في خضم التوتر الأميركي الإيراني، وبعد أيام من إعلان طهران خرقها القيود المفروضة على احتياطاتها من اليورانيوم منخفض التخصيب، أعلنت حكومة جبل طارق التابعة لبريطانيا صباح يوم الخميس الماضي احتجازها ناقلة النفط “غريس 1” المحملة بالنفط الإيراني بمشاركة أفراد من البحرية البريطانية، للاشتباه في أنها تحمل نفطا إلى سوريا، وذلك في خرق لعقوبات الاتحاد الأوروبي على نظام دمشق.
ورحبت الولايات المتحدة وإسرائيل باحتجاز الناقلة الإيرانية حيث قال مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، إن توقيف ناقلة نفط إيرانية يُشتبه بأنها تنقل نفطاً خاماً إلى سورية الخميس قبالة جبل طارق، هو “نبأ ممتاز”. وكتب بولتون على تويتر “بريطانيا اعترضت ناقلة النفط العملاقة غريس 1، المحمّلة بالنفط الإيراني إلى سورية في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي”. وتابع “أميركا وحلفاؤنا سيواصلون منع نظامَي طهران ودمشق من الإفادة من هذه التجارة غير القانونية”، من دون أن يؤكد ما إذا كانت الولايات المتحدة طلبت اعتراض تلك الناقلة. وقالت حكومة جبل طارق الجمعة إن المحكمة العليا لديها أصدرت أمرا بتمديد احتجاز الناقلة 14 يوما.
ويمثل احتجاز حكومة تعقيدا جديدا في المشهد، في حين تتعالى أصوات في إيران مطالبة باحتجاز ناقلة نفط بريطانية ردا بالمثل. حيث هدد قائد بالحرس الثوري الإيراني يوم الجمعة الماضي، باحتجاز ناقلة بريطانية ردا على احتجاز مشاة البحرية الملكية البريطانية ناقلة نفط إيرانية عملاقة في جبل طارق. وقال أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران محسن رضائي على تويتر “إذا لم تفرج بريطانيا عن ناقلة النفط الإيرانية سيكون على السلطات (الإيرانية) واجب احتجاز ناقلة نفط بريطانية”. وكتب أن “الثورة الإسلامية لم تكن الطرف البادئ بإثارة التوتر في أي قضية في عمرها الـ40، لكنها لم تتوان عن الرد على المتغطرسين والبلطجية”، مضيفا “إن لم تفرج بريطانيا عن حاملة النفط الإيرانية، فوظيفة الأجهزة المسؤولة الرد المماثل واحتجاز ناقلة نفط بريطانية”.
واستدعت الخارجية الإيرانية سفير بريطانيا لديها للاحتجاج على احتجاز الناقلة قبالة مضيق جبل طارق، وطالبت بالإفراج الفوري عنها، معتبرة أن احتجازها “عمل غير قانوني ويتعارض مع المواثيق الدولية”. كما وصفت طهران احتجاز ناقلتها من قبل حكومة تابعة لبريطانيا بأنه “قرصنة بحرية”، وشاطرت إسبانيا الرأي في أنه جاء بناء على طلب أميركي، وهو ما نفته حكومة جبل طارق على لسان رئيسها فابيان بيكاردو.
من ناحيته، اعتبر رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الإيرانية البريطانية مصطفى كواكبيان احتجاز الناقلة بأنه “قرصنة بحرية وعداء غير قانوني لإيران”، وقال إنه يثبت من جديد “تبعية بريطانيا لأميركا وهشاشة ادعاءات لندن بإنقاذ الاتفاق النووي”.وعلى منابر الجمعة أدان عدد من الخطباء احتجاز الناقلة، واصفين إياه بالقرصنة، وطالبوا الخارجية برد صارم على بريطانيا التي وصفوها بـ”الاستعمار العجوز”، حسبما نقلت عنهم وكالة إرنا الرسمية. من جهة أخرى، قال مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان للجزيرة نت إن احتجاز الناقلة “خطوة مقلقة وتدعو للتصعيد، خاصة أنها تأتي قبل ثلاثة أيام من المهلة التي حددتها إيران للاتحاد الأوروبي بغية إنقاذ الاتفاق النووي قبل أن تقوم بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم”.
واعتبر صدقيان أن حالة اللاحرب واللاسلم بين واشنطن وطهران “خطيرة جدا”، وحذر من تفشي القرصنة البحرية وتقنينها، مما يفضي إلى فوضى في التطورات الدولية.وأضاف أنه “إذا صحت الرواية الإسبانية بأن البحرية البريطانية احتجزت الناقلة الإيرانية بناء على ضغط أميركي وقرار من وزارة الخزانة الأميركية فهذا يعني أنه من حق البحرية الإيرانية احتجاز أي ناقلة بناء على قرار من وزارة الخزانة الإيرانية، بمعنى أننا أمام قرصنة مقننة”.
ويرى القائد الأسبق للقوة البحرية في الحرس الثوري الجنرال حسين علائي أن احتجاز الناقلة جاء بناء على طلب أميركي، وقال إن “بريطانيا كانت دائما داعمة لأميركا، لأن واشنطن تريد اصطفاف لندن إلى جانبها في الضغط على إيران، ولذلك توكل بعض المهمات إلى الجيش البريطاني”.وأضاف علائي “للرد على هذه الإجراءات العدائية مبدئيا ينبغي التحرك سياسيا وقانونيا وحقوقيا، فإذا لم يكن ذلك مجديا يمكن الرد بالمثل”.
وفي السياق، رفض عضو لجنة الطاقة بالبرلمان الإيراني كوروش حقيقي “تبرير بريطانيا لاحتجاز الناقلة”، واصفا لندن وواشنطن بأنهما وجهان لعملة واحدة في العداء لإيران، واتهم بريطانيا بالتبعية لأميركا وإسرائيل.وشدد حقيقي على أن هناك من يريد ابتزاز إيران، وطالب حكومة بلاده برد حازم تجاه ما قامت به بريطانيا، ووعد بدراسة الموضوع قريبا في لجنة الطاقة البرلمانية.
وبهذا الاحتجاز البريطاني لناقلة النفط الإيرانية، انضمت بريطانيا، بعد فترة من التحفظ، إلى الموقف الأميركي المتشدد حيال أنشطة إيران في المنطقة وأجنداتها التخريبية، ما يمثّل تحولا لافتا في السياسة البريطانية التي تبذل مجهودات مضنية لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، حيث وصل الأمر بها إلى غض البصر في الكثير من الأحيان عن تصرفات طهران في المنطقة. وفي هذا السياق قال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت مؤخرا، إن بريطانيا “شبه متأكدة” من أن إيران تقف وراء الهجمات على ناقلتيْ النفط في خليج عمان الشهر الماضي، مضيفا أن لندن لا تعتقد أن أي أحد آخر يمكنه القيام بذلك، ما يقرّب الموقف البريطاني المتحفظ عموما حيال إيران من الموقف الأميركي المتشدد حيال أنشطتها التخريبية في المنطقة.
ولا يبدو الموقف البريطاني حيال أنشطة طهران المزعزعة لاستقرار المنطقة أقل شراسة من الموقف الفرنسي الذي بدأ يفقد ليونته ويقترب أكثر فأكثر من الموقف الأميركي، بعد أن رفضت باريس الفصل بين الاتفاق النووي مع إيران وبرنامجها الباليستي. والسؤال الذي يطرح في سياق التهديد الايراني لبريطانيا: هل ستقوم طهران حقّا باحتجاز ناقلات بريطانية؟
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية