الإرهاب الاقتصادي ودوره في تدمير الشعوب

الإرهاب الاقتصادي ودوره في تدمير الشعوب

الباحثة شذى خليل*

بدأ يتضح مفهوم الإرهاب الاقتصادي مع تراجع الإرهاب العسكري على الصعيد الدولي ، ويقوم على الأعمال التخريبية التي تستهدف تعطيل وتدمير الخطط والبرامج ومشاريع التنمية الاقتصادية ، وضرب البنى التحتية في الدول والمجتمعات النامية لعرقلة نهوضها ، ولإبقاء تلك الدول والمجتمعات الناشئة متخلفة في إدارة شأنها الاقتصادي ، كي لا تتمكن من الانعتاق والتحرر ونيل استقلالها الاقتصادي ، الذي يوصلها إلى التحرر والانعتاق من التبعية السياسية والحصول على السيادة والاستقلال السياسي الحقيقي.
لا يوجد تعريف أكاديمي أو قانوني دقيق للإرهاب العام ، وغالبية التعريفات تركز على العنف والقتل وتتجاهل ممارسات دولية في مجملها تعد إرهاب دولة ضد أخرى.
يختلف تعريف الأمم المتحدة للإرهاب إلى حد ما عن تعريف الحكومة الأمريكية، ويختلف تعريف المخابرات المركزية الأمريكية لمصطلح الإرهاب عن تعريف مكتب التحريات الفيدرالي، ومهما اختلفت هذه التعريفات للإرهاب فإنها في مجملها تصب في مصلحة الدول المهيمنة على الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية.
ويتخذ الإرهاب بصورةٍ عامة أشكالاً عدة، فقد يكون إرهاباً اقتصادياً من دولة ضد دولة أخرى، أو دولة ضد مجموعة دول، أو مجموعة دول ضد مجموعة دول أخرى، أو مجموعة دول ضد دولة واحدة، ارهاب غير منظم، وارهاب منظم، وارهاب داخلي، وهناك عشرة أشكال من الإرهاب الاقتصادي غير المنظم، يلخصها فيما يلي:
1. اغراق اسواق العالم الثالث بالسلع الاستهلاكية.
2. رفع أسعار السلع الوسيطة بهدف رفع تكلفة الانتاج في الدول النامية.
3. إغلاق أسواق الدول الصناعية أمام منتجات العالم الثالث.
4. تشغيل العمالة الرخيصة في الشركات الكبرى التي لها مقار في العالم الثالث.
5. غسيل الأموال القذرة في بنوك العالم الثالث، ومن ثم معاقبتها كي تذهب الأموال بعد غسلها الى بنوك الدول الصناعية.
6. زرع الفتن كي لا يستقر الاقتصاد، وكي يضمن تدفق رؤوس الأموال الى السوق الأوروبية وأمريكا، ومن الامثلة على البلدان التي يحدث فيها زرع الفتن تلك، السودان، العراق، الهند، باكستان، سوريا، تركيا، جمهوريات اسيا الوسطى، افغانستان، الجزائر.
7. تجميد أصول أموال بعض دول العالم الثالث ومنع سحبها.
8. الاستخدام اللا أخلاقي لبعض آليات الاقتصاد، مثل اشتراط شراء السلاح لدول العالم الثالث التي تحتاج الى منح ومساعدات وقروض، ومثل ضريبة الكربون.
9. اللعبة الساخرة التي سميت بـ “علة القرن” في نهاية 1999 ، أي التحول الى الصفر في الكمبيوترات، الأمر الذي دفع شركات ومصارف وحكومات الى شراء أجهزة جديدة لتجاوز هذه المشكلة المفتعلة!!
10. التحكم في أسعار المواد الغذائية ذات الاهمية الكبرى للإنسان، كالقمح الذي استخدم في حروب كانت نتائجها مدمرة، إرهاب منظم وتحت مسمى الارهاب الاقتصادي المنظم يستعرض المؤلف:
منظمة التجارة العالمية(W.T.O) التي “لم تراع مصالح دول العالم الثالث”، وتحاول اجبار هذه الدول ـ ذات الاقتصاديات المتخلفة أو الناشئة الصغيرةـ ان تقبل بالشروط الظالمة كي تصبح عضواً في المنظمة وتدخل في فلك الدول الصناعية.
أما بالنسبة الى العولمة الاقتصادية، فهي وليدة فكر اقتصادي استراتيجي غربي انهى وقبر المعسكر الاشتراكي واستولى نهائياً على الجنوب، ومظهر هذه العولمة الواضح هو سيطرة الشركات العالمية على السلع والخدمات والايدي العاملة ورأس المال في العالم.
فالشركات متعددة الجنسية تسيطر على 80% من تجارة السلع الدولية، وايراداتها تبلغ 11.50 ترليون دولار، تمثّل 194% من الناتـج المحلي الاجمالي لدول العالم الثالث، و149% من الناتـج الاجمالي للولايات المتحدة.
اما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذان يعملان على العكس من اهدافهما الاولى، وتحولا إلى ذراعين قويين لدول الارهاب الاقتصادي، وبسبب الآليات والسياسات التي يضعانها بإيعاز من دول الارهاب الاقتصادي، فإنهما ساهما في تخريب مشاريع التنمية والاصلاح الاقتصادي.
ولعل اوضح مثال على تلك النتائج التي تنتهي اليها الاقتصاديات التي تخضع لهما: “الاقتصاد الارجنتيني”، فالجزء الاكبر من قروض صندوق النقد الدولي لا يبرح خزائنه، حيث يتحوّل الجزء الاكبر الى سداد القروض والفوائد المترتبة عليها، وكيفية مواجهة ظاهرة الارهاب الاقتصادي والدور الذي يمكن ان تقوم به الاطراف المعنية في العالم.
ويعد العامل الاقتصادي من العوامل الرئيسة في خلق الاستقرار النفسي لدى الإنسان، فكلما كان دخل الفرد يفي بمتطلباته ومتطلبات أسرته، كلما كان رضاه واستقراره الاجتماعي ثابتا، وكلما كان دخل الفرد قليلا لا يسد حاجته وحاجات أسرته الضرورية، كلما كان مضطربا غير راض عن مجتمعه، بل قد يتحول عدم الرضا إلى كراهية تقود إلى نقمة على المجتمع، خاصة إن كان يرى التفاوت بينه وبين أعضاء آخرين في المجتمع، مع عدم وجود أسباب وجيهة لتلك الفروق، إضافة إلى التدني في مستوى المعيشة والسكن والتعليم والصحة، وغيرها من الخدمات الضرورية التي يرى الفرد أن سبب حدوثها هو إخفاق الدولة في توفيرها له بسبب تفشي الفساد الإداري، وعدم العدل بين أفراد المجتمع.
هذه الحالة من الإحباط والشعور السلبي تجاه المجتمع يولد عند الإنسان حالة من التخلي عن الانتماء الوطني، ونبذ الشعور بالمسئولية الوطنية، ولهذا يتكون لديه شعور بالانتقام.

