رفع إيران لمخزون اليورانيوم… خطة مدروسة أم حافة الهاوية؟

رفع إيران لمخزون اليورانيوم… خطة مدروسة أم حافة الهاوية؟

يوما بعد آخر يدخل التوتر الأميركي الإيراني مرحلة جديدة من التصعيد دون أفق محسوم للرد، فخلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، أعلنت طهران تجاوزها السقف المحدد لمخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب بموجب الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وهو الإعلان الأول عن إخلالها بالتزاماتها الدولية الواردة في الاتفاق، ما دفع واشنطن للرد على لسان رئيسها دونالد ترمب بالقول إن إيران تلعب بالنار.

ووسط تبادل التصعيد الحاد بين البلدين والمتواصل منذ أشهر، إلا أن هذه المرة دخلت على خطه عدة عواصم دولية، هي لندن وباريس وبكين وموسكو، داعية طهران الالتزام ببنود الاتفاق النووي، ما دفع المراقبين للتساؤل بشأن حدود الرد الأميركي تجاه “الاستفزازات الإيرانية أتحرك للضغط أم وصول لحافة الهاوية؟، فضلا عن أفق التصعيد من قِبل إيران.

فصل جديد من التصعيد

وسط التوتر الشديد القائم مع الولايات المتحدة وتزايد المخاوف بشأن تصعيد عسكري في منطقة الخليج، أعلنت طهران “أنها تجاوزت السقف المحدد لمخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب”. وبحسب ما نقلت وكالة “إيسنا” الإيرانية شبه الرسمية، عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف “تجاوزت طهران سقف الـ300 كيلو غرام من مخزون اليورانيوم الضعيف التخصيب”.

لكن ظريف عاد وقال “إن الخطوة لا تمثل انتهاكا للاتفاق” وجادل “بأن إيران تمارس حقها في الرد على انسحاب الولايات المتحدة”. مضيفاً “أن بلاده ستتراجع عن قرارها فور التزام الدول الأوروبية الثلاثة بواجباتها” في إشارة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

من جانبها، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المكلفة بالتحقق من تطبيق طهران الاتفاق النووي، “أن مخزون طهران من اليورانيوم المخصبّ تجاوز بالفعل الحدّ المسموح به”، بحسب المتحدث باسم الوكالة الأممية. مشيرا إلى أن “الوكالة تحققت في الأول من يوليو (تموز) الحالي من تجاوز مجمل مخزون (طهران) من اليورانيوم المخصّب الـ300 كغ، وأن المدير العام للوكالة يوكيا أمانو أبلغ مجلس الحكام بذلك”. دون توضيح نسبة هذا التجاوز.

لعب بالنار

في المقابل، وبعد إعلان البيت الأبيض أن الرئيس ترمب بحث هاتفياً الملف الإيراني مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في إطار التوترات المتفاقمة في المنطقة، اعتبر الرئيس الأميركي “أن إيران تلعب بالنار”.

وقال ترمب للصحافيين في البيت الأبيض ردّاً على سؤال عمّا إذا كانت لديه رسالة لإيران “إنهم يعرفون ماذا يفعلون. يعرفون بماذا يلعبون وأعتقد أنهم يلعبون بالنار”.

وفي وقت سابق، أعلن البيت الأبيض أنّ “الولايات المتحدة وحلفاءها لن يسمحوا لإيران أبداً بتطوير سلاح نووي”، مؤكّداً “استعداد واشنطن للاستمرار في ممارسة أقصى الضغوط على طهران لإرغامها على التخلّي عن أي طموحات نووية”.

وأفاد بيان للمتحدثة باسم البيت الأبيض ستيفاني غريشام “كان من الخطأ، في الاتفاق النووي الإيراني السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم على أي مستوى”. وأضاف البيان “أنه حتى قبل وجود الاتفاق، كانت إيران تنتهك بنوده”. وردّ ظريف على ذلك في تغريدة بسخرية متسائلا “بجد؟”. وشدد “على أن إيران لم ترتكب خطأ”.

