إعادة هيكلة الحشد الشعبي تسلط الضوء على الوضع الشاذ للبيشمركة الكردية

إعادة هيكلة الحشد الشعبي تسلط الضوء على الوضع الشاذ للبيشمركة الكردية

أربيل (العراق) – أطلق الأمر الديواني الذي أصدره مؤخّرا رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي ونصّ على إعادة تنظيم فصائل الحشد الشعبي وتوحيدها تحت راية القوات المسلّحة، المقارنات بين الحشد وقوات البيشمركة الكردية على اعتبار الأخيرة غير خاضعة بدورها لسلطة الحكومة العراقية التي يشغل رئيسها أيضا منصب القائد العام للقوات المسلّحة.

ورغم الشكوك في دوافع إصدار ذلك الأمر، ورغم الغموض الذي لفّ الجانب التنفيذي فيه، وعدم الوثوق بإمكانية تطبيقه على أرض الواقع، إلاّ أنّه أعاد تسليط الأضواء على وضع شاذ في العراق يمثّل أحد أكبر العوائق أمام إعادة ترميم هيبة الدولة العراقية واستعادة سلطاتها، وهو وجود قوى مسلّحة أصبحت بفعل كثرة أعداد مقاتليها ومستوى تسليحها وخضوعها لأوامر قادتها ومموليها، بمثابة جيوش رديفة للجيش العراقي.

وعلى اعتبار الحشد الشعبي مؤلّفا في غالبيته العظمى من ميليشيات شيعية فإنّ الطابع الطائفي هو الغالب عليه، بينما السمة القومية والعرقية هي ما يميّز قوات البيشمركة التي هي بمثابة جيش لإقليم كردستان العراق.

ولئن تشترك القوّتان رغم تبعيتّهما الصورية للقوات المسلّحة العراقية فإن زمام قيادتهما ليس بيد الدولة المركزية بل بيد قادة ميليشيات وأحزاب بالنسبة للحشد، وبيد قيادات إقليم كردستان العراق من الحزبين الكبيرين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني، بالنسبة للبيشمركة.

ومن هذا المنطلق لا تخدم القوّتان بالضرورة أهداف الدولة العراقية خصوصا إذا تضاربت مصالحها مع مصالح مراكز القوى التي تخضعان لها.

وعلى سبيل المثال فإنّ العديد من الفصائل المشكّلة للحشد الشعبي موالية لإيران على أساس عقائدي وطائفي كما أنّها مدينة لها بالمساعدات المالية والتقنية ما يجعلها مستعدّة لخوض معارك إيران والانخراط في صراعاتها، وهو بالتحديد ما يثير المخاوف بشأن استخدام طهران لتلك الفصائل في ضرب القوات والمصالح الأميركية على الأراضي العراقية في إطار التصعيد الحالي بينها وبين واشنطن.

أمّا بالنسبة للبيشمركة، فإنّها لم تكتف بالحفاظ على استقلالها الكامل عن سلطة الحكومة العراقية، وعن إمرة رئيسها القائد العام للقوات المسلّحة، بل إنّها أظهرت خلال حرب السنوات الأخيرة ضد تنظيم داعش استعدادها لأن تتحوّل إلى “قّوة احتلال” للمناطق المتنازع عليها والتي يطالب إقليم كردستان العراق بضمّها إليه.

وبالفعل استغلّت البيشمركة مشاركتها الفاعلة في تلك الحرب وبسطت سيطرتها على عدد من تلك المناطق في شمال وغرب العراق حتّى إنّ القائد التاريخي الكردي مسعود البارزاني قال حينها إنّ حدود إقليم كردستان بصدد الرسم بالدم.

وفي أوضح تناقض بين القوات العراقية والبيشمركة الكردية استخدم الجيش العراقي في خريف سنة 2017 إثر تنظيم إقليم كردستان استفتاء على استقلاله عن الدولة العراقية، القوّة لطرد البيشمركة من كركوك أهم منطقة عراقية متنازع عليها، وحلّ محلّها في المحافظة الغنية بالنّفط.

