بعدما تقهقر تنظيم داعش من المناطق التي احتلّها في العراق، خلّف وراءه عبوات ناسفة ومتفجرات وألغاماً كثيرة، تسبّبت في قتل وإصابة عدد كبير من المدنيين الذين حاولوا العودة إلى منازلهم بعد تهجير طال.
يُثير ملفّ العبوات الناسفة والألغام بمختلف أشكالها في المناطق العراقية المحرّرة، شمال وغرب البلاد، انتقادات واسعة للحكومة والأجهزة الأمنية، بسبب استمرار تسجيل ضحايا بين المدنيين من وقت إلى آخر. وتفيد دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في العراق بأنّ “70 في المائة من العبوات الناسفة والمخلفات الحربية غير المنفجرة ما زالت تحت الأنقاض في المناطق المستعادة من تنظيم داعش”، مضيفة أنّ “مخاطر تلك العبوات هي التي تحول دون عودة النازحين إلى ديارهم، علماً أن المخاطر الناتجة عنها تجعل العراق من أكثر البلدان تلوثاً بها في العالم”.
يقول مسؤول عراقي في المديرية العامة للدفاع المدني إنّ “المتفجرات بمختلف أشكالها داخل مدن غرب وشمال البلاد تقدّر بعشرات الأطنان، وما زالت موجودة بين المنازل والشوارع والساحات العامة والمناطق الزراعية المختلفة، على امتداد نحو 200 ألف متر مربع”. ويبيّن المسؤول العراقي الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لـ”العربي الجديد” أنّها “بغالبيتها تحت الأرض، وهي على شكل عبوات ناسفة وألغام وصفائح معدنية محشوة بالمتفجرات، وكلّها بدائية الصنع صُمّمت لتنفجر بطرق مختلفة”، مشيراً إلى أنّ العراق في حاجة إلى أجهزة حديثة للكشف عنها، وبالتالي رصد مبالغ إضافية لهذه المهمة التي تتطلّب وقتاً إضافياً قبل القول إنّها باتت مشكلة ثانوية في تلك المدن”. ويتحدّث عن “فرق تطوعية أوروبية وأخرى تابعة للأمم المتحدة، تعمل على مساعدة الناس”، لكنّه يؤكد أنّ “الملف يبقى خاضعاً للحكومة، وتحديداً وزارتي الدفاع والداخلية. وأسبوعياً، يُزال ما بين 60 و100 عبوة ناسفة وجسم متفجر من تلك المدن، تنقل إلى مناطق صحراوية وتفجر. وهناك أجسام يتعذّر تفكيكها وتنفجر في المكان الذي وجدت فيه”.
ويوضح المسؤول نفسه أنّ “الدعم المقدم من بريطانيا يؤثر بشكل كبير على جهود إزالة الألغام في البلاد، ما يسمح بمواصلة وتعزيز أنشطة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في المناطق المحررة، بالتعاون مع شركائها وحكومة العراق”، لافتاً إلى أنّ “الدائرة أنشأت إطاراً للاستجابة الإنسانية يهدف إلى الحدّ من المخاطر الناتجة عن الألغام من خلال ثلاثة مجالات رئيسية: الإدارة المباشرة من خلال الإزالة، تعزيز قدرة الحكومة من خلال التدريبات، وتوعية المجتمعات النامية والنازحة”. ويتحدث عن “استخدام أدوات مبتكرة وحديثة، كالتلفزيون وطباعة الرسائل المنقذة للحياة وإلصاقها على سيارات الأجرة وعلب التمر وزجاجات المياه والقفازات، فضلاً عن استخدام نظارات الواقع الافتراضي للتوعية حول مخاطر المتفجرات”.
تجدر الإشارة إلى أنّ القائم بالأعمال البريطاني في بغداد جون توكنوت كان قد أكد في وقت سابق أنّ بلاده أكبر مساهم في صندوق التبرعات الائتماني للأعمال المتعلقة بالألغام في العراق، وأنّها تدعم دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام بهدف إزالة الخطر الناتج عن الألغام، وتثقيف المجتمعات المتضرّرة حول كيفية الحفاظ على الأمان، والمساعدة في تدريب الهيئة الوطنية لإزالة الألغام.
من جهته، يقول مسؤول في وزارة الهجرة العراقية، إنّ “أحد الأسباب الرئيسية التي تمنع عودة الاستقرار في المدن هي العبوات التي زرعها داعش”، مؤكداً لـ “العربي الجديد” أنّ “وزارة الهجرة لا تستطيع إعادة العائلات القاطنة في الخيام من دون تأمين المناطق، علماً أنّها غير معنية بالأعمال الفنية”. ويلفت مفضّلاً عدم الكشف عن هويته إلى أنّ “البحث جارٍ مع الوزارات المعنية لإرسال فرق هندسية إلى مناطق غرب العراق، منها القائم وراوة وعنة وهيت ومركز مدينة الرمادي، بالإضافة إلى مناطق الموصل وصلاح الدين. لكن حتى الآن، ما من استجابة بسبب غياب الدعم المالي من الوزارات والجهات المعنية”. ويحمّل “نواب الحكومة والأجهزة المعنية المسؤولية”، مطالباً بإجراءات “تتناسب وحجم المخاطر”.
في السياق، يقول النائب عن تيار الحكمة علي البديري لـ “العربي الجديد” إنّ “التقصير واضح من قبل الأجهزة المتخصصة”، مبيناً أنّ “إزالة الألغام ليست عملاً بسيطاً، وغالبية الدول تستعين بمنظمات دوليو”. ويؤكد “رصد أموال كبيرة من قبل الدول لهذا الملف. حتى الآن، لم يعرف مصيرها”. أمّا النائب السابق عن نينوى محمد نوري العبد ربه فيقول لـ”العربي الجديد”: “لم يكن هناك عمل مهني أو منسق بين الحكومات، سواء المهنية أو المركزية، وبين تلك المنظمات. وكان يُفترض أن يتمّ الأمر بعد عمليات التحرير. لكنّ ذلك لم يحدث ولم تؤخذ تلك الأمور على محمل الجد”. ويؤكد أنّ “الشعب العراقي يدفع الثمن في هذه المناطق عندما تنفجر عبوة هنا وعبوة هناك”، مشدداً على حاجة إلى “قرار مركزي وجهود متخصصين. وفي حال تمّ ذلك، فإنّ كل المناطق سوف تطهّر من الألغام والعبوات الناسفة في خلال مدة لا تزيد عن شهرين”.
العربي الجديد