يحذّر خبراء عسكريون من أن تهديد الصواريخ الباليستية الإيرانية قد يتجاوز القوات الأميركية والمصالح الأميركية في المنطقة ليطال دول الاتحاد الأوروبي والحدود الجنوبية لحلف شمال الأطلسي. ويعتبرون أنه بات لزاماً على الاتحاد والحلف أن يتعاملا مع هذه التهديدات بجدّية أكبر بدلاً من دفن الرأس في الرمال بحجة غياب أدلة تجرم الاعتداءات الإيرانية التي استهدفت أخيراً عدداً من ناقلات النفط والسفن تجارية في مياه المنطقة.
براين هوك، الممثل الخاص لوزير الخارجية الأميركي لشؤون إيران والمستشار الأعلى لشؤون السياسة في وزارة الخارجية الأميركية، طلب من الأوروبيين قبل أيام أن يكون لهم موقف واضح لا لبس فيه تجاه إيران. ودعاهم إلى الاختيار بين بلاده أو التعامل مع إيران. فهو يرى أن “استماتة” الاتحاد الأوروبي في دفع طهران إلى البقاء ضمن الاتفاق النووي، من خلال آلية “إنستكس”، من شأنه أن يعزز قدراتها العسكرية. واستناداً إلى المسؤول الأميركي فقد “ارتفع الإنفاق العسكري الإيراني السنوي، وبلغ ذروته (14 مليار دولار) منذ أن وقّعت طهران الصفقة النووية مع دول (5+ 1) التي انسحبت منها واشنطن بقرار من الرئيس دونالد ترامب”. وجاءت الصفقة بالتأكيد على حساب الاستقرار الإقليمي، وبدت مكاسبها متواضعة وموقتة أمام توسع انتشار الصواريخ الإيرانية التي تهدّد المنطقة والعالم.
زيادة المدى
وكان البريغادير جنرال حسين سلامي، نائب قائد “الحرس الثوري” الإيراني، هدّد بزيادة مدى الصواريخ الإيرانية كي تتمكن من ضرب أوروبا، إذا ما شكّلت دول القارة تهديداً لطهران. وأعلن أن بلاده ستزيد مدى صواريخها من 1250 كيلومتراً إلى ألفي كيلومتر. ومنذ أن وقّعت إيران الاتفاقية النووية مع المجتمع الدولي في العام 2015، واظبت على التأكيد على أن أنشطتها الصاروخية ذات طبيعة دفاعية بحتة. لكن الاتهام الأميركي لنظامها بمدّ وكلائه في كل من العراق وسوريا أخيرا بصواريخ باليستية، جعل القلق يدق أبواب أوروبا، لأن تلك الصواريخ ستكون قريبة من أراضيها.
الحذر الأوروبي برز بعد تدشين الإيرانيين منصتين صاروخيتين محدّثتين واختبار مركبة إطلاق فاشلة العام الماضي. ويصل مدى صاروخي “زلزال” و”فتح” إلى 110 كيلومترات، فيما صاروخ “ذو الفقار” قد يتفاوت مداه ما بين 200 و700 كيلومتر. وفي فبراير الماضي أثار “المجلس الأوروبي” مسألة مواصلة طهران جهودها لتحسين دقة ومدى صواريخها، وأبدى مخاوفه من نظامي صواريخ باليستية لديها هما “ديزفول” الباليستي الذي يعمل بالوقود ويصل مداه إلى ألف كيلومتر، وهو نسخة مطورة من مجموعة “فاتح 110” التي استخدمتها إيران في عمليات عسكرية ضد مجموعات في سوريا (مرتين) والعراق (مرة واحدة). ولم تتوقف طهران عن تطوير صواريخ باليستية أخرى منها “خورام شاه” الذي يعمل بالوقود السائل، ويعتمد على تصميم كوري شمالي فشل في اختبارات الطيران المتعددة وهو الأحدث في ترسانة الصواريخ الإيرانية، ويبلغ مداه نحو ألفي كيلومتر، ويمكن تجهيزه برأس حربي بيوني، ما يعني أنه يمتلك قدرة على المناورة قبل الوصول إلى هدفه.
تسليح الوكلاء
رياض قهوجي مدير “مركز الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري” (إنيغما)، رأى “الصواريخ الباليستية الإيرانية إذا تم نصبها في شمالي العراق أو شمالي سوريا قد تهدد الحدود الجنوبية لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي في حين ستهدد الصواريخ المضادة للسفن المتمركزة على ساحل البحر المتوسط أو البحر الأحمر أو الخليج العربي خطوط الشحن وقد تقطع طرق التجارة الرئيسية”، وقال لـ “إندبندنت عربية”، “إن الأحداث الأخيرة كشفت عن القدرة التي بنتها في المنطقة عبر القوى الوكيلة. فلدى الحرس الثوري الإيراني الآن عدد كبير من الميليشيات بالوكالة في تلك الدول، وأعضاؤها بعشرات الآلاف، وهم مزوّدون بترسانة كبيرة من الأسلحة التي تشمل صواريخ باليستية وطائرات هجومية مسيّرة وصواريخ مضادة للسفن”.