وصدرت أوضح مقارنة بين الحشد الشعبي والبيشمركة الكردية كقّوتين تستحقّان معا إعادة الهيكلة عن رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي قائد ائتلاف النّصر.

وطالب الائتلاف في معرض التعقيب على قرار رئيس الوزراء الحالي عادل عبدالمهدي إعادة تنظيم الحشد، بأن تشمل الإجراءات التنظيمية المنصوص عليها في الأمر الديواني قوات البيشمركة.

وعبّر ائتلاف العبادي عن تأييده لقرار عادل عبدالمهدي إعادة ترتيب أوضاع الحشد الشعبي، لكنّه دعاه في المقابل إلى إصدار أوامر وتعليمات لتنظيم البيشمركة وجميع الأجسام العسكرية وشبه العسكرية في البلاد.

وقال المكتب الإعلامي للائتلاف في بيان إن “ائتلاف النصر يعلن تأييده للأمر الديواني 237 الخاص بتنظيم مؤسسة الحشد الشعبي، ويؤكد دعمه لأي مسار يعزز من قوة وسيادة الدولة”، معتبرا أنّ “وحدة واستقرار الدولة يقتضيان واحدية قوّتها وقواتها، وواحدية سلطاتها ومؤسساتها. واستثناء أي قوة خارج إطار التنظيم والسيطرة والتوجيه الحكومي سيرسخ تشظي الدولة وانقسام سلطاتها وذهاب هيبتها وسيادتها”.

ويسلّم أكراد العراق بالتبعية الصورية للدولة المركزية العراقية وهو وضع يستفيدون منه سياسيا وماليا وكثيرا ما يحتالون لتكييفه بطريقة تبقي على قدر كبير من استقلاليتهم، على غرار بيعهم النفط المنتج بالإقليم وعدم ضخ عوائده في خزينة الدولة العراقية مثلما تنصّ عليه القوانين، لكنّهم عندما يتعلّق الأمر بقوات البيشمركة فإنّ رفضهم يكون باتّا وقاطعا لأي إجراءات من شأنها أن تجعل تلك القوات خاضعة بالفعل لأوامر بغداد وسلطتها.

وظهر هذا الموقف الحازم مجدّدا في الردّ على مطالبة العبادي بأن تسري إجراءات عبدالمهدي على البيشمركة كما على الحشد الشعبي.

ورفضت وزارة البيشمركة أي مقارنة لقواتها بميليشيات الحشد، معتبرة أنّها تختلف عنها جذريا، وأن الاختلافات بشأن المسائل الهيكلية والتنظيمية للبيشمركة جزء من “القضايا العالقة بين أربيل وبغداد وبحاجة إلى اتفاق بين الطرفين”.

ونقلت شبكة رووداو الإعلامية عن وكيل وزارة البيشمركة سربست لزكين قوله إنّ البيشمركة تعتبر نفسها جزءا من المنظومة الدفاعية للعراق، وهي مختلفة جدا عن الحشد الشعبي من النواحي التاريخية ومن حيث المواقف، مؤكّدا “نحن مع إعادة النظر في وضع البيشمركة، لكن الحكومة العراقية لم تمد لنا يد العون حتى الآن، ولم تقم إلا في السنة الحالية بتثبيت ميزانية للبيشمركة رغم أن تلك الميزانية لم تُصرف”.

ورغم الامتعاض الكردي من أي حديث عن إعادة ترتيب وضع قوات البيشمركة على يد الدولة المركزية العراقية، فإنّ هذا الاحتمال يظل شبه مستحيل بالنظر إلى أوضاع تلك الدولة وطبيعة نظامها القائم على المحاصصة، والمسلّم بالتقسيمات الطائفية والعرقية والمناطقية كأمر واقع، كما أنّ إعادة هيكلة الحشد الشعبي بحدّ ذاته تبدو صورية إلى أبعد حدّ ويبدو طرحها أقرب إلى خطوة تكتيكية هادفة إلى تجنيب حكومة رئيس الوزراء الحرج وإبراء ذمّتها من أي انخراط محتمل للميليشيات الشيعية في أي صدام مسلّح يمكن أن ينشب بين إيران والولايات المتحدة وتكون الأراضي العراقية أحد مسارحه.

العرب