وانسحبت الولايات المتحدة العام الماضي من الاتفاق النووي، وأعادت فرض عقوبات على إيران استهدفت الصادرات النفطية والمعاملات المالية وقطاعات أخرى. وسعت طهران إلى الضغط على الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا) لإنقاذه عبر الالتفاف على العقوبات الاميركية وخصوصاً في بيع نفطها، وأعلنت في الثامن من مايو (أيار) الماضي، “أنها لن تعود ملزمة بالحدّ من مخزونها من اليورانيوم المخصّب والمياه الثقيلة”.

الدول الأوروبية تدخل على الخط

وسارعت كل من العواصم الغربية والصين وروسيا للتعبير عن قلقها بشأن الخطوة الإيرانية، داعين إياها ضرورة الالتزام ببنود الاتفاق النووي.

ففي موسكو، دعت الخارجية الروسية إيران إلى “عدم الانسياق وراء العواطف واحترام الأحكام الأساسية من الاتفاق النووي رغم الضغوط الأميركية”، ودعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أيضاً الأوروبيين إلى “الوفاء بوعودهم والتزاماتهم”. واعتبر أن “من دون ذلك، سيكون من الصعب جداً إجراء حوار بنّاء ومنتج بشأن إنقاذ الاتفاق”.

وكانت روسيا أعربت، الاثنين، عن أسفها لتجاوز مخزون طهران من اليورانيوم المنخفض التخصيب حدّ الـ300 كغ، ودعت إلى “عدم المبالغة في تصوير الوضع”. ونددت بـ”الضغوط الأميركية غير المسبوقة التي تمارسها الولايات المتحدة على إيران منذ قرار ترمب الانسحاب بشكل أحادي من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018″.

كما أعربت الصين عن أسفها لقرار إيران تجاوز الحدّ المسموح من اليورانيوم المخصّب، لكنها عزت الأمر إلى “أن الضغط الأقصى، الذي مارسته الولايات المتحدة هو السبب الرئيسي للتوترات”.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ “إن الصين تأسف للتدابير التي اتخذتها إيران. في الوقت نفسه، أشرنا مراراً إلى أن الضغط الأقصى الذي تمارسه الولايات المتحدة هو مصدر التوترات الحالية”.

وحثت الدول الأوروبية، (وخصوصا فرنسا)، إيران “على عدم ارتكاب خطأ خرق الاتفاقية”. ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الثلاثاء طهران إلى “العودة من دون تأخير عن تجاوز مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب”.

وأفاد بيان أصدرته الرئاسة الفرنسية “أن الرئيس متمسك بالاحترام الكامل لبنود الاتفاق النووي المبرم عام 2015″، مشيراً إلى “أنه سيواصل في الأيام المقبلة الإجراءات التي اتخذها لكي تتقيّد إيران بشكل كامل بالتزاماتها وتواصل الاستفادة من المنافع الاقتصادية للاتفاق”.

من جانبها، جاء رد الفعل البريطاني الأقوى، معتبرة الإعلان الإيراني “مقلقا للغاية”. وقال وزير الخارجية جيريمي هانت عبر تويتر “أحث إيران على عدم الابتعاد عن الاتفاق والتقيد مجددا بالتزاماتها”.

وبالتزامن مع القلق الغربي، جاءت أيضا دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إيران إلى التمسك بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي وحل الخلافات من خلال آليات الاتفاق، بحسب المتحدث باسمه. ودعا غوتيريش إيران إلى “مواصلة تطبيق جميع التزاماتها النووية بموجب الاتفاق النووي”.

وعلى وقع التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران، توافقت أغلب الآراء والتحليلات بشأن الخطوة على “أنها مسعى إيراني للضغط على الأوروبيين لزيادة دعمهم الاقتصادي لها، ومحاولة إيجاد مخرج للعقوبات الاقتصادية القاسية التي تفرضها الولايات المتحدة”.

ورأت مروة عدلي، الباحثة في الشأن الإيراني، “أن الخطوة الإيرانية لرفع مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب ما هي إلا ورقة ضغط جديدة على الشركاء الأوروبيين في الاتفاق النووي لإيجاد حل للالتفاف على العقوبات الإيرانية”.

