أثار إعلان النظام السوري تغيير أهم رؤساء أفرعه الأمنية ممن أشرفوا على مجمل عمليات الاعتقال والتعذيب والاغتيال منذ بداية الثورة عام 2011 تساؤلات كثيرة حول إن كان ذلك «عملية تجميل» وجه ضرورية بعد أن خضع أغلب هؤلاء لعقوبات دولية، أم أن الأمر يرتبط باستعداد النظام لتطوّرات سياسية مقبلة في سوريا والمنطقة وذلك بعد لقاء قمة عسكريّ ـ أمنيّ أمريكي ـ روسي ـ إسرائيلي (تناظر مع ما سمّي بـ«ورشة البحرين») وتدارس صفقة ممكنة تعيد تطبيع العلاقات الأمريكية مع النظام مقابل خروج إيران من البلاد.
تبع ذلك لقاء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع جريدة «فايننشال تايمز» البريطانية، ووردت فيه سوريا بطريقتين، الأولى حين اعتبارها «تجربة قتالية لا تقدر بثمن»، والثانية، في سياق انتقاد ألمانيا على سماحها لمليون من السوريين الهاربين من الحرب باللجوء إليها معتبرا إياها «غلطة أساسية» «لأن المهاجرين يمكن أن يقتلوا ويغتصبوا بحصانة لأن حقوقهم كلاجئين يجب أن تحمى»!
انشغال الرئيس الروسي بالتجارب القتالية في سوريا، وإعلان نهاية الليبرالية الغربية، وتهديد «الخونة» بالموت، ومنع السماح للهاربين من الموت بصواريخه باللجوء إلى أوروبا، يجد تعاطفا لدى نظيره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يدير دفّة العالم بمنظور سياسي مشابه، وهو ما يفسّر إعطاء بوتين عقد مقاولة إخراج إيران من سوريا مقابل التطبيع مع النظام السوري.
في هذه الأثناء، تأتي خطوة تغيير فروع رؤساء الأمن، وتصريح مسؤولي النظام عن «تحقيق تقدم كبير والاقتراب من انجاز اتفاق لجنة مناقشة الدستور»، واستقبال الأسد لوزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي، وكذلك إعلان وزير الخارجية وليد المعلم، مؤخرا، أن سلطات بلاده تعتزم استقدام آلاف العمال من كوريا الشمالية، كإشارات عديدة للقول إن النظام ليس في حالة انعدام وزن سياسي وإنه ليس شاهدا فحسب على «التجارب القتالية الروسية» في بلاده، فالحقيقة، حين يتعلق الأمر بالبطش والقتل واستهداف المدنيين وقتل مواطنيه، فإن النظام فاعل أساسي، وأنه يشارك في ذلك بحماس حقيقي، وهو بالتالي ليس منفذا للأوامر الروسية فحسب.
وما دام الحديث الرائج في المنطقة حاليّا هو عن الاستثمارات والصفقات فقد تم تداول أحاديث عن إمكانية مساهمة العملاق الصيني في «إعادة بناء» سوريا المهدّمة، وهو أمر يتصادى مع الأوهام التي يعتاش عليها النظام السوري، الذي وعد بكين بضخ نفطها مقابل القروض الميسّرة التي ستحصل عليها وأنها مستعدة لعقد صفقاتها بالعملة الصينية اليوان، مع ملاحظة أن النظام لا يسيطر حاليا على تلك الآبار التي يريد بيعها.
ربط البعض الإجراءات الأمنية الأخيرة بمسألة الحد من سيطرة إيران الخلفيّة على استخبارات النظام، وإذا أضيفت حكاية «حكومة الظل» الإيرانية في سوريا هذه، للهزائم التي مني بها النظام في ريف حماه وإدلب واللاذقية مؤخرا، والتي قيل إن سببها عدم مشاركة الميليشيات الإيرانية في المعارك، سنستنتج أن مشروع «إخراج» إيران من سوريا لا يجد نجاحا كبيرا، وهو يشبه في فشله استجلاب الأموال الصينية المزعومة، والعمال الكوريين الشماليين، وإنهاء أمل السوريين بنظام مدني كبقية شعوب الأرض.
القدس العربي