الأسباب السياسية:
ان المنهج السياسي الواضح واستقراره، والذي يعمل وفق معايير وأطر محددة يخلق الثقة، ويوجـد القناعة، ويبني قواعد الاستقرار الحسي والمعنوي لدى المواطن، والعكس صحيح تماما، فإن الغموض في المنهج والتخبط في العمل، وعدم الاستقرار في المسير يزعزع الثقة، ويقوض البناء السياسي للمجتمع، ويخلق حالة من الصدام بين المواطنين والقيادة السياسية، وتتكون ولاءات متنوعة، وتقوم جماعات وأحزاب، تدغدغ مشاعر المواطن بدعوى تحقيق ما يصبو إليه من أهداف سياسية، وما ينشده من استقرار سياسي ومكانة دولية قوية.
الأسباب النفسية والشخصية:
تتفاوت الغرائز الدافعة للسلوك البشري، فبعضها يدفع إلى الخير، وأخرى تدفع إلى غير ذلك، ولهذا يوجد أشخاص لديهم ميول إجرامية تجعلهم يستحسنون ارتكاب الجرائم بصفة عامة، والجرائم الإرهابية بصفة خاصة، بل قد يتعطشون لذلك، وهؤلاء يميلون إلى العنف في مسلكهم مع الغير، بل مع أقرب الناس إليهم في محيط أسرهم، نتيجة لعوامل نفسية كامنة في داخلهم تدفعهم أحيانا إلى التجرد من الرحمة والشفقة، بل والإنسانية، وتخلق منهم أفرادا يتلذذون بارتكاب تلك الأعمال الإرهابية، وهذه الأسباب النفسية قد ترجع إلى عيوب أو صفات خَلقية أو خُلقية، أو خلل في تكوينهم النفسي أو العقلي أو الوجداني، مكتسب أو وراثي.
الإرهاب الفكري:
أما الإرهاب الجديد، فهو الإرهاب الفكري لإقصاء رأي الآخرين الذين لا يوافونهم الرأي، خاصة الديني، إذ لا يزال الباب مفتوحا فيه للفتاوى بعيدا عن المساس بالعقيدة والثوابت الدينية، ولقد اتبعت بعض الدول سياسة إما معي أو ضدي، ولم تترك لأحد الحيادية، وهذا بلا شك نمط من انماط الإرهاب الممنهج الذي تستغله لتحقيق مكاسب سياسية وبالتالي تنجز المكاسب الاقتصادية.
إن استغلال الإرهاب الفكري لتحقيق مكاسب اقتصادية يعد إرهابا اقتصاديا لأنه يدفع الأموال للخروج من أوطانها .
ويعد هذا النوع خطرا كونه يبطش بالوعي وبالفكر، وبالذاكرة، وبالحلم، كما أن الإرهاب الدموي الممارس يومياً هو بطش بالجسد وتخريب البيئة وقطع العلاقة مع الأرض والتاريخ والذاكرة.
وبالإمكان القول إن هذا النوع من الإرهاب الفكري هو استخفاف بعقولنا، فمشاهد القتل والاغتيال والإبادة والتّفجير والتّخريب والتّدمير والاعتقال والإذلال والظّلم، تفضي إلى حالة من الخوف والهلع والشّعور بالقلق وانعدام الأمن والاستقرار في النّفس.
والإرهاب الفكري موجود في كل المجتمعات بنسب متفاوتة، وهو ظاهرة عالمية، ولكنه ينتشر في المجتمعات المنغلقة وذات الثقافة المؤدلجة والشمولية، ويتجسد في ممارسة الضغط أو العنف أو الاضطهاد ضد أصحاب الرأي المغاير أفراداً كانوا أم جماعات، وذلك بدعم من تنظيمات سياسية أو تنظيمات دينية تحرض عليه وتؤججه، والهدف هو إسكات الأشخاص وإخراسهم ليتسنى لهذه التنظيمات نشر أفكارها دون أية معارضة من التيارات الأخرى، والويل لمن تسول له نفسه الخروج عن الخط المرسوم له.