واعتبر أن “السياسة الطويلة المتسامحة والمهدئة التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي وإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تجاه سياسات طهران التوسعية أتاحت لها تأسيس نفسها عسكرياً في كلّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن”.
مضاعفة التخصيب
في المقابل، لم يتعامل الاتحاد الأوروبي ومعه الناتو حتى الآن بحزم كافٍ مع التهديدات الإيرانية، على الرغم من تحذيرات طهران من أنها ستنتهك قريباً حدود تخصيب اليورانيوم المنصوص عليه في اتفاقها النووي مع القوى العالمية، بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، وبعد تحريك سفنها الحربية إلى مياه المنطقة. وباتت التهدئة الأوروبية الراهنة تجاه التصعيد الإيراني موضع تساؤل. فعلى الرغم من إعلان المتحدث باسم “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” زيادة معدل التخصيب إلى 4 أضعاف، بحيث يتم يتجاوز الحد المسموح به وهو 300 كيلوغرام، لا يزال الاتحاد الأوروبي يتوسل قيادتها البقاء في الاتفاق. ويعتبر مراقبون أنه كان الأجدر بالكتلة الأوروبية الانسحاب من الصفقة، أو على الأقل محاولة التفاوض على اتفاق جديد مع الأمم المتحدة خصوصاً بعدما أظهر تقرير “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” عدم امتثال طهران للاتفاق المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
آلية “إنستكس”
الاتحاد الأوروبي دعا طهران مراراً إلى بذل مزيد من الجهود لإبقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة. فما الذي تريده إيران من أوروبا؟ تقول صحافتها “إنها تسعى إلى إيجاد شروط أفضل للاتفاق النووي وتطالب دول الاتحاد ببذل المزيد لمساعدة الاقتصاد الإيراني، والتعويض على الأقل عن بعض الأضرار الناجمة عن العقوبات الأميركية المفروضة عليها”. لكن الأوروبيين وجدوا صعوبة في تلبية مطالب طهران، فأوجدوا ما سمى بـ”الاتفاقية ذات الأغراض الخاصة” (إنستكس)، المصممة للسماح لشركات أوروبية بتجاوز العقوبات الأميركية ومواصلة التجارة مع إيران. لكن هذه الآلية تأخرت بحسب المسؤولين الإيرانيين وآثارها ستكون محدودة وتظل غير كافية.
تجربة العراق
وزير الخارجية الأميركي مايك بوميبو كشف أن لدى مسؤولي الاستخبارات الأميركية الكثير من البيانات والأدلة التي تشير إلى تورط إيران في الهجمات على ناقلتين نفطيتين في الخليج. وعلى الرغم من تصريحات وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت بأن بريطانيا “شبه متأكدة” من أن طهران تقف وراء الهجمات على ناقلات النفط، فإن الاتحاد الأوروبي التزم الصمت. وربما ترتبط دعوات الاتحاد إلى منح مزيد من الوقت لتقييم الأدلة، في تحاشي سيناريو العراق العام 2003، عندما قالت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا إن لديهما أدلة قاطعة على امتلاك نظام صدام حسين أسلحة دمار شامل، لم يتم العثور عليها فيما بعد. ويعكس هذا الحذر كلام وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن الذي قال: “نحتاج إلى تفويض واضح من الأمم المتحدة حتى تتمكن لجنة التحقيق من العمل لإثبات تورط إيران في تلك الهجمات. لا يمكننا مرة أخرى كما في العام 2002 العمل مع فرضيات أثبتت أنها خاطئة”. ويبدو أن حرب العراق جعلت بعض الدول الأوروبية مثل هولندا تشترط الحصول على أدلة استخباراتية خصوصا المشاركة في أي تدخل عسكري أساسي من جانبها. والهولنديون كما دول أخرى ليست لديهم بعد معلوماتهم الخاصة عن التطورات الأخيرة التي يُخشى أن تقود إلى مواجهة عسكرية أميركية إيرانية.
ويقول المحلل قهوجي إنه “على الرغم من أن عدداً من الدول الأوروبية والقوى العالمية الأخرى كانت على خلاف مع الرئيس ترمب بشأن انسحابه من المعاهدة النووية مع إيران، ومع ذلك، فإن القرار الأخير لطهران تعليق بنود الاتفاق واتخاذ الخطوات اللازمة لزيادة مستويات تخصيب اليورانيوم واحتياطياتها، قد ينهي نقطة الرفع الرئيسية المتبقية وتقرب الدول الأوروبية من الموقف الأميركي”. ويرى “أن إيران مستعدة للجوء إلى وسائل عنيفة ودفع الوضع إلى حافة الحرب، على الرغم من أن ميزان القوى ليس لمصلحتها أمام الولايات المتحدة”. وأشار إلى “أنها تستخدم بشكل أساسي استراتيجية الابتزاز عبر تحذير المجتمع الدولي من أنه إذا استمرت العقوبات بلا بدائل لممارسة الأعمال التجارية مع العالم الخارجي، فستدفع بالصراع الراهن نحو حرب إقليمية تمتد من أفغانستان إلى ساحل البحر المتوسط ويشمل ممري هرمز وباب المندب الاستراتيجيين”.
اندبندت العربي