الشباب الليبيون وقود حرب لم يختاروها

الشباب الليبيون وقود حرب لم يختاروها

دفعت ظروف الحرب الليبية طيفا واسعا من الشباب ليكونوا أدوات بيد الميليشيات التي توفر الأمان والحماية لهم ولعائلاتهم، وأمام قلة فرص العمل وانعدام الأمل بتحسن الظروف يكون الإغراء بالثراء السريع وجني الأموال وسيلة مثالية لاستقطابهم من مختلف أطراف الصراع.

طرابلس- منذ سنوات وجد الشباب الليبيون أنفسهم في مستنقع كبير من الأزمات والحروب السياسية، وفيما يتقاسم أطراف الصراع الغنائم والمناصب والسلطة، لم يتبق لجيل واسع سوى البحث بنفسه عن الحلول مهما كانت منافية لقناعاته أو أفكاره لإنقاذ نفسه وتأمين سبل العيش.

والتكيف مع الواقع الليبي فرض على الشباب السير في طريق وعرة وشائكة، وفرض عليهم القبول بحلول ليسوا بالضرورة راضين عنها، لكنها في غياب دولة القانون واستبعادهم عن صنع القرارات، كانت الوحيدة المتاحة.

استغلال الحاجة
وتبدأ أزمة الشباب الليبيين من قلة فرص العمل التي فتحت الأبواب للسياسيين والميليشيات المسلحة لاستغلال حاجة الجيل الباحث عن فسحة أمل، لحياة أفضل أو حتى تلبية متطلبات الحياة الأساسية، في ظل ضيق الأفق.

ويعتبر محمد (26 عاما) (اسم مستعار فضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لضرورات أمنية) ويقيم في مصراتة غرب البلاد، أن سوق العمل التابع للحكومة معبأ أكثر من اللازم، وأغلب الشباب العاملين فيه دون خبرات ولا شهادات وهم أصلا فائض عن الحاجة.

وأضاف محمد في تصريحات لـ”العرب” “إن الشباب الذين في مثل عمري أغلبهم يشتغلون في مجال الأعمال الحرة أو الشركات الخاصة، فيما الوظائف الحكومية هي حلم صعب المنال بالنسبة لأغلب الشباب لأنها مكتظة بالدرجة الأولى، ثم لأنها تعتبر من القطاعات الأكثر فسادا في البلاد وتخضع للواسطة والمحسوبية، وغالبا ما يتم التوظيف فيها بشكل فردي من قبل الوزارة المعنية دون النظر إلى عدد الموظفين الموجودين أو مدى الحاجة لتعيين آخرين”.

وتابع محمد الذي يعمل مدربا في ناد رياضي “ربما يكون الشاب أفضل حظا في إيجاد عمل في محلات الملابس والأحذية أو المواد الغذائية الموجودة دائما أو العمل في شركات خاصة متنوعة الاختصاصات، لكن الرواتب متواضعة خصوصا بالنظر إلى الغلاء وارتفاع الأسعار”.

ثم تطرق إلى الملف الأكثر تعقيدا وخطورة، وهو الانضمام إلى الميليشيات المسلحة، “لتأمين المستقبل من خلال سلطتها الواسعة التي تملكها داخل مؤسسات الدولة، وقد يتيح العمل معها الدخول للعمل السياسي، فإما أن تحصل على مستقبل جيد وإما على قبر”، وفق تعبيره.
ويعود سبب انضمام العديد من الشباب إلى الميليشيات المسلحة للحصول على رواتب عالية خصوصا أنها تمتلك أموالا ضخمة من صفقات بيع سلاح، ويمكن أن تؤمن للشباب طرقا للسفر خارج البلاد عبر المنح الدراسية أو من أجل العلاج.