الإرهاب في القانون الدولي:
يشجب القانون الدولي الإرهاب الصادر عن أنظمة سياسية أو أفراد، ويطالب الدول بضرورة الامتناع عن تأييد النشاطات الإرهابية أو مساعدتها، بل إنه يدعو إلى مكافحة هذه الأعمال بكل الوسائل، ويحدد العقوبات في حالة ممارستها سواء أكان مرتكبوها أفرادا أو منظمات سياسة أو دولا، وقد استند القانون الدولي إلى عدد كبير من الاتفاقات الدولية التي تدعو إلى ذلك، ومنها: اتفاق منع إبادة الجنس، واتفاقا طوكيو ومونتريال حول إدانة الأعمال المخالفة للقانون على متن الطائرات، واتفاق إدانة خطف الدبلوماسيين، واتفاق إدانة احتجاز الرهائن، واتفاق منع التعذيب، واتفاق إدانة القرصنة البحرية، واتفاق الأشخاص المحميين دوليا… الخ، يضاف إلى ذلك، العديد من البيانات التي صدرت عن الهيئات الدولية أو القرارات المتعلقة بالموضوع، وهذا يؤكد على أن القانون الدولي شمل في أحكامه إرهاب الفرد وإرهاب الدولة، وأكد على وجوب إنزال العقوبة بالاثنين معا، وحرص على أن يحظر على الدولة ممارسة الإرهاب أو القيام بما يخالف القانون الإنساني الدولي -لا سيما اتفاقيات جنيف الرابعة عام 1949- تحت أي ذريعة كانت، واستجابة لأي سبب أو حافز أيا كان نوعه، لكن بسبب عدم وجود تعريف موحد للإرهاب متفق عليه من قبل المجتمع الدولي.
وهنا نصل الى نتيجة انه كثرت المحاولات الفردية من الدول والفقهاء لتعريف الإرهاب، فتعددت التعاريف، واختلفت الدول في موقفها من مفهوم الإرهاب، فقد عُرف الإرهاب بأنه ” أي عمل عنف منظم يهدف إلى خلق حالة من اليأس أو الخوف بقصد زعزعة ثقة المواطنين بحكومتهم أو ممثليها، أو بقصد تهديم بنية نظام قائم، أو بقصد تدعيم أو تعزيز سلطة حكومة قائمة”.
كما تم تعريفه بأنه “أي عمل منظم يستعمل فيه العنف “فعل جرمي”، أو التهديد باستعمال العنف لخلق جو من الخوف بقصد القمع والإكراه، أو بقصد تحقيق أهداف سياسية”.

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية