كيف رفرف العلم الأميركي على سطح لا رياح فيه

كيف رفرف العلم الأميركي على سطح لا رياح فيه

واشنطن – أحيت الولايات المتحدة يوم 20 يوليو ذكرى مرور 50 عاما على إرسال إدارة الطيران والفضاء الأميركية ناسا رواد فضاء إلى القمر، وهو واحد من الإنجازات الكبيرة لوكالة الفضاء، وذكرى تأمل ناسا في أن تلهم بعودة إلى القمر واكتشاف ما وراءه ثم إرسال طاقم إلى كوكب المريخ.

تحتفل الولايات المتحدة في كل سنة بهذه الذكرى، التي مازال البعض يشكك فيها ويفضّل تصديق نظرية المؤامرة وتبريراتها على تأكيدات العلماء والمتخصصين. وتحمل ذكرى هذه السنة خصوصية لا فقط باعتبار أنها الذكرى الـ50 لقفزة نيل أرمسترونغ الشهيرة على سطح القمر، بل أيضا من سياقها الدولي العام الذي يذكر البعض بأجواء الحرب الباردة والسباق الروسي الأميركي نحو الفضاء.

أصبح أرمسترونغ أول إنسان يسير على سطح القمر في 20 يوليو 1969، بعد نحو ثماني سنوات فقط منذ أن أصبح رائد الفضاء السوفييتي يوري غاغارين أول شخص يطير في الفضاء في 12 أبريل 1961. وكان أرمسترونغ قائدا للمهمة أبولو 11 التي ضمت أيضا رائدي الفضاء الأميركيين إدوين باز آلدرين ومايكل كولينز.

وقال أرمسترونغ، وهو يخطو بهدوء على سطح القمر، “هذه خطوة صغيرة بالنسبة لرجل وقفزة عملاقة للبشرية”. وبعد حوالي 19 دقيقة، تبع ألدرين أرمسترونغ ليصبح ثاني رجل في العالم ينزل على سطح القمر.

وعاد رواد الفضاء إلى الأرض محملين بنحو 21 كيلوغراما من الصخور وعينات من التربة القمرية، لتتم دراستها على الأرض. وأطلقت إدارة الطيران والفضاء الأميركية ناسا بعد ذلك عدة رحلات مأهولة بالبشر إلى القمر.

وفي 14 ديسمبر 1972، أطلقت ناسا المهمة أبولو 17، التي كانت آخر رحلة مأهولة بالبشر إلى القمر، وجادل البعض حينها بأن نهاية الحرب الباردة قلصت الحافز على إرسال مهام جديدة إلى القمر. إلا أنّ مهمة ناسا الأولى لإنزال بشر على سطح القمر، لم تكن خالية من التشكيك ونظريات المؤامرة، حيث يتهمها البعض بأنها “مفبركة”.

ويسخر الكاتب الأميركي تايلر داوسن من هذه الأفكار متسائلا، في تحقيق نشرته مجلة ذو ناشيونال بوست، أليس من المعقول أن تزوّر دولة عظمى بعض الإنجازات لتحقيق الانتصار في الحرب الباردة؟. ويستشهد داوسن في تحليله بتصريحات خبراء على غرار روجر لونيوس، مؤرخ الفضاء السابق في وكالة ناسا، الذي يقول “كيف يمكنكم أن تصدقوا هذه النظرية؟”.

واستحضر لونيوس، مؤلف كتاب “تراث أبولو: وجهات نظر حول الهبوط على سطح القمر”، مجموعة مماثلة من النظريات مثل تلك التي تدعي أن الفضائيين القدماء هم الذين تولوا بناء الأهرامات، مضيفا “بالنسبة لي، يعد كل هذا نتيجة لحفنة من الناس الذين يصدقون القصص المجنونة التي يسمعونها”.

لم توقف تصريحات مؤرخ الفضاء السابق وغيره من الشخصيات عقودا من النقاش المستمر الذي يشكك في هبوط رواد الفضاء الأميركيين على سطح القمر يوم 20 يوليو 1969. ويقول البعض إن العملية بأكملها صوّرت في مكان ما في “المنطقة 51”، وهي قاعدة عسكرية مشهورة تقع في الجزء الجنوبي من ولاية نيفادا. وتعدّ هذه القاعدة مركز نظريات مؤامرة أخرى تتعلق بالفضائيين.

