لا تجري رياح الاستعداد لانتخابات بلدية إسطنبول بما تشتهي سفن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يجد نفسه يقف أمام أكبر انتكاسة تعرض لها منذ ترؤسه بلدية إسطنبول في سنة 1994 ووصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002. ويخشى أردوغان أن ينقلب سيناريو إعادة الانتخابات ضده، وتصدق استطلاعات الرأي التي تتحدث عن تقدم حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو الذي هزم في انتخابات مارس الماضي على مرشح العدالة والتنمية بن علي يلدريم، وافتك منه، بقرار شعبي انتخابي، رئاسة بلدية إسطنبول، الأمر الذي رفضه أردوغان ودفع نحو إعادة الانتخابات.
إسطنبول – تصوت إسطنبول لاختيار رئيس بلدية جديد للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر يوم الأحد المقبل، بعد أن قام سياسي معارض مبتدئ بعرقلة آلية انتخابات حزب الرئيس، حيث فاز بالمنصب الذي سرعان ما تم انتزاعه منه.
ومع احتدام المعركة الانتخابية، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن من يحترم الديمقراطية يجب أن يكون راضيا عن النتيجة يوم الأحد. وقال “مهما كانت النتيجة، ستفوز تركيا”، وقلل من شأن الانتخابات باعتبارها مجرد انتخابات بلدية.
لكن، عاد وقال عكس ذلك، متهما قوى أجنبية بالتدخل في الانتخابات البلدية الجديدة المقررة في إسطنبول يوم الأحد المقبل لاختيار عمدة للمدينة. وقال أردوغان أمام مؤتمر انتخابي في إسطنبول “لماذا تهتم كل هذه الدوائر الكثيرة في الخارج بهذا الشكل الكبير بمن سيقود إسطنبول؟ هل نحن نهتم، على سبيل المثال، بمن سيكون العمدة في لندن أو برلين أو باريس أو فيينا أو امستردام أو بروكسل؟”. كما اتهم أوغلو بأنه مدعوم من الخارج.
ويؤكد هذاالخطاب المتضارب واللهجة التصعيدية أن أردوغان لن يترك المعارضة تأخذ منه عاصمته ومقر حكمه مهما كان الثمن.
فاز أكرم إمام أوغلو (49 عاما) من حزب الشعب الجمهوري العلماني بانتخابات رئيس بلدية إسطنبول في 31 مارس الماضي، حيث هزم بن علي يلدريم (63 عاما) من حزب العدالة والتنمية بفارق 13.729 صوتا.
غير أن اللجنة العليا للانتخابات ألغت التصويت في 6 مايو الماضي استجابة لطلب من حزب العدالة والتنمية، الذي أعلن عن حدوث مخالفات، وأمر بإعادة الانتخابات في 23 يونيو الحالي
دفع القرار -الذي أثار احتجاجات سلمية في المدينة التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة وأدى إلى إدانة من الحلفاء الأجانب حول حالة الديمقراطية وحكم القانون في تركيا- إمام أوغلو إلى الظهور على المسرح الوطني.
وفجأة بدأ اعتبار رئيس بلدية بيليكدوزو بإسطنبول، المهذب والذي لم يكن مشهورا، قوة سياسية يحسب حسابها، وربما قد يكون في يوم من الأيام قادرا على منازلة أردوغان. كان أردوغان يزمجر كالأسد في الحملة قبل الانتخابات المحلية التي أجريت على مستوى البلاد في مارس محذرا من أن “وجود تركيا أصبح على المحك”. وفي وقت لاحق وصف حكم إعادة الانتخابات في إسطنبول بأنه “خطوة مهمة في تعزيز ديمقراطيتنا”.
لا يمكن لأردوغان أن يتحمل خسارة مثل هذه الانتخابات، على الرغم من أنه ليس مدرجا على بطاقة الاقتراع. إسطنبول بالنسبة للمحافظين أكثر من كونها محرك الاقتصاد التركي، وموقعا لمشاريع بنية تحتية مربحة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات وتساهم بثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. إسطنبول هي عاصمة الدولة العثمانية والمدينة التي بدأ منها أردوغان مسيرته السياسية باختياره رئيسا للبلدية في عام 1994، والتي عنها قال ذات مرة إن من يخسر إسطنبول يخسر تركيا.
إلى جانب ارتباطهم التاريخي، يسيطر الإسلاميون على إسطنبول منذ 25 عاما، بنوا على امتدادها شبكة علاقات ضخمة وأسسوا لمشروعهم الهادم للدولة الأتاتوركية.
يقول مطلعون على الأمور في حزب العدالة والتنمية، إنه حتى استطلاعات الرأي داخل الأحزاب قبل أسبوع على الانتخابات تظهر إمام أوغلو متقدما. وقال وولفانجو بيكولي، الرئيس المشارك لشركة الأبحاث “تينيو إنتلجنس”، “تعتمد فرص إعادة انتخاب إمام أوغلو إلى حد كبير على مدى استعداد حزب العدالة والتنمية للغش”.
