا المنطقة والتي تتمثل باستمرار التصعید فیھا، الأمر الذي یؤكد أھمیة التنسیق والتشاور مع الأشقاء في العراق لتجاوز ھذه الظروف، وتمكین المنطقة من النأي بعیدا عن التوتر والصدام”.
ويرى المتابعين من الكويت أن الأوضاع الحالية في المنطقة واحتمالات التدهور، تدفع بلا شك الى التشاور بين البلدين وتبادل الأدوار للدفع باتجاه الحلول الدبلوماسية”، منوهين بالدور الدبلوماسي الذي تلعبه الكويت في ظل عهد أمير الكويت صباح الأحمد الجابر كوسيط للسلام، ولافتين بهذا الصدد الى ما تتمتع الكويت والعراق من علاقات إيجابية بين طرفي الخلاف، لكنهم لفتوا أيضاً إلى ان آثار المواجهة بين طهران وواشنطن من شأنها ان تنعكس على دول المنطقة. وأضافوا ان المواجهة في المنطقة اليوم بين قوة عظمى دولية هي الولايات المتحدة الأمريكية وأخرى عظمى إقليمية هي ايران، تدفع إلى أخذ الحيطة والحذر والتنسيق بين العراق والكويت أمنياً، خشية ان تقوم ميليشيات محسوبة على ايران بأعمال عدائية تضر بأمن البلدين.
وعلى المستوى الإقليمي تكستي زيارة الأمير صباح الأحمد إلى دولة العراق بأهمية بالغة كونها تأتي في فترة مشحونة بالتوترات وبنُذر الحرب جرّاء التصعيد بين إيران والولايات المتّحدة وعدد من حلفائها الإقليميين والدوليين، الأمر الذي يثير قلقا بالغا لدى الكويت سبق أن عبّر عنه أمير البلاد ذاته. وتسبّبت التطورات الجارية في المنطقة من استهداف للسفن في خليج عمان ومن قصف حوثي لمنشآت اقتصادية ومدنية سعودية، ومن تصعيد في لهجة الخطاب بين طهران من جهة وعدد من العواصم الأخرى في مقدّمتها واشنطن من جهة مقابلة، إضافة إلى تحريك الولايات المتحدة جزءا من ترسانتها العسكرية باتجاه مياه الخليج العربي، في قلق استثنائي للكويت التي ترى نفسها معنية بشكل مباشر بأي نزاع مسلّح قد ينشب في المنطقة، وأنّها يمكن أن تكون ضحية موقعها الحساس قريبا من الأراضي الإيرانية وبجوار العراق الذي تنشط على أراضيه العشرات من الميليشيات الشيعية الموالية لإيران والمؤتمرة بأوامرها. فإيران تعتبر دولة استراتيجية مهمة للكويت انطلاقا من ثقلها السياسي وموقعها المتميز، ومن ناحية أخرى ورغم صغر المساحة الجغرافية لدولة الكويت إلا أن موقعها الجيو استراتيجي في مثلث الأضلاع بين إيران والعراق والسعودية، فضلا عن مخزونها النفطي الهائل كل ذلك جعل منها قيمة كبيرة اقتصاديا وماديا.
خلاصة القول: على الرغم من سنوات القطيعة التي سببها نظام صدام حسين بغزوه الكويت في الثاني من أغسطس 1990، وما ترتب عليه من آثار وتبعات، فإن مياه العلاقات الكويتية العراقية عادت إلى مجاريها بقوة دفع متزايدة في الآونة الأخيرة. ففي 12 يونيو 2013 قام الشيخ جابر المبارك الصباح رئيس مجلس الوزراء بزيارة رسمية إلى بغداد، تم خلالها التوقيع على ست مذكرات تفاهم، وزار وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الكويت في مايو 2013، حيث وقّع مذكرتي تفاهم مع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح خالد الصباح.وفي 4 يوليو 2013 صادق البرلمان العراقي على اتفاق إنشاء لجنة مشتركة للتعاون بين حكومتي البلدين، لتعزيز علاقات الصداقة والتعاون الثنائي، ورغبة من الجانبين في حلّ القضايا العالقة بينهما، التزاما بالمواثيق والقرارات الدولية ذات الصلة، بغية الوصول لتسوية شاملة لكل المتعلّقات بينهما، بما يساعد على نشوء أرضية صلبة للعلاقات الأخوية.
وشهدت العلاقات الدبلوماسية تطورات مهمة خلال السنوات الأخيرة، تمثلت في الزيارات المتبادلة لكبار مسؤولي البلدين، والانعقاد الدوري للجنة الوزارية العليا المشتركة الكويتية – العراقية.وفي ديسمبر 2014 زار رئيس وزراء جمهورية العراق السابق الدكتور حيدر العبادي الكويت بدعوة من الشيخ جابر المبارك الصباح رئيس مجلس الوزراء، بحث خلالها آفاق التعاون الثنائي وتكثيف الجهود لتطويق الإرهاب ومكافحته.
وفي نوفمبر 2018 قام رئيس جمهورية العراق الدكتور برهم صالح بزيارة رسمية للكويت، في أولى زياراته الخارجية عقب تسلّمه منصبه، أجرى خلالها مباحثات رسمية مع سمو أمير البلاد تناولت العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين.وكان لزيارتي رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح في سبتمبر 2010 وفي يناير 2011 إلى بغداد، أثر إيجابي في إنهاء مرحلة التوتر وفتح صفحة جديدة للعلاقات، لاسيما أن الزيارة التي تمت في 2010 تعد الأولى لمسؤول كويتي رفيع المستوى يزور العراق منذ الغزو العراقي عام 1990.
وعلى الصعيد الاقتصادي لم تتوقف الزيارات بين البلدين لتوطيد العلاقات اقتصاديا فكان لرئيس الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق الدكتور سامي الأعرجي زيارة لغرفة تجارة وصناعة الكويت في عام 2012 استعرض خلالها القطاعات الاقتصادية الرئيسية المتاحة في العراق.
وحدة الدراسات العراقية
مركز اروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية