بلاغ المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية الموالية للمجلس الثوري الحاكم في صنعاء الذي يقوده الحوثيون، الذي أعلن إطلاق صاروخ سكود على إحدى القواعد الصاروخية السعودية (قاعدة السليل) بالقرب من العاصمة السعودية الرياض يوم الإثنين 29 يونيو، قد يكون مؤشرا على تحوّل خطير في الحرب الدائرة حاليا في اليمن وعمليات ما يعرف بـ “عاصفة الحزم” أو “إعادة الأمل”. فالحرب التي بدأت في 21 مارس وما تلاها من غارات جوية بواسطة طائرات “التحالف العربي” بقيادة المملكة العربية السعودية، اقتصرت في الأسابيع الأولى على استهداف المنشآت العسكرية والإستراتيجية للقوات التابعة والمتحالفة مع كل من عبد الملك الحوثي وعلي عبد اللـه صالح. وعلى الرغم من أن ميليشيات الحوثي وقوات الحرس الجمهوري التابعة للرئيس المخلوع علي عبد اللـه صالح شنت بعض العمليات العسكرية عبر الحدود، مستهدفة المناطق السعودية المتاخمة في كل من إمارتي نجران وجيزان، فقد بقي المجهود الرئيسي للحرب منحصرا داخل الأراضي اليمنية خصوصا في المدن اليمنية المقاتلة مثل عدن وتعز والضالع وفي معاقل الحوثي خصوصا في صعدة. الآن وبعد إطلاق صاروخ سكود على قاعدة عسكرية قريبة من العاصمة السعودية الرياض، والذي سبقه (5/6 يونيو) إطلاق صاروخ على قاعدة خميس مشيط العسكرية السعودية، فإن هذا التطور قد يضيف بُعدا جديدا إلى المواجهة في جنوب شبه الجزيرة العربية يتمثل في استخدام صواريخ أرض- أرض لضرب المدن خصوصا من جانب اليمن ضد السعودية التي تستخدم تفوقها الجوي لضرب المدن اليمنية بحرية تامة تقريبا في ظل ضعف الدفاعات الجوية اليمنية.
ولم تعترف المملكة العربية السعودية بوقوع هجوم بصاروخ سكود على قاعدة السليل، ونفت أن تكون القاعدة قد تعرضت لأي هجوم من هذا النوع. وكان المتحدث العسكري السعودي في المناسبة السابقة عندما تم إطلاق صاروخ على قاعدة خميس مشيط، قد اعترف بالهجوم وذكر أن بطارية صواريخ باتريوت سعودية اعترضت الصاروخ ودمرته قبل أن يصل إلى هدفه. ويثير نفي السعودية لتعرض قاعدة السليل لأي هجوم بصاروخ سكود يمني سؤالا جوهريا حول كفاءة تشغيل صواريخ سكود بواسطة اليمنيين. ومن الجائز فعلا أن القوات اليمنية كانت أطلقت الصاروخ لكنه ضل طريقه وانفجر في منطقة بعيدة عن الهدف. وليس هذا بالأمر المستبعد، ففي بدايات الحرب العراقية الإيرانية أطلق العراق أربعة صوارخ من طراز (فروج- 7) على تجمعات للقوات الإيرانية في الأهواز وفي ديزفول، ولكن الصوارخ انفجرت بعيدا وخلفت آثارا تدميرية محدودة جدا. وعاد السبب في ذلك إلى عاملين، أحدهما عدم كفاءة نظام التصويب وثانيهما أن ذلك النوع من الصواريخ ليس معدا لاستخدام رؤوس متفجرة تقليدية مثل تلك التي كان العراقيون قد جهزوها بها. ومع ذلك فليس من المستبعد أن تكون السعودية قد لجأت إلى تكتيك نفي وصول الصاروخ إلى السليل بغرض حرمان اليمنيين من التأكد من دقة تصويب الصاروخ ومن سلامة الإحداثيات التي تم استخدامها في التوجيه. وهذا تكتيك معروف يتم استخدامه بغرض إبقاء الخصم مغمض العينين غير متيقن من سلامة إحداثيات الموقع المستهدف. فلو أن السعودية أعلنت سقوط الصاروخ في السليل لعلم اليمنيون أن إحداثيات إطلاق الصاروخ سليمة، ولاعتمدوا في تلك الإحداثيات في شن مزيد من الضربات.
ترسانة الصواريخ
وقد تلجأ القوات اليمنية الموالية للحوثيين وللرئيس المخلوع إلى زيادة الاعتماد على الصواريخ أرض- أرض إذا ضمنت خطا آمنا للإمدادات الضرورية التي تساعد على استمرار ضم الصواريخ إلى المنطومة القتالية اليمنية في الحرب ضد السعوديين. وسوف تستهدف القوات اليمنية من ذلك تحقيق ثلاثة أغراض: الأول هو تعويض الضعف في القوة الجوية والدفاع الجوي في مواجهة المملكة العربية السعودية. والثاني هو تهديد العمق السعودي وإيصال رسالة إلى الرياض مؤداها؛ أن المدن السعودية لن تكون بمنأى عن الضربات العسكرية على الرغم من الفقر في القوة الجوية اليمنية. أما الغرض الثالث فإنه يتمثل في التاثير المباشر على الرأي العام السعودي، وعلى الروح المعنوية للمجتمع بشكل عام، وربما إلى إشعال حدة الانقسامات في أوساط العائلة السعودية حول الموقف من الصراع الدائر في اليمن.
ومن المعروف أن اليمن كان يملك مخزونا من صواريخ سكود، جاء بعضه من استيلاء قوات علي عبد اللـه صالح على صواريخ سكود التي حصلت عليها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من الاتحاد السوفيتي قبل إعلان الوحدة اليمينة. وقد تم لالفعل استخدام بعض هذه الصواريخ من جانب القيادة اليمنية الجنوبية في حرب 1994 بين الشمال والجنوب والتي انتهت بسيطرة الشماليين على عدن. وعقب هزيمة الجنوب تم نقل ما تبقى من صواريخ سكود إلى العاصمة اليمنية صنعاء حيث سكنت في قاعدة الديلمي الجوية القريبة من مطار صنعاء الدولي. وفي أعقاب حرب 1994 بدأ الرئيس اليمني المخلوع علي عبد اللـه صالح مفاوضات مع كوريا الشمالية لشراء شحنات من صواريخ سكود ليس من المعروف تماما عددها، لكن هذا العدد يترواح بين 18 إلى 25 صاروخا بدأ تسليمها لليمن بعد سنتين أو ثلاث من إتمام عقد الصفقة في العام 1998. ومن الثابت أن إحدى هذه الشحنات كانت مرسلة من كوريا الشمالية إلى اليمن مخباة تحت شحنة أسمنت في العام 2002 حيث تم اعتراضها بواسطة سفن إسبانية، وإبلاغ الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تلبث أن سمحت للشحنة بالوصول إلى اليمن.
وربما يكون اليمن قد حصل خلال الأشهر الأخيرة ومنذ سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء وعلى ميناء الحديدة على شحنات من صاروخ شهاب-1، وهو النسخة المقابلة لصاروخ سكود-ب من إيران التي تملك كميات كبيرة من صواريخ سكود حصلت عليها من كوريا الشمالية ومن سوريا ومن ليبيا في فترات سابقة إضافة إلى قدرتها على إنتاج هذه الصواريخ محليا. وعند بداية العميات العسكرية لقوات التحالف العربي في اليمن قدر الخبراء عدد صواريخ أرض- أرض التي يحوزها اليمن بما يصل إلى 300 صاروخ. لكنه من المرجح أن كمية كبيرة من هذه الصواريخ قد تم تدميرها على الأرض بواسطة غارات جوية قامت بها طائرات التحالف. وكان المتحدث العسكري لقوات التحالف قد ذكر في لقاء مع الصحفيين (19 أبريل 2015) أن واحدا من أهداف غارات طائرات التحالف هو تدمير الصواريخ التي يملكها اليمن وتقليل مخاطرها. ومن المرجح أن عددا كبيرا من الصواريخ أفلت من الضربات الجوية لقوات التحالف كما ذكر تقرير ورد في مجلة جينز العسكرية (18 مايو 2015) حيث تم نقل بعض هذه الصواريخ إلى أماكن أكثر أمانا من أجل استخدامها فيما بعد. ويتم إطلاق صواريخ سكود من على منصات متحركة سهلة الحركة نسبيا، ويترواح مداها بين 250 إلى 300 كيلومتر.
ملامح الوضع الحالي
وتظهر متابعة العمليات العسكرية الجارية في اليمن الملامح التالية:
أولاً: تسيطر القوات اليمنية الموالية للحوثيين وللرئيس اليمني المخلوع علي عبد اللـه صالح على معظم أنحاء البلاد بما في ذلك العاصمة صنعاء وميناء الحديدة.