ويجادل أصحاب نظرية المؤامرة بأن رواد أبولو 11 لم يهبطوا مطلقا على القمر وأن العالم شاهد بدلا من ذلك مشاهد مزيفة تم تصويرها في أحد استوديوهات هوليوود.

وحسب تقارير إعلامية أميركية، فإن البعض على قناعة بأن ما حدث قبل خمسين عاما كان مجرد فيلم أميركي باهظ التكاليف أنتج وأخرج برعاية وكالة ناسا بهدف إقناع الاتحاد السوفييتي بتفوّق الولايات المتحدة في مجال الفضاء مما يتيح للأخيرة التفوق العسكري في حال حدوث حرب بين الدولتين.

واستند مروجو تلك النظريات إلى عدة أمور، من بينها أن العلم الأميركي كان يرفرف على سطح القمر، رغم أنه علميا لا توجد رياح على سطحه. ونجح أرمسترونغ في المشي على سطح القمر ونصب العلم الأميركي هناك، إلا أن المركبة القمرية التي هبط بها على القمر أسقطت العلم خلال إقلاعها للعودة إلى الأرض، لكن أرمسترونغ كان قد التقط صورا للعلم قبل أن يسقط.

PreviousNext
كما تساءل مروجو نظرية المؤامرة حول عدم وجود نجوم في الخلفيات، حيث أن جميع الصور تظهر السماء كاحلة دون أي آثار للنجوم أو لأي أَجرام سماوية. كما أقر علماء فضاء بوجود طبقات إشعاعية حول القمر مما يجعل اختراق الإنسان لهذه الطبقة دون الإصابة بالسرطان أو تقرحات جلدية أمرا مستحيلا، وقد لوحِظ أنّه لم يصب أي من رواد فضاء رحلة أبولو 11 بأي أذى.

ويعلق على هذه النظريات أوليفر مورتون، مؤلف كتاب “القمر: تاريخ للمستقبل”، بقوله “كواحدة من الأحداث الرئيسية الأولى التي نقلتها شاشات التلفزيون عندما كانت الجماهير مذهولة بالمسلسلات والبرامج التي تعرضها، ألّفت نظرية الهبوط على سطح القمر لإقناع المشاهدين الذين يسهل التأثير عليهم”. وتم وصفها بأنها “نظرية غريبة”.

وأضاف مورتون “كان الهدف وراء إرسال أبولو إلى القمر يكمن في إظهار قدرة أميركا على تحقيق المستحيل أمام العالم. ومن زاوية غريبة، تبدو نظرية المؤامرة وكأنها جانب مظلم لذلك، لأنها تدعي أن أميركا أظهرت للعالم أنها تستطيع أن تدفع الناس لتصديق المستحيل بدلا من تحقيقه”.

الهيكل المهيمن
مثل كل نظريات المؤامرة، تقوم إدعاءات تزييف الهبوط على القمر على فكرة أن “الهيكل المهيمن (الحكومة أو غيرها) يكذب”. وقال لونيوس “تنتشر هذه الروايات مع توفر تفسير بديل للأحداث التي ترتبط مع

نقص في فهم العلوم والتكنولوجيا لدى الأشخاص الذين يبدون استعدادهم لتصديق هذا النوع من الإدعاءات”.وتقدم نظرية المؤامرة

التي تكذّب الهبوط على القمر أنواعا مختلفة من “الأدلة” والحجج. وتشير استطلاعات الرأي المختلفة إلى أنّ معدل انتشار هذا الاعتقاد كان 6 بالمئة في الولايات المتحدة خلال الاحتفال بالذكرى الثلاثين للعملية، و57 بالمئة في روسيا سنة 2018. ويلفت تايلر داوسن إلى أن من بين الأسباب التي أبقت هذه النظرية حية هي أنها كانت مادة دسمة كتب عنها الكثير ثم استفاد أنصارها من الإنترنت، كما أنتج فيلم وثائقي حولها سنة 2001 تحت عنوان “نظرية المؤامرة: هل هبطنا على سطح القمر؟”. وأعاد هذا الاهتمام الحديث عن الموضوع ونشر العديد من حججه الرئيسية.