وبحسب عدلي، “فإن خيار العمل العسكري لا يزال مستبعدا، إذ لم تتحرك الولايات المتحدة عند أقصى درجات التصعيد ضدها بشكل مباشر، عندما أقدمت طهران على إسقاط طائرة أميركية مسيرة، قالت إنها انتهكت الأجواء الإيرانية، فيما نفت واشنطن الأمر”.

وكانت العلاقة بين طهران وواشنطن وصلت إلى مستوى خطير من التوتر مع قيام إيران في العشرين من يونيو (حزيران) بإسقاط طائرة مسيرة أميركية. ما تبعه إعلان الرئيس ترمب “أنه أوقف عمليات عسكرية ضد أهداف إيرانية قبل 10 دقائق فقد من صدور القرار”.

وفيما اعتبرت عدلي، “أن أقصى الخسائر التي قد تطول طهران من لعبتها الجديد، هو نجاح الرئيس الأميركي ترمب من حشد الدول الأوروبية إلى جانبه في اتجاه الضغط عليهم، وإجبارهم على  فرض عقوبات على طهران جراء خرق الاتفاق النووي”.

الأمر ذاته توافقت بشأنه شبكة “سي بي سي” الأميركية، قائلة “إن الخطوة الإيرانية ما هي إلا لعبة دبلوماسية من جانبها، لكسب دعم اقتصادي أوروبي”.

وبحسب الشبكة الأميركية، التي نقلت عن خبراء في الشأن الإيراني، “فإن الإعلان الإيراني لا يعني التحول بشكل مباشر إلى خطر امتلاك طهران السلاح النووي ما يعني أنها ستأخذ بعض الوقت للوصول إلى تلك المرحلة”، مضيفين، “أن البيت الأبيض فشل حتى الآن في الضغط على الحلفاء الأوروبيين لفرض عقوبات اقتصادية على إيران”.

وبحسب تعبير أحد الخبراء ممن نقلت عنهم الشبكة الأميركية، فإن “السماء لن تسقط على الأرض إذا امتلكت طهران 301 كيلو غرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، لكن العبرة تبقي في النهاية في سعيها صوب خرق كامل الاتفاق وامتلاك سلاح نووي”.

وبشأن حدود الرد الأميركي، رأت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، “أن خيارات ترمب تبقى في هذا الاتجاه محدودة”، معتبرة “أنه منذ إصرار الإدارة الأميركية على فرض أقصى العقوبات الاقتصادية على طهران، ونتائج هذه السياسية تأتي بالعكس، فهي لم تتمكن من تحجيم طهران من خرق الاتفاق النووي”.

وبحسب “نيويورك تايمز”، “أعطت سياسات ترمب المتهاونة حافزا لطهران لخرق الاتفاق النووي، في وقت تتلاشي أمام الإدارة الأميركية الخيارات لمنع ذلك الانتهاك”.

من جانبها، تساءلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، عن مدى قرب إيران من امتلاك سلاح نووي، بعد تلك الخطوة، مجيبة في الوقت ذاته وفقما نقلت عن خبراء في شؤون التسليح، “أنه على الرغم من رفع نسبة اليورانيوم المنخفض التخصيب، فإنها لا تزال بعيدة عن امتلاك السلاح النووي”. موضحة “قد يأخذ الأمر على أقل تقدير عام من الآن للوصول إلى هذا الهدف”.

وتهدد طهران أيضاً بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم لتصبح أعلى مما هو وارد في الاتفاق (3,67%)، بدءا من 7 يوليو (تموز) الحالي، وإعادة إطلاق مشروعها لبناء مفاعل أراك للمياه الثقيلة (وسط البلاد)، إذا لم تساعدها الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق (ألمانيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا) في الالتفاف على العقوبات الأميركية.

وبموجب اتفاق فيينا لعام 2015 التزمت إيران بعدم السعي لامتلاك سلاح ذري، ووافقت على الحد بشكل كبير من برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها وتخنق اقتصادها. إلا أن إعادة فرض العقوبات الأميركية بعد الانسحاب الأميركي يعزل إيران بشكل شبه كامل عن النظام المصرفي الدولي ويجعلها تفقد جميع مشتري نفطها تقريباً.

اندبندت العربية