لكن مصطفى كوكسالان -من هيئة مراقبة الانتخابات المستقلة أوي في أوستي، التي ستنشر الآلاف من المراقبين في جميع أنحاء المدينة- قال لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إنه “من الصعب للغاية الغش في إسطنبول، لأن هناك الكثير من الأشخاص الذين يهتمون بأصواتهم”.
وقال عدة محللين إن أي محاولة للتزوير سيتم إحباطها إذا ما حصل إمام أوغلو على حصة ضخمة من الأصوات بما يكفي لجعل تزوير النتيجة مسألة مستحيلة. وقال محمد جونال أولجر -رئيس بولميتر، وهي شركة لإجراء استطلاعات الرأي- إنه يتوقع أن يفوز إمام أوغلو بهامش يتراوح بين 500 ألف ومليون صوت هذه المرة، إن كان موقف حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد والناخبين الأكراد “لهم نفس الموقف كما كان في 31 مارس”.
ويرى محمد علي كولات -من وكالة استطلاعات الرأي ماك- أن الناخبين الأكراد المحافظين يشكلون عاملا رئيسيا، وهم من الجيل الأول والثاني من الأسر التي نزحت بسبب القتال مع حزب العمال الكردستاني وأجبروا على الانتقال إلى إسطنبول.
ولفت إلى أنه على الرغم من أنهم عادة ما كانوا يصوتون لصالح حزب أردوغان “فقد قاطعوا انتخابات مارس لأنهم لا يحبون سياسات حزب العدالة والتنمية الأخيرة ضد الأكراد”. كما تمت إثارة نفور العديد من الناخبين الأكراد بسبب تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف. وأعلن السياسي الكردي البارز صلاح الدين دميرتاش دعمه لأكرم إمام أوغلو. ويعد دعم دميرتاش -الزعيم المؤسس لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد- مهمّا كون تصويت الأكراد سيكون حاسما في الانتخابات البلدية المتقاربة والمقررة في 23 يونيو الجاري.
وغرّد دميرتاش على موقع تويتر “يتعين دعم خطاب إمام أوغلو”. وأضاف أنه يتعين ألا يكون هناك تردد لأنه “لا خيارات متعددة”، مضيفا أن هناك خيارا واحدا للسلام والعدل والمساواة والحرية في تركيا.
وما زالت هناك فرصة لاجتذاب 1.7 مليون شخص لم يصوتوا في مارس، من بينهم الناخبون الذين يشعرون بالإحباط من الركود الاقتصادي والسياسات المثيرة للانقسام في الحزب. وفقا لما ذكرته وكالة أنباء الأناضول الحكومية وقناة “أن.تي.في”، فإن 8.86 مليون من الناخبين المؤهلين في إسطنبول البالغ عددهم 10.57 مليون ناخب مارسوا حقهم في التصويت في مارس.
في 16 يونيو، شهد الأتراك حدثا نادرا، وهو مناظرة تلفزيونية بين رئيس الوزراء السابق يلدريم وإمام أوغلو. وتم بث أول مناظرة من نوعها منذ 17 عاما على جميع الشبكات في بلد يسيطر فيه الحزب الحاكم بصورة ساحقة على موجات البث، تاركا المعارضة تلجأ إلى حملات مواقع التواصل الاجتماعي.
وخلال المناظرة التي استمرت ثلاث ساعات، اعترف كلاهما بالمشاكل الاقتصادية التي تعانيها المدينة، ووعدا بتوفير المزيد من فرص العمل والمساحات الخضراء، وتعهدا بتخفيف الازدحام المروري. وفي حين يوجد 19 مرشحا آخر يخوض السباق على منصب رئيس البلدية، فإن المعركة الحقيقية تدور بين إمام أوغلو ويلدريم.
ووضعت شركة الاستطلاع “أو.آر.سي” يلدريم في المقدمة بنسبة 48.3 بالمئة متقدما على إمام أوغلو الذي حصل على 47.7 بالمئة، بعد مقابلات أجريت الأسبوع الماضي مع 6580 مشاركا في الاستطلاع. وقالت وكالة جيزيجي لاستطلاعات الرأي إنها لن تنشر نتائجها بسبب الأجواء المشحونة سياسيا. وذكر مراد جيزيجي مالك الوكالة، أن “الاستقطاب قوي إلى درجة أنه حتى الإخوة والأزواج والعشاق معادون لبعضهم البعض”، واصفا الوضع بأنه “لا يمكن إصلاحه”.
ويقول جونول تول، مدير برنامج الدراسات التركية بمعهد الشرق الأوسط، “قد تكون هذه الانتخابات بمثابة الاختبار النهائي لما تبقى من الديمقراطية التركية”؛ “فسكان إسطنبول لا يختارون فقط عمدة جديدا لمدينتهم، بل يختارون أيضا مسار المستقبل لبلدهم”.
العرب