ثانياً: تتركز المقاومة المسلحة في المدن المقاتلة الثلاث، عدن وتعز والضالع، إضافة إلى بعض المدن الأخرى مثل مأرب ولحج والبيضاء. لكن المقاومة تعاني من ضعف الإمكانات ومن سوء التنظيم والتدريب ومن تشتت القيادة.
ثالثاً: بدأ نفوذ القاعدة العسكري ونفوذ داعش في الزيادة في مناطق الجنوب القبلية وفي مدن شبوة وحضرموت وغيرها. ويستمد نفوذ القاعدة وداعش قوته من رفض الأغلبية العظمى في الجنوب لعودة عبد ربه منصور هادي إلى السلطة والميل إلى انفصال الجنوب عن الشمال وإعادة تأسيس دولة جنوب اليمن المستقلة.
رابعاً: تستخدم القوات التابعة للحوثي وصالح كل أساليب الترهيب للسكان المحليين في المدن المقاتلة، بما في ذلك التجويع والحرمان من المياه ومن الوقود ومن الدواء. وفي المقابل فإن التحالف العربي عجز عجزا فادحا فيما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية لليمنيين في المدن المقاتلة.
خامساً: تلجأ القوات اليمنية التابعة للحوثي وصالح إلى اتباع تكتيكات تشتيت قوة الخصم وحرمانه من تركيز مجهوده الرئيسي في عمليات إسناد المدن المقاتلة. وتتضمن هذه التكتيكات التوسع في شن هجمات عبر الحدود مع السعودية وتهديد الحياة العادية للسكان خصوصا في نجران وجيزان وإضعاف روحهم المعنوية. وفي العادة ترد قوات التحالف على ذلك بزيادة عدد وقوة الضربات الموجهة إلى المدن الموالية للحوثي وصالح خصوصا في صعده وحجة وعمران.
سادساً: تعرقل القوات اليمنية الموالية للحوثيين وصالح كل عمليات الإغاثة الصحية والإنسانية التي تحاول منظمات الأمم المتحدة القيام بها، خصوصا في المدن المقاتلة. ويؤدي هذا في الوقت الحاضر إلى نزوح كثير من العائلات من عدن وتعز إلى الشمال بما في ذلك صنعاء في حين يخضع أهالي الضالع لحصار كامل تقريبا من كل الجهات.
وقد ازدادت خلال الأيام الأخيرة وتيرة العمليات الإرهابية الموجهة ضد الحوثيين إضافة إلى العمليات الموجهة لاغتيال القيادات الحوثية بواسطة مجموعات تابعة للقاعدة أو لداعش. وتتركز الزيادة في عمليات من هذا القبيل في العاصمة صنعاء على وجه الخصوص. ومن المحتمل أن يقود ذلك إلى رد فعل إيجابي بين السكان لمصلحة الحوثيين وعلي عبد اللـه صالح، خصوصا وأن سكان صنعاء ينعمون بقدر ملموس من الهدوء ومن سير الحياة اليومية العادية بدون مشاكل تقريبا بما في ذلك وفرة السلع والمؤن وانضابط الأسعار وتوفر خدمات المستشفيات والنقل وغيرها. وإذا استمر الوضع على هذه الحال فسوف يتم ايضا تكريس الانقسام بين الشمال والجنوب عند خطوط المواجهة الممتدة من تعز إلى الضالع إلى عدن. وفي هذه الحال فإن موضوعات التفاوض السياسي في جنيف الهادفة إلى إعادة عبدربه منصور هادي للحكم ستكون عديمة القيمة ولا معنى لها خصوصا إذا نجح تحالف الحوثي- صالح في تكريس سلطاته ونفوذه في المناطق التي يسيطر عليها.