ويوضح محمد أن الميليشيات لديها نفوذ في بعض الوزارات، ولدى هذه الميليشيات لجان لجرحاها، وفي كل معركة تقوم اللجان بإخراج بعض الشباب من غير الجرحى خارج البلاد، وبهذه الطريقة يقوم أمراء الميليشيات باستدراج الشباب للمشاركة في حروبهم ثم يخرجون البعض منهم للعلاج في صربيا وألمانيا وتركيا وفرنسا.

ووفقا لمحمد، يمكن الحديث عن استقطاب الشباب بإغرائهم بالثراء السريع لأن الميليشيات تعج بالفساد وتشرف على عمليات تهريب البشر

وتمتلك علاقات واسعة مع عصابات دولية مختصة بالهجرة، إضافة إلى تجارة المخدرات وصفقات السلاح مع الدول الداعمة للصراع، وبالتأكيد الكثير من الشباب ليسوا مع هذه الميليشيات، لكن قد يكون البعض منهم مواليا لها بسبب العرق أو المنطقة أو القبيلة.

وليست الميليشيات وحدها من تعمل على استقطاب الشباب، إذ تتشارك هذه المهمة مع السياسيين والأحزاب على اختلاف توجهاتها، إضافة إلى رجال الأعمال الداعمين للميليشيات، ويلعب المال دورا كبيرا في خدمة هذه الجهات إضافة إلى الأيديولوجيا، وهناك قواسم مشتركة يستعملونها لاستدراج الشباب مثل الدراسة في الخارج والتوظيف، وهي كما يقول محمد أشبه بمنظومة كاملة من الميليشيات والسياسيين والأحزاب. في المقابل يجد البعض من الشباب أن جميع الأبواب مغلقة والخيارات الأخرى معدومة، ولا سبيل آخر لديهم سوى الاستجابة لإغراءات الميليشيات وتجار السياسة والدين.

وغالبا ما يكون هؤلاء الشباب أدوات بيد الميليشيات، وهم الطريقة المثلى لدخول المناطق بطريقة سلمية، والتوغل بين أهلهم وعشائرهم، خاصة أن الميليشيات توفر الأمان والحماية في حال حدوث أي مشكلة، فيستطيع أفرادها الاحتماء تحت ظلها وهذا سبب رئيسي أيضا يجعل الأهل يوافقون على التحاق أبنائهم بهذه الميليشيات للدفاع عنهم في الأزمات، خصوصا أن ليبيا تعج بالعصابات والمجرمين والقتلة.

ويشتغل السياسيون على تبرئة الميليشيات من الجرائم والصفقات والتجارة المشبوهة وتأمين الغطاء القانوني لها بذرائع مختلفة لتقاسم الأرباح معها في ما بعد، بينما تؤمن الميليشيات المسلحة بدورها الحماية للسياسيين من الميليشيات الأخرى.

الإخوان هم الأخطر
وهذا لا ينفي وجود شباب كادحين بعيدين كل البعد عن هذه اللعبة، إذ يفضل الكثيرون التوجه إلى دورات تدريبية تعلم الكهرباء وصيانة السيارات والحلاقة.

ويضيف محمد الذي يعترف بأنه يخضع لحماية إحدى الميليشيات في مصراتة، لكنه يصر على أنه لا يقوم بأي عمل إجرامي أو مناف للقانون، أن المجموعات المنضمة إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” كانت تعمل عن طريق المساجد التي سيطرت عليها قبل الحرب الأهلية الليبية واتضح دورها بعد 2011.

ويؤكد “طبعا جماعة الإخوان المسلمين أكثر تنظيما وقدرة على استقطاب الشباب عن طريق الفكر إذ ينشط أعضاؤها داخل الجامعات ويتوزعون في كل مكان: المقاهي، المساجد والمنظمات الإنسانية، كما يقومون عن طريق رأس المال بإنشاء شركات وتشغيل الشباب ثم تعبئتهم بإقناعهم بأفكارهم”.

ويعتبر الإخوان أخطر وأقوى مجموعة لأن لديهم المال والفكر والتنظيم والعمل السري والخداع تحت ستار الدين من أجل التمكن من عقول الشباب، وتنتهج المجموعات الدينية أساليب متعددة لكي تفرض نفسها كل بطريقتها ولها ميليشيات خاصة بها.

