طريقة تفكير الأسد: كيف وصلت سوريا إلى هنا وإلى أين يريد النظام الإتجاه الآن؟

طريقة تفكير الأسد: كيف وصلت سوريا إلى هنا وإلى أين يريد النظام الإتجاه الآن؟

“في 18 حزيران/يونيو، خاطب ميشيل دوكلوس وروبرت فورد منتدى سياسي في معهد واشنطن. ودوكلوس هو سفير فرنسي سابق في سوريا (2006-2009)، ومستشار خاص لـ “معهد مونتين”، ومؤلف الكتاب الجديد “لا لونغ نوي سيريين” (“ليل سوريا الطويل”). وفورد، هو سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا في الفترة (2011-2014)، وزميل أقدم في “معهد الشرق الأوسط” و “معهد جاكسون للشؤون العالمية”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما”.

ميشيل دوكلوس

لفهم ما يحدث في سوريا اليوم، على المرء أن يشخّص أولاً الأسباب الجذرية للصراع. فنظام بشّار الأسد يستخدم في أساسه، العنف وسلطة الأقلية الطائفية للحفاظ على حكمه، فيتكيّف مع الظروف الجديدة حسب الحاجة. وتبقى السلطة الحقيقية مركَّزة في أيدي عائلته، في حين اختفى “حزب البعث” تقريباً ويستمر تراجع دور القوات العسكرية في الحكم. وبدلاً منهما، ركّز النظام على تقوية النظام الرأسمالي المحبب، وأجهزة المخابرات، ونظام السجون.

ومع ذلك، لا يزال يتعين على النظام التعامل مع قضايا الشرعية. فباعتقاده أن أغلبية سكّان سوريا التي تتألف من المسلمين السنة لن تقبل أبداً حكم الأسد، الذي ركّز مع أوساطه على الحفاظ على السلطة باستخدام القوة والقمع. وتساعد الحاجة إلى الشرعية أيضاً في توضيح سبب شعوره بأنه مرغم على استعادة المزيد من الأراضي المفقودة خلال الحرب؛ ولهذا السبب يتوق إلى استعادة محافظة إدلب بمساعدة روسيا.

وهناك تبعات أخرى أيضاً ناتجة عن اعتماد الأسد المتزايد على روسيا – إلى جانب إيران و«حزب الله». فلموسكو وطهران العديد من المصالح المشتركة في سوريا، ويعتمد الكرملين على الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران للحفاظ على الاستقرار هناك. وقد يختلف البلدان بشأن مستقبل سوريا، لكن من غير المرجح أن يعرّضا علاقتهما للخطر في الوقت الراهن.

وعلى وجه الخصوص، تخشى موسكو من أن التصعيد غير المنضبط بين إيران وإسرائيل قد يعرض استقرار سوريا للخطر. وللاستمرار في التمكن من إدارة هذه المواجهات، اتّخذ فلاديمير بوتين خطوتين أساسيتين هما: السماح لإسرائيل باتخاذ تدابير من وقت لآخر ضد التوسع العسكري الإيراني في سوريا، وإعادة بناء الجيش السوري من أجل إنهاء اعتماد الأسد على إيران ووكلائها. وبالنسبة إلى المفاوضات القادمة بين الولايات المتحدة وروسيا في القدس، فمن المرجح أن تطالب موسكو بالتطبيع الأمريكي مع دمشق مقابل الوعود الروسية بالتعامل مع وجود إيران في المستقبل.

أمّا بالنسبة إلى إعادة الإعمار، فإن الوضع الحالي في سوريا يجعل من الصعب على الغرب الانخراط في أي مبادرات مشابهة هناك. وكان عدم رد الغرب على انتهاكات الأسد في وقتٍ مبكرٍ من الحرب قد علّم النظام أنّه لا يوجد حدود [للعواقب] التي يمكن أن يُفلت منها، بينما اندفع أكثر باتجاه المعسكر الروسي – الإيراني. لذلك ستحتاج الولايات المتحدة والحكومات الأخرى إلى التحلي بالصبر في المرحلة القادمة. وأدّى تواجد القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا إلى نتائج إيجابية في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»؛ وفي المستقبل، سيمنح هذا التواجد نفسه ميّزة عسكرية محليّة لواشنطن وسيساعد على التوسط في التوترات بين تركيا والأكراد السوريين.

روبرت فورد

منذ بدء الحرب، كان هناك جهد لتغيير سرد الأحداث فيما يتعلق بحركة الاحتجاج الشعبي في سوريا. وكانت هذه الحركة بمعظمها سلميّة في جميع أنحاء البلاد. وركّزت المطالب الأساسية للمتظاهرين في البداية على محاسبة أجهزة الاستخبارات بصورة أكثر على أعمالها، وليس إجبار الأسد على التنحي. إلا أنّ النظام عارض أي مساءلة أو مشاركة للسلطة وردّ على المتظاهرين باستخدام القوة، معتمداً على العنف للاحتفاظ بالسلطة منذ ذلك الحين.

وفي عام 2017، علّق الأسد قائلاً إنّ حلمه هو إنشاء دولة سوريّة أكثر تجانساً. فهو لا يدعم عودة اللاجئين وقد اتّخذ خطوات لضمان عدم دخولهم مجدداً إلى البلاد. ويستمرّ النظام أيضاً في التخلص من جماعات المعارضة واستعادة الأراضي من دون أخذ المظالم الاقتصادية المحليّة أو خطط إعادة الإعمار المستقبلية في الحسبان. وفي غضون ذلك، كان الأسد يمنح المزايا لفئة صغيرة من نُخب عالَم الأعمال الذين يدعمون النظام الرأسمالي المحبب. وقد دمّرت هذه التكتيكات مجتمعةً الطبقة الوسطى في سوريا إلى حدٍ كبير.

وفيما يتعلّق بروسيا، يتمثّل الهدف الأساسي لموسكو في سوريا بضمان بقاء الدولة. إذ يدرك بوتين أنّه يتنافس مع طهران هناك لكنّه يتأنّى في كيفية التصدي للوجود الإيراني. ويشكّل ذلك جزءاً من سبب طلبه من إسرائيل الحد من مدى استهدافها في سوريا.

وبالنسبة إلى قمة القدس، سترفض روسيا على الأرجح أي مطالب أمريكية – إسرائيلية لتقديم تنازلات متعلقة بإيران تقوّض الوجود الخاص بموسكو في المنطقة. وبدلاً من ذلك، سيطلب بوتين على الأرجح تنازلات كبيرة من المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين مقابل الوعود باحتواء الأنشطة الإيرانية في سوريا في نهاية المطاف. وحتى الآن، ما زال من غير الواضح أي نوع من التنازلات ستكون واشنطن مستعدة لتقديمها. ومهما كان الأمر، لا بدّ من أن يفهم المسؤولون الأمريكيون أنّ روسيا وإيران تتشاركان هدف تقليص النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. ورغم أنّ محاولة التسبب بانقسامٍ بينهما قد تؤدي إلى نجاحات تكتيكية قصيرة المدى، إلا أنها لن تؤدي على الأرجح إلى نتائج مهمة على المدى الطويل.

وأخيراً، أوضح الكونغرس الأمريكي الحالي أنّه لن يدعم أي جهود لإعادة الإعمار في أجزاء سوريا التي تخضع لسيطرة الأسد. وما يؤزّم هذا الموقف هو واقع بقاء المصالحة الوطنية السورية مستبعدة إلى حدٍ كبير، لأن النظام مصممٌ على الحكم من خلال [اتباع طرق] التخويف والإكراه.

معهد واشنطن