خطورة توسيع نطاق الحرب
وفي هذا السياق تبدو خطورة حرب الصواريخ بين اليمن والسعودية. فمثل هذه الحرب التي قد تنشأ نتيجة للتوسع في استخدام الصواريخ أرض- أرض من جانب اليمنيين ضد السعودية من شأنها أن تحول الصراع الحالي في اليمن من صراع يمني- يمني بين طرفين يتنازعان السلطة، الرئيس هادي من جانب وتحالف الحوثي- صالح من الجانب الآخر، إلى صراع يمني- سعودي يستهدف المدن والمنشآت في البلدين. ومثل هذا الصراع قد يطول لسنوات خصوصا مع زيادة نفوذ قوى التطرف الطائفي الشيعي- السني في كل من البلدين. إن حرب الصواريخ التي نشبت بين طهران وبغداد خلال سنوات الحرب بين البلدين وصلت إلى ذروتها عام 1988 خلال فترة ما سمي بـ “حرب المدن” التي استمرت لمدة 52 يوما وتعرضت فيها كل من بغداد وطهران لقصف صاروخي مركز بصواريخ أرض- ارض من كل طرف تجاه الآخر. ومن الملاحظ إنه بينما أطلقت القوات العراقية صواريخها على مدن عديدة في إيران، فإن القيادة العسكرية في طهران اختارت أن تركز ضرباتها على العاصمة العراقية بغداد. وقد تلقت بغداد وحدها خلال فترة حرب المدن 61 صاروخا من أصل نحو 77 طاروخا أطلقتها القوات الإيرانية في اتجاه العراق. وبافتراض أن القوات اليمنية الموالية للحوثيين وعلي عبد اللـه صالح سوف تستفيد من الخبرة الإيرانية السابقة، فمن المتوقع في حال امتداد حرب الصواريخ أن تلجأ القوات اليمنية إلى التركيز على ضرب العاصمة السعودية الرياض بصواريخ سكود التي يصل مداها إلى 500 كم إلى جانب ضرب مدن أخرى. وفي هذه الحال فإن القوات اليمنية ربما تحصل من إيران على إمدادات من صواريخ أرض- أرض أبعد مدى من تلك المتاحة لها حاليا.
ومع ذلك فإننا يجب أن نشير هنا إلى التكلفة العالية جدا لاستخدام صواريخ أرض- أرض. إن إطلاق صاروخ واحد من طراز سكود- ب يكلف ما يقرب من مليون دولار على الأقل مقارنة بتكلفة تبلغ نحو 45 ألف دولار/ساعة لغارات طائرات من طراز إف-15 (باستثناء تكلفة الصواريخ والقنابل التي تحملها) مع الأخذ في الاعتبار أن القوة التدميرية للغارة الجوية قد تكون أشد تأثيرا وأكثر دقة من قصف العدو بصواريخ أرض- أرض. لكن حسابات الربح والخسارة الإقتصادية تتراجع كثيرا وتصبح مجرد مؤشرات هامشية في حال الحرب التي يعتبرها كل طرف إنها حرب حياة أو موت في مواجهة الطرف الآخر. ومن المهم هنا أن نذكر أن استخدام الصواريخ أرض- ارض على نطاق واسع في الحرب اليمنية الحالية من شأنه أن يطيل أمد الحرب، كما أنه قد يؤدي إلى انتشار لهيبها إلى دول أخرى غير اليمن والسعودية.
وفي الختام نقول: إن استخدام اليمن لصواريخ سكود في الأزمة الحالية واستهداف مواقع داخل السعودية وبالقرب من العاصمة السعودية الرياض يمثل تحولا خطيرا في اتجاه العمليات العسكرية في الأزمة اليمنية الحالية. ويهدد هذا التحول بتوسيع نطاق الحرب وتحويلها من صراع يمني داخلي إلى صراع مسلح واسع النطاق بين اليمن مدعومة بإيران وروسيا وبين المملكة العربية السعودية. كما أن استخدام الصواريخ أرض- أرض قد يفتح الباب لزيادة أمد الحرب وربما أيضا إلى زيادة عدد الأطراف المباشرة المتورطة في الصراع في جنوب شبه الجزيرة العربية. ومن الضروري العمل على كبح جماح التوسع في استخدام صواريخ سكود والعمل على تقليص حدة العمليات عبر الحدود واستخدام أساليب غير تقليدية لمساندة المقاومة اليمنية والمدن المقاتلة ضد تحالف الحوثي- صالح وتشجيع المقاومة ومساندتها لتصبح هي القطب الرئيسي في الصراع ضد قوات الحوثي- صالح، وإقامة ودعم مناطق محررة من نفوذ الحوثي- صالح مع تأمين خطوط إمدادات متصلة وآمنة مع هذه المناطق برا وبحرا وجوا. وأخيرا فإن خطر بدء حرب صواريخ وخروجها عن نطاق السيطرة يهدد عمليا بنشوب حرب إقليمية تتورط فيها قوى كثيرة.
إبراهيم نوّار
المركز العربي للبحوث والدراسات