تعطيل جلسات مجلس الوزراء إحدى الأدوات التي يضغط بها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لفرض إرادته على المعارضين لسياساته، ولا يتوقع أن يعدل باسيل في نهجه خاصة وأنه يحظى بدعم وغطاء من رئيس الجمهورية ميشال عون وحليفه حزب الله الذي لا يبدو أنه في وارد التدخل لمعالجة مأزق قبرشمون وما استتبعها من فرملة للعمل الحكومي.
بيروت – شهد قصر بعبدا الاثنين حركة دبلوماسية متسارعة لاحتواء تداعيات حادثة قبرشمون التي لا تزال تلقي بظلالها على المشهد في لبنان وتعيق انعقاد جلسات مجلس الوزراء المقبل على استحقاقات مصيرية في علاقة بالأزمة الاقتصادية.
واستقبل رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون رئيس مجلس النواب نبيه بري وكلا من رئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان ووزير المهجرين صالح الغريب، وسط مؤشرات تفيد بأن هذه التحركات لم تسفر عن أي اختراق خاصة مع إصرار أرسلان ومن خلفه وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على موقفهما لجهة تسليم المطلوبين للمجلس العدلي وذلك بدعم من حزب الله.
ويلتزم حزب الله الصمت حيال مسار الأمور التي تبعت حادثة قبرشمون بيد أن دوائر سياسية تقول إن الحزب يتابع عن كثب الأوضاع، رافضا في الآن ذاته التدخل وممارسة ضغوط على حليفه باسيل أو أرسلان لإنهاء الأزمة، في تناقض مع مساعي حليفه نبيه بري.
وتعود حادثة قبرشمون إلى الأحد 30 يونيو حينما واجه موكب لوزير المهجرين صالح الغريب في المنطقة الواقعة في قضاء عاليه بمحافظة جبل لبنان مجموعة من المحتجين من أنصار الحزب التقدمي الاشتراكي على زيارة لوزير الخارجية جبران باسيل، وانتهت هذه المواجهة بين الطرفين بإطلاق نار سقط خلاله اثنان من مرافقي الغريب قتلى وهم من عناصر الحزب الديمقراطي.
وكادت الأمور تتدحرج إلى فتنة درزية درزية لولا التحركات السريعة التي قام بها الجيش والقوى الأمنية، بيد أن شظاياها السياسية لم تخمد في ظل إصرار باسيل وأرسلان على وجوب تسليم الحزب التقدمي الاشتراكي للمطلوبين وإحالتهم على المجلس العدلي بذريعة أن ما حصل هو محاولة اغتيال لوزير.
ويقاطع وزراء التيار الوطني الحر ووزير المهجرين جلسات الحكومة، للضغط من أجل الاستجابة لمطالبهم التي هي محل رفض العديد من القوى السياسية ومنها تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي.
ويتصدر رئيس مجلس النواب جهود إيجاد تسوية سياسية للأزمة التي باتت تهدد بفرط عقد الحكومة، في المقابل كلف رئيس الوزراء سعد الحريري اللواء عباس إبراهيم المدير العام للأمن العام ببحث التسوية الأمنية والقضائية مع الأطراف المعنية.
ويقول مراقبون إنه على ضوء المعطيات الحالية من المستبعد عقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل، رغم أن هناك العديد من الملفات التي تتوجب معالجتها، ومنها ميزانية العام 2019 وملف الكهرباء والتهرب الضريبي.
ويمر لبنان بوضع اقتصادي صعب، وتطالب المجموعة الدولية بإصلاحات سريعة لدعمه، بيد أن المزايدات السياسية والتعطيل الجاري لمجلس الوزراء من شأنهما أن يعززا الشكوك في قدرة هذا البلد على النهوض اقتصاديا.
ودعا نائب رئيس الوزراء غسان حاصباني إلى “ضرورة ألا تكون الحكومة مكانا لتفجير التشنجات والتموضع السياسي لأن كل يوم تعطيل أو تأخير لعملها يأتي علينا بمزيد من الخسارة على الصعيد الاقتصادي والمالي”، وقال “هناك من يدفع بنا إلى انهيار اجتماعي واقتصادي كامل”.
وحذر عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص من أن لبنان لم يعد يستطيع الصمود بوجه التعطيل الحكومي. وقال “علينا إقرار الموازنة بسرعة كما تحضير موازنة 2020 وكل الإصلاحات التي فاتنا إقرارها بموازنة 2019 علينا إقرارها في العام 2020”.
وأضاف عقيص في تصريح صحافي، “إذا تأخرنا بالاتفاق على الإصلاحات الجذرية نكون بصدد التوقيع على إفلاس دولتنا، وأهم هذه الإصلاحات الخصخصة والحدّ من التهرب الضريبي والتهرب الجمركي واستكمال خطة الكهرباء”. ويستبعد مراقبون أن تؤدي عملية لي الذراع التي يمارسها باسيل بغطاء من حزب الله إلى إسقاط الحكومة، خاصة أن لا أحد بإمكانه تحمل مسؤولية الانسحاب في ظل الوضع الراهن.
ويعتقد المراقبون أن الساعات المقبلة خاصة مع عودة رئيس الوزراء إلى بيروت قد تسفر عن حلحلة الأمور، ولكن لا يمكن الجزم بذلك، ذلك أن باسيل الذي يستشعر أنه في موقع قوة يرفض تقديم أي تنازل ويعتبر ما يحصل معركة فرض إرادات.
العرب