إذا كان الجو حار للغاية في هذا الوقت من العام في البحرين، فتكييف الهواء داخل الفنادق الكبرى كفندق “فور سيزنس” يتسم ببرودة مذهلة. ولكن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت هذه الأجواء ستزيد من حرارة المساعي الدبلوماسية في الورشة الاقتصادية التي بدأت مساء الخامس والعشرين من حزيران/يونيو في الفندق برعاية أمريكية وتحت عنوان “السلام من أجل الازدهار”.
إن المؤشرات لا تبشر بالخير. فالصحيفة الرئيسية باللغة الإنكليزية في البحرين، “غلف ديلي نيوز”، لم تأتِ يوم الاثنين على ذكر المؤتمر، على الرغم من أن هذا الأخير يشكل على ما يبدو ركيزة مهمة في اقتراح الرئيس ترامب للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي قضية سببت انقسامات في الشرق الأوسط منذ أكثر من سبعين عاماً. وحتى التغطية الإعلامية في “وكالة أنباء البحرين” الرسمية كانت شحيحة. فأحد التقارير الصادرة عن الوكالة حول إيفاد الأردن مسؤول من وزارة المالية الأردنية جاء على ذكر حل “الدولتين” ولكنه لم يستخدم كلمة “إسرائيل” حتى مرة واحدة. وعلى النحو نفسه، تفادى موقع “مواطنون من أجل البحرين” الموالي للحكومة ذكر هذه الكلمة في مقالة عن “المستوطنين الصهاينة المستعرين”.
علاوةً على ذلك، أعلنت “السلطة الفلسطينية” عن رفضها حضور المؤتمر، مما أدى إلى إفشال الدعوة المنتظر توجيهها إلى إسرائيل. لكن العديد من مدراء الأعمال التجارية الإسرائيليين سيشاركون في الورشة. بالإضافة إلى ذلك، سمحت البحرين، بعد ضغطٍ من البيت الأبيض، لعدد قليل من الصحفيين الإسرائيليين بتغطية الحدث على الرغم من عدم الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل. وبينما كان أحد المراسلين التلفزيونيين الإسرائيليين على متن “طائرة المملكة الأردنية” التي كانت تنقله من عمان إلى المنامة، غرّد بحماسة على تويتر عن احتمال عرض أول بث حي من البحرين للجمهور الإسرائيلي.
والواقع أن احتمالات [نجاح] ورشة العمل لم تبدو جيدة حتى قبل وقوع الهجمات الأخيرة على ناقلات النفط وإسقاط إيران للطائرة الأمريكية بدون طيار. فالمؤتمر الذي كان مُعد في الأساس للمشاركة [من قبل مسؤولين] على مستوى وزراء المالية، أصبح اليوم اجتماعاً لنواب الوزراء في أحسن الأحوال. وقد شعرت مصر والأردن أن دعوتهما جاءت متأخرة، بينما امتنعت لبنان [والعراق] عن المشاركة.
وهناك افتراض دقيق على الأرجح وهو أن البيت الأبيض كان يستهدف في الأصل بأن يكون المؤتمر ورقة توت لعلاقات اقتصادية أكثر انفتاحاً بين إسرائيل والثنائي الخليجي المؤلف من السعودية والإمارات. فولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والقائد الفعلي للإمارات الأمير محمد بن زايد يعتبران إسرائيل شريكاً طبيعياً في المرحلة المستقبلية التي تلي مرحلة النفط، وفقاً للأشخاص الذين قابلوا الاثنين. وما يوطّد أواصر العلاقة بين هذه الدول الثلاث هو قلقها المشترك من إيران.
بيد أن هذه الآمال كانت سابقة لأوانها. فالفعالية المرتقبة في فندق “فور سيزنس البحرين” لن تكون بمثابة حفل تعريف وتعارف. ومن غير المرجح أن يشهد حفل الافتتاح تبادلات ودية بين الإسرائيليين والعرب – وحتى أقل احتمالاً أن تسمح السلطات البحرينية لكاميرات التلفزيون الإسرائيلي بتغطية الحدث.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، نشر البيت الأبيض الخطة الاقتصادية التي يفترض أن تشكل إطاراً لمناقشات المؤتمر، متوقعاً (بدلاً من واعداً بـ) مساعدات اقتصادية للفلسطينيين تتعدى الخمسين مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة. وكما كان متوقعاً، فإن الخطة لم تأخذ في الحسبان إنشاء دولة فلسطينية وبالتالي تم رفضها من قبل العديد من الفلسطينيين وغيرهم من الأطراف. وتم أيضاً نشر الجدول المفترض لأعمال المؤتمر من خلال تغريدات على “تويتر”، حيث يضم المؤتمر شخصيات بارزة مثل مديرة “صندوق النقد الدولي” كريستين لاغارد، مما يشير إلى أن المقاربة المتبعة ستبدأ من المستويات العليا نزولاً إلى الدنيا بدلاً من المقاربة التصاعدية من الأسفل إلى الأعلى.
وفي المقابل، يمكن التفاؤل بالخير والقول إن المؤتمر سيكون مفيداً للبحرين – طالما أن الإيرانيين المتواجدين عند الجهة المقابلة من الخليج سيحافظون على رباطة الجأش وحسن السلوك. لكن الوضع الداخلي لا يخلو من التوتر: فالغالبية الشيعية والسكان السُّنة في الجزيرة البحرينية موالون للفلسطينيين، على الرغم من أنهم لن يعارضوا علناً على المدى القصير الجهود الدبلوماسية التي يبذلها الملك حمد بن عيسى آل خليفة. فهو يفتخر بوجود مقر “الأسطول الأمريكي الخامس” على أرض بلاده ويتمتع بتفاؤل مستمر بإحداث تقارب بين الأديان.
ومع ذلك، ربما من الأفضل تأجيل وضع العلامات لتقييم نسبة نجاح المؤتمر (أو خلافاً لذلك) لفترة من الوقت. فعلى غرار الرؤية الضعيفة الناجمة عن ضباب البحر الذي يلف فندق “فور سيزنس” في هذا الوقت من العام، قد يكون من الصعب التطلع إلى المدى البعيد ومعرفة ما ستؤول إليه الأمور.