معمر فيصل خولي*
تشهد العلاقات الأميركية الإيرانية حالة من التوتر لم يسبق لها مثيل في تاريخ علاقاتهما بعد الثورة الإيرانية ، إذ بلغ التصعيد العسكري الإيراني ضد الولايات المتحدة الأميركية أوجه حينما أقدم الحرس الثوري الإيراني على إسقاط طائرة استطلاع أميركية بدون طيار، وهي بمثابة رسالة واضحة من الإيرانيين للأميركان وحلفائهم في الخليج العربي الذين توعدتهم طهران في حال أي عدوان عليها، فالأميركيين تعاملوا مع الإيرانيين مباشرة في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وهم يدركون حجم وخطورة الأوراق التي تملكها هناك.
إن حادث إسقاط الطائرة الأمريكية ، أعاد مجددا الصورة التي تبدو عليها إدارة ترمب ، منقسمة بين صقورها المتشددين ، والرئيس الحذر في الاندفاع تجاه إغراق بلده في حرب أخرى بالمنطقة ، غير محسوبة العواقب ، وقد تبدو بلا نهاية ، ما يدفعها إلى تكثيف جهودها لتحديد استراتيجيتها حيال طهران بين خيارات الرد أو ضبط النفس ، وتشديد العقوبات أو التفاوض ، كما بدا من بعض ردود فعلها على التطورات الأخيرة ، إذ يفضل ترمب – لغاية الآن- فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران ، فرده على إسقاط الطائرة لم يكن عسكريّا ، وإنما اقتصادياً ، إذ أعلن ترمب أنه سيفرض عقوبات إضافية ، وكتب ترمب -عبر حسابه في تويتر- “لم أقل إنني تراجعت عن توجيه ضربة لإيران كما يقول البعض ، وهذا خطأ .. أنا فقط أوقفت تنفيذها في الوقت الحالي”.
ورغم أن عملية إسقاط الطائرة الأميركية لم تكن الأولى ، وربما لن تكون الأخيرة ، منذ تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران ، فإنه مما لا شك فيه أنها كانت الأخطر بين محطات التوتر والانفتاح على الاحتمالات كافة ، بعد أن تحوّل المشهد الإقليمي إلى لُعبة شديدة الخطورة ، لم يعد ممكنًا معها الإمساك بقواعد مضبوطة ، إيران تملك حلفاء وأصدقاء وأنصاراً ، وحتى أتباعاً ، لديها القدرة على اللعب في أكثر من ساحة ، لكنها اليوم ، لا تظهر بمظهر الهارب من المواجهة ، بل تعمد إلى الرد التصاعدي على حدودها وفي مياهها وداخل أجوائها ، وكأن لسان حال الإيرانيون يقول للإدارة الأميركية توقفوا عن الألاعيب والمناورات ، وتعالوا مباشرة إلى المواجهة الشاملة ، وهي رسالة من شأنها تضييق هامش المناورة الأمريكية ، ودفع واشنطن الى خيارات حاسمة: إما الذهاب نحو تسوية تعود فيها عن كل قراراتها ، واما إلى المواجهة الشاملة وانتظار الحصاد.
لكن على أية احتمالاتٍ يبقى المشهد مفتوحا ؟
تدرك جميع الدول الإقليمية والدولية حتى الدولتين طرفي الصراع “الولايات المتحدة وإيران” أن الحرب ستكون مكلفة وصعبة ، سواء على صعيد التداعيات الاقتصادية أو العسكرية والأمنية والسياسية ، فالمواجهة العسكرية المفروضة لا يريدها أحد بالرغم من هذا التصعيد ، وفيما يهدد الرئيس الإيراني برفض ما يسميه شروطاً وإملاءات أميركية ، يؤكد أن بلاده لا تريد الحرب ، لكنها مستعدة للدفاع عن نفسها ، كما نسمع من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن الرئيس ترمب لا يريد الحرب ، وهناك رسائل كثيرة يتم تبادلها بين البلدين في الوقت الحالي.
هل يعني ذلك أن واشنطن وطهران تعرفان عواقب الحرب وتترددان في دخولها؟ هذا على الأقل ما تأمله دول الشرق الأوسط بشكلٍ خاص ، والتي عانت كثيرًا من المغامرات المتلاحقة ، وتسعى إلى توفير فرص أكثر استقراراً لحياة مواطنيها ولمستقبلهم ، والجماعة الدولية بشكلٍ عام لما لهذه الحرب من تداعيات سلبية على الاقتصاد والأمن العالميين.
وعلى الرغم من كل التحليلات السياسية التي كتبت في الأعوام الماضية عن تراجع أهمية الشرق الأوسط في حسابات الدول العظمى والكبرى ، ها هي إدارة ترمب تجد نفسها غارقة في امتحانٍ كبير في الشرق الأوسط الرهيب ، وتراهن إيران على تهديد الاقتصاد العالمي ، وضرب حظوظ ترمب في ولاية ثانية ، عبر رفع أسعار النفط ، ويراهن ترمب على تفعيل العقوبات الاقتصادية لإرغام إيران على إعطائه ما رفضت إعطاؤه لباراك أوباما .
المحادثات التي ستدور على هامش قمة العشرين في أوساكا هذا الأسبوع حول إيران بالغة الأهمية ، إننا في خضم الأزمة ، والتكهن صعب ، لكن قد يستنتج قادة الحرس الثوري صعوبة الاستمرار في التصعيد ضد دونالد ترمب ، فالعقوبات الاقتصادية هنا وهناك ، وهز ركائز الاقتصاد الإيراني أخطر على الدولة الإيرانية من قصف المنصات الصاروخية والرادارات وتدمير الجسور ، فقد كان كانت دولة الاتحاد السوفياتي تمتلك ترسانة من أسلحته التقليدية والنووية القادرة على تدمير الكرة الأرضية، لكن هذه الدولة تفككت في كانون الأول/ديسمبر عام 1991م ، من دون أن تطلق الولايات المتحدة الأمريكية أية رصاصة عليها.
خلاصة القول بعد اسقاط الطائرة الأمريكية وربما يقدم الحرس الثوري على تكرارها لذا بات من الضروري على واشنطن وطهران النزول عن الشجرة للحفاظ على السلم والأمن والاقتصاد العالمي لأن الحرب المفتوحة بينهما ستقود إلى كوارث علمها عند الله والراسخين في العلم.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية