ردّت إيران، ليل أمس الجمعة، على قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية عقد اجتماع طارئ الأربعاء المقبل، بناءً على طلب الولايات المتحدة، لعرض “انتهاكات” طهران للاتفاق النووي، واصفة هذا القرار بـ”النكتة المريرة” بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق، ومؤكدة أنها ستدخل غداً المرحلة الثانية من تخفيض تعهداتها النووية، تزامناً مع انتهاء مهلة الـ60 يوماً التي وضعتها لشركائها الأوروبيين في الاتفاق، لتنفيذ التزاماتهم.
ورأت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة، في تغريدة عبر “تويتر”، أنّ الدعوة الأميركية إلى عقد اجتماع لـ”الطاقة الذرية” لمناقشة تخطّي مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب عتبة الـ300 كيلوغرام، وهو الحد المتفق عليه في الاتفاق النووي، “تظهر عزلة واشنطن لرفضها التعددية وسيادة القانون في حل القضايا الدولية”.
واعتبرت البعثة، أنّ هذه الدعوة تمثل “نكتة مريرة، حيث إنّ الدولة التي انسحبت بشكل غير قانوني وأحادي من الاتفاق النووي، وتضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراء مماثل والانسحاب منه، تُعرب عن قلقها من عدم تنفيذه (من قبل إيران)”.
وأكدت البعثة، في بيانها، أنّ تخفيض بلادها تعهداتها النووية، جاء رداً على تداعيات انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، حيث إنّها “تحظر الدول التي تريد تنفيذ تعهداتها بموجب الاتفاق النووي”، لافتة إلى أنّ التقليصات الإيرانية تهدف إلى “إعادة التوازن” إلى الاتفاق.
وأضافت البعثة الإيرانية، في تغريداتها، أنّ “الطلب الأميركي لا يتوافق مع اختصاصات مجلس المحافظين (التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية) والمعاهدات ذات الصلة”، مشيرة إلى أنّ “القضايا المتصلة بالاتفاق النووي يجب متابعتها وفقاً للآلية التي حددها الاتفاق ذاته”.
وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أمس الجمعة، أنّ مجلس المحافظين التابع لها سيلتئم الأربعاء المقبل، بناءً على طلب الولايات المتحدة، لمناقشة “خروقات إيران” للاتفاق النووي.
وكانت الولايات المتحدة تقدّمت بطلبٍ لهذا الاجتماع، بعدما أكدت الوكالة الدولية أنّ إيران قد تخطت بالفعل السقف المتفق عليه في الاتفاق، في الأول من يوليو/تموز الحالي.
”
لم يحدد ولايتي نسبة تخصيب اليورانيوم بعد تجاوز عتبة 3.67 في المائة
”
ويأتي الاجتماع لمناقشة آخر تطورات البرنامج النووي الإيراني، في حين تواصل إيران تهديدها بالانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من تقليص تعهداتها النووية، اعتباراً من يوم غد الأحد، الذي تنتهي فيه مهلة الـ60 يوماً، وذلك بعد عدم تنفيذ الأطراف الأوروبية المشاركة في الاتفاق، أياً من مطالبها خلال مدة المهلة.
وفي آخر تهديد إيراني في هذا الصدد، أعلن مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، مساء الجمعة، أنّ “الدفعة الثانية من تخفيض التعهدات ستبدأ في السابع من الشهر الحالي (الأحد)”، مؤكداً أنّ بلاده “سترفع نسبة تخصيب اليورانيوم أكثر من حد 3.67%”، وهو السقف المتفق عليه في الاتفاق النووي.
ولم يحدد ولايتي، خلال مقابلته مع موقع “khamenei.ir”، نسبة تخصيب اليورانيوم بعد تجاوز عتبة 3.67%، رابطاً ذلك بحاجات إيران “وفقاً لأنشطتها النووية السلمية”.
وأضاف ولايتي أنّ إيران ستواصل ردودها على “انتهاكات أوروبا للاتفاق النووي”، مؤكداً أنه “إذا خفّضوا تعهداتهم، فنحن كذلك سنقلصها، والعكس صحيح أيضاً”.
وأوضح مستشار خامنئي للشؤون الدولية أنّ خطوات بلاده لتقليص تعهداتها النووية “تحظى بإجماع جميع أركان الحكم” في إيران، مشدداً على أنّه بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً غداً، “سيتم العمل وفقاً للقرارات المعلنة”.
وحول مواقف الصين وروسيا، العضوين في الاتفاق النووي، قال ولايتي إنّها “مختلفة” عن مواقف بقية الأعضاء، مشيراً إلى “أنهما لم يفرضا عقوبات علينا وأبديا كل نوع من التعاون”.
وقال مستشار خامنئي إنّ سلوك الدولتين “مبني على الصداقة إلى الآن”، لافتاً إلى أن “الصين تواصل شراء النفط من إيران بالمقدار المتفق عليه بينها وبين وزارة النفط الإيرانية”. كما اعتبر أن المواقف الروسية “مؤيدة” لسياسة إيران تقليص تعهداتها النووية، وأن موسكو حمّلت “أميركا والغربيين مسؤولية عدم تنفيذ الصفقة النووية”.
وفي السياق، اتهم ولايتي أوروبا والولايات المتحدة، بالسعي إلى احتواء قدرات إيران الدفاعية ونفوذها الإقليمي، قائلاً “إنهم يريدون أن تعمل منظومتنا الدفاعية وفق رغباتهم، أو أن يقرروا حضورنا في المنطقة”. وأضاف أنّ أوروبا والولايات المتحدة “تعلنان في دعايتهما الإعلامية المكثفة، أنه لا ينبغي أن يكون لإيران حضورٌ جاد في المنطقة”، واصفاً ذلك بـ”المطالب غير القانونية وغير المقبولة”.
“لن نعتدي على أي دولة، لكننا سنرد بقوة على أي اعتداء
”
وجدد ولايتي تأكيد طهران على أنها “لا تضمر نوايا للحرب، لكنها ستدافع عن وحدة أراضيها وهويتها الوطنية والدينية”. وقال “لن نعتدي على أي دولة، لكننا سنرد بقوة على أي اعتداء”.
وفي 8 مايو/أيار الماضي، وردّاً على “الحرب الاقتصادية الأميركية ومماطلات الشركاء” الخمسة المتبقين في الاتفاق الموقّع عام 2015، أي الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) والصين وروسيا، في تنفيذ تعهداتهم، أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قرارات “مرحلية”، علّقت بموجبها إيران تعهدات نووية على مرحلتين.
وبدأت المرحلة الأولى، الشهر الماضي، وشملت رفع القيود عن إنتاج اليورانيوم والمياه الثقيلة، لتتخطى احتياطيات اليورانيوم منخفض التخصيب عتبة الـ300 كيلوغرام، اعتباراً من الأول من يوليو الحالي.
وأعلنت السلطات الإيرانية أنها ستباشر المرحلة الثانية اعتباراً من السابع من يوليو/تموز، بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً، في حال لم يلبّ الشركاء المطالب الإيرانية في القطاعين النفطي والمصرفي لتخفيف آثار العقوبات الأميركية.
وتطاول المرحلة الثانية من تقليص التعهدات النووية رفع مستوى تخصيب اليورانيوم أكثر من الحد المتفق عليه (3.67 %) في الاتفاق النووي، بالإضافة إلى تفعيل مفاعل “آراك” لإنتاج المياه الثقيلة.
احتجاز الناقلة
وفي آخر المواقف الإيرانية المتعلقة باحتجاز بريطانيا ناقلة نفط في مضيق جبل الطارق، اتهم مجلس صيانة الدستور الإيراني، اليوم السبت، لندن، بممارسة سياسة “اغتصاب أموال الشعوب”.
وقال المتحدث باسم المجلس، عباس علي كدخدايي، في تغريدة عبر “تويتر”، إن الخطوة البريطانية تظهر “عدم التزام بريطانيا بالاتفاق النووي”، وأنها لا تزال “تواصل سياسة القرصنة”.
”
اتهم مجلس صيانة الدستور الإيراني، اليوم السبت، لندن بممارسة سياسة “اغتصاب أموال الشعوب”
”
وأشار كدخدايي إلى مشاكل وقضايا تاريخية بين بلاده وبريطانيا، ليذكّر بما حدث خلال الحرب العالمية الأولى في إيران، من مقتل قرابة 10 ملايين مواطن، بسبب المجاعة، في ظل الاحتلال البريطاني لأجزاء واسعة من بلاده. وتتهم إيران القوات البريطانية التي كانت متواجدة فيها آنذلك، بالتسبب في هذه المجاعة وما تبعها من مقتل الملايين من الإيرانيين. كما أشار المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور الإيراني إلى ضبط أموال إيرانية في بريطانيا سابقاً، قائلاً إن لندن تواصل احتجازها بالرغم من أحكام قضائية أصدرتها محاكمها بالإفراج عنها.
وأعلن عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، النائب أكبر رنجبرزادة، أن البرلمان سيناقش حادثة احتجاز الناقلة، واصفاً ذلك بأنه “قرصنة معلنة تبحث بريطانيا من خلالها عن موقع فقدته في الأوساط الدولية”. وأضاف أن لندن “ستضطر إلى العودة عن هذا الإجراء”، قائلاً إن “لها تاريخا طويلا في القرصنة”.
بدوره، انتقد النائب الإيراني المحافظ محمد حسين فرهنغي، ما وصفه بـ”الموقف الدولي المتفرج تجاه القرصنة البريطانية”، آسفاً لـ”عدم إبداء الأوساط الدولية رد فعل إزاء هذه التصرفات المخالفة للقوانين الدولية”.
ورأى النائب الإيراني أن الإجراء البريطاني “عمل خطير يمكن أن يعرّض السلام الدولي للخطر بشكل جاد، لأن من شأن ذلك أن يشكل سابقة تكررها دول أخرى”، مطالباً المجتمع الدولي بـ”إعادة النظر في سلوكياته ومواجهة الدول المستعمرة”، ومتهماً واشنطن بممارسة “قرصنة مماثلة في المياه الدولية منذ أمد طويل ضد ناقلات النفط الإيرانية”.
وفي هذا الإطار، قال فرهنغي إن الولايات المتحدة “تعمل بطرق مختلفة ضد الناقلات التي تحمل النفط الإيراني، وتمنع تجارتنا عبر المياه العالمية الحرة”.
ودعا المجتمع الدولي إلى الوقوف ضد “الدول التي تمارس القرصنة واتخاذ إجراءات لازمة”، أو “أن يتحمل تبعات هذه التصرفات”.
بدوره، دعا المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حسين نقوي حسيني، بريطانيا، إلى “تنفيذ تعهداتها بموجب الاتفاق النووي إذا كانت حريصة على تفيذ الاتفاقيات”، وذلك في رد يشكل استهزاء بإعلان لندن أنها أوقفت ناقلة النفط الإيرانية تنفيذا لحظر الاتحاد الأوروبي صادرات النفط إلى سورية.
واعتبر نقوي حسيني، احتجاز السفينة الحاملة للنفط الإيراني “مخالفاً للمبادئ والمقررات الدولية… والاستيلاء على أموال الشعب الإيراني”.
العربي الجديد