ويقول البعض، من أنصار نظرية المؤامرة، إن الحكومة الأميركية اضطرت لتزوير العملية لأهمية سباق الفضاء خلال الحرب الباردة. إذ لم يكن النصر الأميركي على الاتحاد السوفييتي معركة تكنولوجية فحسب، بل كان صراعا بين “الحرية والشيوعية”. ويرد على ذلك لونيوس بقوله “في الحرب، يفوز طرف ويخسر آخر. ويبقى المستقبل ملكا للذي يمكنه إتقان العلوم والتكنولوجيا.. هذا ما كان سباق الفضاء يحوم حوله”.

تعود الحجة التي تكذّب الهبوط على سطح القمر إلى بيل كايسينغ، الكاتب والضابط السابق بالبحرية الأميركية، الذي نشر كتابا سنة 1976 بعنوان “لم نذهب أبدا إلى القمر: خدعة أميركية بلغ ثمنها ثلاثين مليار دولار”. وأشار العديد من الكتاب إلى أهمية ذلك التوقيت، حيث كان الغضب عارما بسبب حرب فيتنام التي زعزعت الثقة في الحكومة الأميركية.

وقال مورتون “حدث هذا في وقت كانت فيه فكرة تآمر الحكومة على شعبها سرا أكثر جاذبية للأميركيين”.

ويضيف داوسن “وحتى يومنا هذا، يبقى الكثير مما كتبه كايسينغ، الذي توفي سنة 2005، حجر أساس نظرية المؤامرة التي تكذب صحّة الهبوط على سطح القمر. واعتمد نهجا قائما على الأدلة أين جادل أن التكنولوجيا التي كانت تمتلكها ناسا لم تكن متقدّمة بما فيه الكفاية للوصول إلى القمر، وأنه لا توجد طريقة آمنة لسفر رواد الفضاء عبر حزام فان آلن الإشعاعي”.

لكن “أجسام الهياكل الفضائية صممت لمواجهة هذا، وعلى الرغم من سعة الحوسبة المحدودة مقارنة باليوم، يبقى كمبيوتر ناسا الذي يتجاوز وزنه الثلاثين كيلوغراما قادرا على تكرار المهمة”.

في تبريرها لحجة أن العلم الأميركي بدا وكأنه يرفرف على سطح القمر حيث لا توجد رياح، أوضحت وكالة ناسا أن قوة الدفع التي صاحبت وضع العلم أدت إلى تشكل تموجات في قطعة القماش.

وفي توضيح لما قاله بعض المتآمرين بخصوص الظلال التي ظهرت في صور رواد فضاء على القمر وأكدوا غياب النجوم في الخلفية، قالت ناسا إن الظلال نتجت عن الضوء الذي ينعكس على سطح القمر وذلك الصادر عن عدسات الكاميرا والمار عبر الغبار القمري. أما بالنسبة للنجوم، فقد كانت مرئية في الطريق إلى القمر، لكن لا يمكن رؤيتها عند الهبوط لأنه حدث أثناء النهار في القمر. وتركز الكاميرات على رواد الفضاء الذين أضاءتهم الشمس.

وبالنسبة لتايلر داوسن قد تكون الحجة المضادة الأكثر إقناعا لنظرية المؤامرة هي أن مئات الآلاف من الأشخاص عملوا في برنامج أبولو الفضائي، ومن غير المرجح أن يكون جميعهم كاذبين، فيما يقول لونيوس “لا توجد عوائق تحد من دخول الأفكار المجنونة إلى المجتمع. ولهذا السبب، تنتشر هذه الروايات”.

وقد تزهر روايات أخرى بينما يستعد العالم لسباق الفضاء الثاني والدخول إلى عصر يبحث فيه اللاعبون العالميون والشركات الخاصة مد قوتهم وتجاوز حدود الأرض والغلاف الجوي لتطال أقدامهم كل الكواكب الممكنة.

العرب