وتؤكد الدراسات أن الصراع الليبي تسبب بتفشي نسبة البطالة في البلاد، حيث كشفت دراسة للمجلس الوطني للتطوير الاقتصادي والاجتماعي وصول نسبة البطالة بين الشباب الليبي إلى 41 بالمئة من إجمالي الفئة العمرية (19 حتى 34 عاما).

وأوضحت الدراسة التي أعدها المجلس بالتعاون مع وزارة التخطيط واليونسكو وصندوق الأمم المتحدة للسكان، أن نسبة الشباب من المجموع الكلي للباحثين عن العمل مؤخرا، وصلت إلى 50 بالمئة، مضيفة أن حوالي 71 بالمئة من الشباب يروا أنه لا تتوفر فرص عمل جيدة لهم في ليبيا.

وأظهرت الدراسة أن أكثر من نصف الشباب 53 بالمئة يشجعون الاستقرار في البلاد على حساب الديمقراطية.

ويبدو أن مشكلات فرص العمل والمجالات المتوفرة تخضع لوجهات نظر مختلفة من منطقة إلى أخرى في ليبيا، إذ يقول بشار الذي يعمل مدرسا في طرابلس (اسم مستعار فضل عدم الكشف عن اسمه)، “لا أعتقد أن ليبيا تعاني من مشكلة شح فرص العمل. والدليل أنها تؤوي من العاملين العرب والأفارقة والآسيويين عددا كبيرا رغم الظروف السيئة من انعدام الأمن وانخفاض سعر الدينار”.

ويضيف بشار (30 عاما) “تتوفر فرص العمل في ليبيا لكن هناك سببان مهمان لعزوف الشباب عن العديد من المجالات، أولهما: نظرة المجتمع الليبي السلبية للحرف والأعمال اليدوية. فالشاب يستمد مكانته في المجتمع من مهن معينة هي الطب والهندسة والمحاماة ونحو ذلك. وهذا خلل اجتماعي عميق”.

وتابع “لكن يجب أن نقول إنه في السنوات الثلاث الأخيرة وبسبب أزمة السيولة والغلاء الشديد الذي ضرب البلاد أصبحنا نرى الشباب الليبيين، بل وحتى الشابات، يشتغلون في أعمال كان بعضهم يستنكف عنها قبل سنوات”.

خلل اقتصادي
والسبب الثاني برأي بشار هو الخلل في بنية الاقتصاد الليبي الريعي القائم على مصدر وحيد للدخل أي النفط، وهو ما جعل معظم الشباب يرون أن أفضل ضمان للمعيشة هو العمل في الدولة، وهذا أيضا ربما يوحي بأن فرص العمل ليست متوفرة بما يكفي، ولكن الحقيقة هي أن عدم الكفاية لا يتعلق إلا بفرص العمل في الدولة. هذا مع العلم بأن نسبة الموظفين إلى عدد السكان كبيرة جدا في ليبيا وهي الأكبر في شمال أفريقيا.

ويرفض بشار القول إن الشباب الليبي مهمش ومستبعد من العمل السياسي، ويقول “لست واثقا من أن تمكين الشباب، لكونهم شبابا فقط دون النظر إلى معايير أخرى، سوف يصنع فرقا كبيرا في السياسة الليبية.

صحيح أن الشباب الآن أكثر انفتاحا على ثمرات الحضارة الإنسانية من خلال وسائل التواصل وارتفاع مستوى التعليم نسبيا وانخفاض الأمية، ولكن مع الأسف فإن الخلل الاجتماعي والنفسي والفكري المسؤول عن تخلف المجتمع الليبي عميق جدا، أعمق من الزعم بأن تهميش الشباب مسؤول عن قدر كبير منه. هذا إن صح أنهم مهمشون فعلا”.

العرب